عمان، الأردن (CNN) -- نجا رئيس الوزراء الأردني، معروف البخيت، من إدانة مجلس النواب له في قضية ما بات يعرف باتفاقية إنشاء كازينو في منطقة البحر الميت، خلال أولى جلسات الدورة الاستثنائية للمجلس مساء الاثنين التي شهدت تصويتا لم يصل إلى النصاب المطلوب للإدانة.
ورافقت جلسة التصويت على القضية عاصفة من الجدل بين أعضاء مجلس النواب واشتباكات ومشادات كلامية، أفضت إلى حدوث انسحابات وتلويح أربعين نائبا بالاستقالة، احتجاجا على إجراءات الجلسة التي رفعت دون استكمالها.
وخصصت الجلسة الأولى لمجلس النواب في دورته الاستثنائية لمناقشة ملف الكازينو بعيد تنسيب رئيس الحكومة بإدراج الملف على أعمال الدورة الاستثنائية استجابة لضغوط شعبية وسياسية داعية لمساءلته في القضية التي شهدتها فترة رئاسته للحكومة عام 2007.
وصوت 50 نائبا باتهام رئيس الحكومة مقابل 53 صوتوا بعدم الاتهام وامتناع 10 نواب، حيث لم يصل عدد المصوتين بالإدانة الى النصاب المطلوب، فيما سبق افتتاح الجلسة كلمة ألقاها البخيت دافع فيها عن نفسه في قضية الكازينو رافقها احتجاجات نيابية.
وقال رئيس لجنة التحقيق النيابية في قضية صفقة الكازينو النائب خليل عطية لـCNN بالعربية، إن اللجنة عملت جاهدة على مدار أشهر للتحقيق في القضية ومساءلة الوزراء والمسؤولين، واوصت باتهام 21 وزيرا سابقا بينهم رئيس الوزراء الحالي ووزير آخر موجود حاليا في الحكومة.
ويملك مجلس النواب الأردني بموجب الدستور صلاحية الادعاء العام بتوجيه اتهامات لوزراء حاليين وسابقين وإحالتهم الى المجلس العالي لمحاكمة الوزراء، في حال التصويت بثلثي العدد الإجمالي من أعضاء المجلس.
وقال عطية الذي انسحب مع مجموعة من النواب عقب التصويت في تصريحات قبيل الجلسة: "إن القرار كان متروكا لمجلس النواب باعتباره صاحب الولاية في القضية استنادا الى التقرير."
وأعرب نواب ممن صوتوا لجهة اتهام الرئيس عن استيائهم وخيبة أملهم من إدارة رئيس مجلس النواب للجلسة والسماح للبخيت بإلقاء كلمة "استدرت عطف البعض" بحسب وصفهم، فيما بدأت التصويت على إدانة وزير السياحة الاسبق في عهد حكومة البخيت الأولى أسامة الدباس، من دون استكمال التصويت على بقية المتهمين في القضية.
وصوت المجلس بأغلبية 86 صوتا من أصل 120 نائبا هو العدد الكلي لأعضاء المجلس بإدانة وزير السياحة، الذي من المتوقع ان يقدم دفوعه أمام المجلس العالي لمحاكمة الوزراء.
من جهته، شكك النائب ممدوح العبادي، بنتيجة جلسة التصويت معتبرا أنه من غير المسموح أن يدلي متهم بأقواله دون الآخر، مشيرا إلى اعتراضه على إدارة الجلسة وعدم توازنها.
وقال العبادي لـCNN بالعربية :" لا يجوز أن يتواجد الرئيس في الجلسة وإن سمح له فيجب أن يتواجد المتهمون العشرون الآخرون وأعتقد أن ترتيب برنامج الجلسة جاء لتخريج الرئيس من القضية."
وحمّل العبادي رئيس مجلس النواب فيصل الفايز مسؤولية إدارة الجلسة وتحديد ترتيب وآلية عملية التصويت، معتبرا أن الجلسة لم تكن عادلة.
ولوح 41 نائبا بمن فيهم أعضاء لجنة التحقيق النيابية بعد انسحابهم من الجلسة بالاستقالة من المجلس ومقاطعة جلساته اللاحقة والطعن في نتائج الجلسة.
وانقسمت مواقف النواب خلال الجلسة بين مؤيدة للاتهامات ومعارضة، و امتدت لنحو ست ساعات في اولى جلسات الدورة الاستثنائية لمجلس النواب الأردني التي صدرت بإرادة ملكية الاسبوع الماضي وتضمنت جدول اعمال محدد من بينها مناقشة قضية الكازينو.
وتسرب تقرير اللجنة النيابية التي شكلت للتحقيق في الملف قبل أشهر الاثنين، فيما شكلت اللجنة بعيد ضغوطات سياسية ونيابية وشعبية لمساءلة البخيت عن الاتفاقية التي وقعت في عهد حكومته الاولى عام 2007 وأجهضت لاحقا.
من جهته أكد النائب السابق في مجلس النواب المحامي مبارك أبو يامين العبادي، أن قرار التصويت في الجلسة دستوري ولا فرصة لإعادة التصويت مجددا ضد رئيس الوزراء، باعتبار ان المجلس صوت بصفة الادعاء العام وليس بصفته التشريعية، بحسبه.
وأوضح العبادي الذي كان رئيسا للجنة القانونية في المجلس السابق لـCNN بالعربية بالقول :" إن الحديث عن السماح لرئيس الحكومة بالحديث قبيل الجلسة يعتبر من الصلاحيات التقديرية لرئيس مجلس النواب وإن كان من باب أولى منح تلك الفرصة بالتساوي للمتهمين الاخرين... لكن ذلك لا يرتب بطلان قرار التصويت بالمطلق ولا يجوز دستوريا إعادة التصويت."
وتضمنت اتفاقية الكازينو الموافقة على منح ترخيص إنشاء كازينو في منطقة البحر الميت لمستثمر بريطاني الجنسية، بشروط جزائية تعويضية وامتيازات تمتد لخمسين عاما، فيما تنص التشريعات الأردنية على عدم جواز إقامة مشروعات تتعلق بمخالفة أحكام الشريعة الإسلامية.
وطالب رئيس اللجنة القانونية في المجلس المحامي عبد الكريم الدغمي خلال الجلسة بإغلاق الملف، مشيرا إلى أن قضية الكازينو تسقط بالتقادم وان ما جرى في الحكومة لا يرقى الى مستوى الجرائم واخطاء كثيرة أخرى."
ورفض النائب أحمد الشقران في تصريحه لـCNN بالعربية، نتيجة التصويت في الجلسة مشيرا إلى أن ثمة وثائق لم يتم توزيعها على النواب تتعلق بالقضية، عدا عن توزيع تقرير لجنة التحقيق قبل ساعات قليلة من انعقاد الجلسة.
وعلق الشقران بالقول إنه تم الالتفاف على القضية وأن اتهام وزير السياحة وتبرئة رئيس الوزراء كان "بمثابة كبش فداء."
وقال البخيت في تصريحات للإعلام سبقت الجلسة بأنه يعتزم الاستقالة في حال إدانة المجلس له في القضية، مضيفا في بداية الجلسة بالقول إن الحكومة التي ترأسها عام 2007 وأقرت اتفاقية الكازينو هي نفس الحكومة التي أوقفت العمل بها؛ مشيرا إلى أنه لم يتم تأجير أية قطعة أرض للمستثمر، وأن الخزينة لم تتحمل أية تعويضات نتيجة لوقف العمل بالاتفاقية.
وأوضح البخيت أنه على استعداد للمحاسبة إذا ثبت أن "في جيبه أي قرش غير راتبه"، أو أنه قام بالعمل لمصلحته الشخصية"، بحسب تعبيره.
ومن المتوقع أن يواصل مجلس النواب صباح الخميس مناقشة ملف الكازينو بالتصويت على بقية المتهمين.
في الاثناء، كان حزب جبهة العمل الإسلامي (الذراع السياسية لجماعة الاخوان المسلمين في الأردن)، قد استبق جلسة النواب بعقد مؤتمر صحافي ظهر الاثنين، كشف فيه عن تفاصيل ملفات فساد من بينها ملف الكازينو.
ودعا الحزب في المؤتمر على لسان القيادي الامين العام للحزب حمزة منصور، العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني إلى اتخاذ مبادرة إصلاح فورية وتشكيل حكومة انقاذ وطني وإجراءات انتخابات نيابية مبكرة، احتجاجا على تباطؤ الاصلاح، وتفشي الفساد بحسبه.
وتشهد المملكة موجة احتجاجات شعبية مطالبة بالإصلاح ومحاربة الفساد منذ عهد حكومة سمير الرفاعي السابقة، التي جاءت حكومة البخيت خلفا لها في شباط الماضي.