القاهرة، مصر (CNN)-- ألقى الرئيس المصري المنتخب، محمد مرسي، خطاباً نارياً أمام أنصاره في ميدان التحرير بالقاهرة، أدى خلاله اليمين الدستورية، كما تعهد بالعمل على إطلاق الشيخ عمر عبدالرحمن المسجون بأمريكا، وحذر من يحاول "النيل من كرامة مصر أو كرامة رئيسها" وأكد أنه سيطالب بكل صلاحياته، واعتبر أن الشعب أعلى من كل الهيئات والسلطات.
ووصل مرسي إلى ميدان التحرير الذي اكتظ بعشرات الآلاف من أنصار مرسي، فهتف معهم قائلاً: "ثوار أحرار سنكمل المشوار."
وقال مرسي: "أيها الواقفون في كل ميادين التحرير وكل القرى والمدن والميادين في مصر يا من تنظرون إلى هذا الموقف، أيها العالم الحر، أيها العرب أيها المسلمون أيها الأحباب، يا شعب مصر.. نقف اليوم لنقول للعالم أجمع، هذه هي مصر، هؤلاء هم الثوار الذين صنعوا الثورة وأرواح الشهداء ترفرف حولها في ميدان التحرير."
وقال مرسي إنه غفل في خطابه السابق عن توجيه التحية لبعض المحافظات والفئات، فذكرها بالاسم، كما أكد تقديره "لأهل الفن والثقافة ورجال الإعلام ومن يعمل بالسياحة ولذوي الإعاقة،" واعتبر أن فوزه بالرئاسة "تكليف عظيم وشرف كبير" يحمله "على رأسه."
وفي لفتة إلى جماعة الإخوان المسلمين التي لم يشر إليها بالاسم، قال مرسي: "هذا الميدان شهد ميلاداً جديداً لمصر، شجرة الحرية بدأ غرسها قبل عشرات السنين، منذ بدايات القرن الماضي، غرس الرجال جذوراً ووضعوا بذوراً روتها دماؤهم وأحيتها تضحياتهم على مدار العشرينيات والثلاثينيات.. والستينيات، وما أدراك ما الستينيات (بإشارة لفترة قمع الجماعة خلال عهد الرئيس الراحل جمال عبدالناصر،) إلى أن وصلنا بعد ظلم طويل إلى 25 يناير."
وتوجه مرسي إلى أنصاره بالتأكيد على "استمرار الثورة لتحقيق كل أهدافها،" وأضاف: "أنا مؤمن تماما أنكم مصدر السلطة والشرعية التي لا تعلو عليها أي شرعية.. من يحتمي بغيركم يخسر.. لا سلطة لأحد ولا لهيئة ولا لجهة فوق هذه الإرادة، الأمة هي مصدر السلطة."
واستند مرسي إلى دعم أنصاره ليوجه رسائل مباشرة ضمن إطار "صراع السلطة" بينه وبين سائر أطراف أجهزة الدولة قائلاً: "لا سلطة فوق هذه السلطة.. لا مكان لأي مؤسسة أو هيئة أو جهة فوق إرادة الشعب.. أقول تسمعني الحكومة والشرطة والجيش وجميع المؤسسات."
وخرج مرسي بعد ذلك عن المنبر المخصص له في المنصة واتجه نحو مقدمة المنصة، وسط ذهول حراسه الذين سارعوا للإحاطة به فسارع إلى فتح سترته قائلاً: "أنا لا أخاف إلا الله ولا أضع سترة واقية من الرصاص، أتيت لأجدد العهد معكم وأقول أنكم وحدكم الجهة التي أبدأ منها، طالباً، بعد عون الله، دعمها وتأييدها."
وتوجه مرسي إلى الحشود بسؤال: "فهل أنتم مستعدون؟" فردوا عليه بالقول "نعم" فأجاب: "لن ينتقص أحد، كائنا من كان، من حقوقكم، مادامت هذه إرادتكم."
وأكد مرسي أنه سيقف على مسافة واحدة من الذين أيدوه خلال الانتخابات ومن الذين عارضوه أيضاً قائلاً: "لن ينتقص حق من حقوق من قالوا لي لا، كما لا ينتقص حق من حقوق من قالوا نعم، هذه هي الديمقراطية، انتهت الجولة ونحن نمضي للبناء."
ووسط صيحات الحشود، قام مرسي بأداء اليمين الدستورية مؤكداً في الوقت نفسه احترامه للقانون والدستور، بعدما وعد بتأديته بصورة رسمية أمام المحكمة الدستورية السبت.
وشدد مرسي على رفضه "أي محاولة لانتزاع سلطة الشعب أو نوابه،" وتابع بالقول: "وأؤكد أنني - وبعد الإجراءات القانونية التي أقدرها واحترمها لأنها لن تكون عقبة - سأمضي بإرادتكم لتجاوز كل هذه المحاولات، ولا أكتفي بالرفض، فأنا صاحب القرار بتوكيلكم وإرادتكم."
وتعهد مرسي بعدم "التهاون والتفريط في أي صلاحية من صلاحيات رئيس الجمهورية،" كما وعد بتحقيق القصاص لضحايا الثورة، والعمل من أجل "نهضة الشعب المصري ورفع المعاناة عن كاهل جميع المصريين، واستكمال المشوار بدولة مدنية دستورية ديمقراطية حديثة،" ودعا إلى عدم تعطيل الإنتاج أو المرور أو الملكيات الخاصة والعامة.
وتحدث مرسي حول السياسية الخارجية قائلا: "سأعمل معكم لتعود مصر حرة بإرادتها وعلاقتها الخارجية وعدم التبعية لأي قوة مهما كانت، جئنا برسالة سلام، لا نعتدي على أحد، ولكننا قادرون بكم وبالجميع أن نرد، بل نمنع، أي عدوان علينا من أي جهة."
وأضاف: "سنصنع مفهوماً جديداً للعلاقات الخارجية، وأحذر من أن ينال أحد، كائن من كان من كرامة مصر أو كبريائها أو يفكر بأن ينال من كرامة شعبها أو رئيسها، بغض النظر عن الشخص."
ونظر مرسي بعد ذلك إلى الحشود قائلاً: "أرى أسرة (رجل الدين المصري المسجون بتهمة الإرهاب في الولايات المتحدة) عمر عبدالرحمن، وصور المسجونين المدنيين بأحكام عسكرية، هؤلاء حقهم علي وواجبي أن أقوم بكل جهد كي يتحرر هؤلاء ومنهم الشيخ عمر."
وختم مرسي كلمتها بالتأكيد على احترام القوانين والدستور والأحكام الصادرة عن قضاء مصر، وتوجه إلى الحشود بالقول "موعدنا ميدان الشهداء والأحرار كلما احتجنا لبعض.
وكان مرسي قد قام بتأدية صلاة الجمعة الأولى له بعد انتخابه، ولم يتمالك خلالها دموعه التي غالبته في الجامع الأزهر، قبل أن يتوجه إلى ميدان التحرير، ليوجه كلمة إلى الشعب، من الميدان الذي شهد انطلاق ثورة 25 يناير/ كانون الثاني 2011، التي أنهت 30 عاماً من حكم الرئيس السابق، حسني مبارك.
ونقلت كاميرات التلفزيون المصري، الذي أذاع شعائر صلاة الجمعة من الجامع الأزهر، صورة الرئيس مرسي وقد تساقطت الدموع من عينيه، عندما تحدث خطيب المسجد، الدكتور محمد عبد الفضيل القوصي، وزير الأوقاف بالحكومة الانتقالية، إلى واقعة "تدنيس" الجنود الفرنسيين للجامع الأزهر، أثناء الحملة الفرنسية على مصر، أواخر القرن الثامن عشر.
وحرص خطيب الجمعة على توجيه بعض النصائح إلى الرئيس المصري الجديد، مستشهداً بسيرة "أمير المؤمنين"، عمر بن الخطاب، أحد صحابة النبي محمد، وثاني "الخلفاء الراشدين"، والذي كان يتميز بخصال "الحزم"، و"العدل"، و"الحفاظ على مواطنة الدولة"، داعياً الرئيس المنتخب إلى التميز بهذه الخصال.
كما تحدث القوصي عن معاملة عمر بن الخطاب، الملقب بـ"الفاروق"، للمسيحيين عندما زار إحدى الكنائس في "بيت المقدس"، مدينة القدس حالياً، حيث آمنهم علي حقوقه، وعاهدهم علي أن تبقي كنائسهم وبيوتهم مصونة، وحين أُقيمت الصلاة وكان وقتها في صحن الكنيسة، خرج منها ليؤدي الصلاة، لكيلا يقول أحد أن ابن الخطاب صلي في الكنيسة، وحتى لا يصلي أحد من بعده في الكنيسة، حرصاً منه علي المواطنة.
وقال خطيب الجمعة إن "ولي أمر المسلمين هو ولي الجميع، بلا إقصاء ولا تمييز جماعة على جماعة، ولا فصيل عن فصيل، وهذا هو الدرس الذي نأخذه عن الفاروق عمر، الذي بحنكته كون الدولة الإسلامية أعظم تكوين"، وأضاف أن "هذا الوطن وطن الجميع وطن المشاركة والمواطنة، التي تسوي بين الأفراد.. وطن الديمقراطية الحقة التي يعبر فيها كل عن رأيه."
إلا أنه استطرد قائلاً: "ولكن التعبير يجب أن يكون مضبوطاً بضوابط الخلق، وفي حاجة لزرع القيم.. ولا ينبغي أن نصم آذاننا عن استماع الرأي والرأي الآخر.. ويجب أن يتسع صدرنا، وأظن أن الرئيس مهيأ لأن يقود الأمة التي نبني فيها بلدنا، ونعلي فيها من شأن أفرادنا."
واستقبلت جموع المصلين الرئيس مرسي، أثناء وصوله إلى الجامع الأزهر، بالهتافات، حتى أن بعضهم استمر في ترديد الهتاف أثناء خطبة الجمعة، مما دعا خطيب المسجد إلى تذكير المصلين بأن هذا يُعتبر "لغواً"، مطالباً إياهم بالصمت أثناء الخطبة، حتى لا يضيع ثواب الجمعة.
ومن المتوقع أن يتوجه مرسي إلى ميدان التحرير، في وقت لاحق الجمعة، للمشاركة في مليونية "تسليم السلطة"، حيث يوجه كلمة إلى "الشعب المصري العظيم، صاحب الانتصار في ثورة 25 يناير"، بحسب ما ذكر الدكتور ياسر علي، القائم بأعمال المتحدث باسم الرئيس المنتخب.
ويطالب المشاركون في مليونية الجمعة، بتسليم السلطة بـ"كامل صلاحياتها" إلى الرئيس المنتخب، وإنهاء الدور السياسي للمجلس العسكري، وعودة الجيش إلى ثكناته، بالإضافة إلى الاستمرار في المطالبة بإلغاء الإعلان الدستوري المكمل، وإلغاء قرار حل مجلس الشعب المنتخب، فضلاً عن التأكيد على عدم المساس بالجمعية المنتخبة لإعداد الدستور.