دمشق، سوريا (CNN) -- حذر الممثل السوري غسان مسعود من خطورة الانقسام السائد في المجتمع السوري بعد مرور عام على الأحداث التي تشهدها بلاده، مشيرا إلى "تدني مستوى الخطاب بين السوريين في هذه المرحلة."
وتساءل مسعود في مقابلة مع CNN بالعربية، قائلاً: من لا يملك اليوم أجندات سياسية، ويحمل فقط فكرة الوطن في داخله ماذا عساه أن يفعل؟!"
وتالياً نص المقابلة:
منذ بداية الأزمة في سورية تمت مطالبة الفنانين السوريين بمواقف حاسمة إزاء ما يجري، ومنهم من دفع ثمن مواقفه على الطرفين، فهل كان من الضروري زج الفنانين بهذه الأزمة؟
نقسوا على الفنانين أحياناً إذا طالبناهم بأن يكونوا إلى جانب هذا الطرف أو ذاك، فأنا أرى أنّهم يجب أن يخاطبوا كل الناس، خاصّة أن الفنان في سوريا لا يخاطب مواطنه فقط، وإنما العرب عموماً، وبالتالي عليه ألا يتمترس هنا أو هناك، وهذه المهمة التي أراها ثقافية وحضارية بامتياز أظنها غابت عن أذهان الكثيرين بمن فيهم المعارضة بأطيافها المختلفة، والسلطة، وغيابها أدى إلى سوء فهم كبير، ومن جهة أخرى ربما اعتقدَ بعض الفنانين ضمن مناخ نجاحهم الاجتماعي أن بوسعهم الإدلاء بآرائهم في السياسة دون أن يكون مؤهلين لذلك، فرأينا الكثيرين منهم يدلون ببيانات وفي اليوم التالي يعتذرون عنها، وهكذا، مما أدى إلى نوعٍ من الفوضى التي شوشت على صورة الفنّان السوري عموماً."
إذاً ما هو الدور المطلوب من الفنان السوري وطنياً.. برأيك؟
ربما من ضمن مهام الفنان على المستوى الوطني أن يكون واسطة خير بين الأفرقاء الذين يحملون أجندات سياسية سواء كانوا مؤيدين للسلطة أو معارضين لها، وبغير هذا المعنى أعتقد أن الفنان يخطئ حينما يتجاوز هذا الدور، وكذلك السياسي يقع في الخطأ ذاته حينما يدفع الفنانين بهذا الاتجاه، وإلا كيف يمكن أن نفهم دور السيدة فيروز التي يطرَب لها اللبنانيون على اختلاف اتجاهاتهم السياسية، دون أن تنحاز لهذا الطرف أو ذاك، فنجدها مؤخراً تغني لما يعرف بجمهور 8 آذار و14 آذار، واستطاعت أن تتجاوز سابقاً كل تجاذبات الحرب الأهلية وتعقيداتها في وطنها لبنان.
ما هي نظرتك على المستويين الشخصي والأكاديمي للدور الاجتماعي الذي يمكن أن تلعبه الدراما؟
سأكون قاسيا إلى حد ما لأقول إن الدراما السورية مع بالغ الأسف مارست في كثير من الأوقات شكلا من أشكال الهروب تجلى في الأعمال التاريخية، والفانتازيا، والكوميديات الخفيفة، أو المسلسلات الاجتماعية التي تناولت الواقع الاجتماعي على نطاقٍ ضيق جدا وفقا لما يسمح به سقف الرقيب، وكل ذلك أضعف قدرة الأعمال الدرامية في التأثير بالوعي الجمعي، وربما لعبت أحيانا دورا سيئا، فعندما يقدم رموز التاريخ العربي في أعمال درامية على أنهم مجموعة أنبياء وقديسين وهم لم يكونوا كذلك على الحقيقة، فهذا لا يمكن وصفه إلا بالنفاق، أو التكريس لجروح تاريخية لا تزال مفتوحة في ذاكرة أجيالنا الحاضرة، وبهذا المعنى أرى أنها لعبت دوراً سيئاً وليس جيداً، أقول هذا الكلام وأنا اشتغل على الدراما، ولكنني لست فاعلاً في صناعتها، أو صاحب قرار في الإنتاج أو التمويل، وأذكر أننا دعونا منذ تسعينيات القرن الماضي وفي مطلع الألفية الثالثة إلى توطين صناعة الدراما السورية، لكن مع الأسف هذا لم يحدث، وبقي رأس المال العربي الوافد هو الذي يحكم هذه الصناعة، وطروحاتها الثقافية والسياسية.
بناءً على كلامك السابق: هل ما زال هناك ما يمكن أن تقوله الدراما باستثناء تقديم المتعة والترفيه؟
نعم، ولكن في ظروف أخرى ربما تكون أفضل مما هي عليه حالياً، وهنا نحتاج بالدرجة الأولى إلى أصحاب قرار في هذه الصناعة يتمتعون بجرأة حقيقية كي يواجهوا أخطاؤهم، وأخطاء آبائهم وأجدادهم، لأن الإنسان -بعلم النفس- حينما يواجه بمرضه فإن هذا يمثل نصف العلاج، ومع الأسف صناع الدراما حتى اليوم لا تتوفر لديهم هذه الجرأة حتى يواجهوا أمراض مجتمعنا، وتاريخنا المجروح، وجميعنا نعرف أن في هذه اللحظة بالذات وربما في سوريا تحديدا هناك من يستنهض خلافاً تاريخياً يعود إلى 1400 عام خلت، ولو أغلق هذا الجرح بمواجتهه، لما وصلنا إلى هنا، وأشعر بالأسف الشديد حينما أقارن وضع بلداننا ببلدٍ متقدّم مثل أمريكا -على سبيل المثال- يدين سكانها بحوالي 300 دين، وينتمون لمئات الطوائف، ولم نر فيها صراعاً واحداً له هذا البعد الغرائزي والمذهبي الذي نعيشه في الشرق الأوسط، هذا محزن جدا، لماذا هذه الوصفة الجاهزة للصراعات في منطقتنا؟ رغم أن المسلمين بكليتهم ينتمون إلى فريقين أساسيين: أهل السنة والجماعة، والشيعة، وربما يكون السبب الأساسي هو دخول الدين في السياسة، ولذلك علينا نحن العرب أن نواجه هذا المرض الأزلي، وهذه الجروح الأزلية بجرأة وشجاعة، وإلا سنذهب إلى الجحيم.
وما نسبة مقاربة الدراما لأمراضنا الاجتماعية والتاريخية في السنوات الأخيرة بتقديرك؟
اجتماعياً: أرى أن الدراما نجحت في مقاربة الهم الاجتماعي ولكن بنسبٍ متفاوتة إلا أنها كانت بمجملها تحت سقف الرقيب، أما على المستوى التاريخي، فلطالما مارسنا عمليات التجميل في الأعمال التاريخية، وهذا أبقانا أسرى كذباتنا الكبرى التي سرعان ما تنفجر عند أدنى اختبار، وإلا لماذا هناك من يلعب اليوم على البعد الطائفي والمذهبي في سورية؟، حدث ذلك في لبنان والعراق سابقاً، ويهيأ له مؤخراً في البحرين واليمن ومصر... وكل ذلك لأننا لا نقرأ تاريخنا جيداً، وأعتقد أن هناك استثناءً خاصاً في المسلسل التاريخي (الفاروق) الذي صورناه في العام 2011، وأنا شخصياً أنتظر ما الذي سيحققه من نتائج عند عرضه... إذا عُرض."
جسدت شخصية أبو بكر الصديق في مسلسل الفاروق كيف وجدت هذه التجربة، وهل يمكن لهذا المسلسل أن يمر بسلام في ظل الانقسام السائد حالياً في العالمين العربي والإسلامي؟
لماذا لا نقول شيئاً آخر؟ فعندما نقدم الخلفاء الراشدين كيف عاشوا مع بعضهم البعض، وأسسوا الإمبراطورية الإسلامية، وجمعوا كلمة الأمّة، وذهبوا إلى أصقاع الأرض بهذه الرسالة العظيمة، فإننا ندعو المشاهدين إلى أخذ العبرة لجهة توحيد الصف، والاتفاق على ما يجمع بين المسلمين.. كل المسلمين، ولماذا في زماننا نترك إرث الكبار ونلحق فتوى شيخٍ معاصرٍ صغير لا نعرف عنه شيئاً، وإذا عرفنا نندم؟، بهذا المعنى أقول بأن مسلسل (الفاروق) -وعلى عكس ما يتخيل البعض- ربما يكون فرصة لنقول لمسلمي هذا العصر بكلّ أطيافهم: هذا إسلامكم، وهذا كتابكم، فلتتمثلوا بسيرة أولئك الكبار، وطريقتهم في التعايش مع بعضهم البعض.
قلت لو عرِضَ المسلسل! هل هناك احتمال بأن لا يعرض؟
كل ما يمكنني قوله أنّ هناك مراجع دينية كبرى في العالم الإسلامي أجازت لنا أن نشتغل على هذا المسلسل فأنجزناه، ويبقى أن تجيز المراجع ذاتها عرضه بعد انتهاء العمليات الفنيّة عليه، وهنا تبرز عدة تفاصيل... هل سيعرض مسلسل (الفاروق)؟ وإذا عرض هل سيجيز أصحاب قرار الإفتاء كشف وجوه الشخصيات الرئيسية للمسلسل.. أم لا؟ كل تلك الأسئلة لا أملك عليها جواباً، خاصةً أن هناك من نقل عنّي تصريحات للإعلام حول هذا الموضوع لا علاقة لي بها، لكنني على المستوى الشخصي متحمس جداً لعرضه فسيناريو المسلسل لكاتب معروف وقارئ جيد للتاريخ لا يحتاج لشهادة أحد هو الدكتور وليد سيف، والإخراج للمبدع حاتم علي، كما أن الجهات المنتجة وضعت في تصرف فريق العمل أفضل الإمكانيات.
ماذا عن "المصابيح الزرق" العمل الثاني الذي تشارك في بطولته للموسم 2012؟
هذا المسلسل مأخوذ عن رواية تحمل نفس الاسم للأديب السوري الكبير حنّا مينة، وأجسد فيه شخصية البطل الشعبي محمد الحلبي، قرأت الرواية منذ زمنٍ كبير، ولطالما راودتني الرغبة في تجسيد هذه الشخصية، والطريف في الأمر أن هذا الدور عرض علي منذ خمس سنوات من جانب المخرج باسل الخطيب ثم تأجل المشروع، وبعد ذلك بثلاث سنوات اتصل بي مخرج آخر هو الصديق محمد عبد العزيز ليعرض علي ذات الدور في العمل ذاته لكنني اعتذرت وقتها بسبب سفري للمغرب للبدء بتصوير دوري في مسلسل الفاروق، وعند عودتي إلى سوريا أعيد العرض من مخرج ثالث أصبح هذا العمل في عهدته وهو المخرج فهد ميري فوافقت فوراً، ونحن مؤخراً في طور الإنجاز عن سيناريو للكاتب محمود عبد الكريم، وإنتاج المؤسسة العامة للإنتاج التلفزيوني والإذاعي. المصابيح الزرق عمل مغر لأي فنان عن رواية مهمة لأديب سوري كبير، ويتناول مرحلة مهمة من نضال السوريين ضد الاستعمار الفرنسي في أربعينيات القرن الماضي.
بعد سنوات على تقديم تجربتك الهوليودية الأولى بدور "صلاح الدين" في فيلم "مملكة السماء"، لماذا لم تكمل مشوارك في هوليود؟
ذهبت إلى (هوليود) بعد تجربةٍ فنيّة طويلةٍ في سورية والعالم العربي وكان من الصعب عليّ- نفسياً- أن أعامل فيها كمبتدئ، هذا من جهة، ومن جهةٍ أخرى عندما تذهب إلى هناك لتبحث عن آفاقٍ جديدة عليك أن تبقى حيث أنت، لا أن تضع قدماً في مقر إقامتك وعملك الجديد، وآخر هنا في سوريا حيث عائلتك وتجربتك، بالنسبة لي كان الخيار الأول شكلاً من أشكال الانتحار، فليس من السهل أن أبيع خمسةً وأربعين عاماً من عمري، كما لا تتوقف القضية عند هذا الحد فأن تختار البقاء في هوليود يعني أن تكون مستعداً لاستبدال هويتك وترضخ لإغراءات أعمالٍ ربما تسيء لهذه الهوية والتكوين الثقافي، وهذا الأمر قد يكون أكثر سهولةً بالنسبة لفنّان شاب ليس لديه ما يخسره، لكن فيما يتعلق بي كفنّان عربي قدّم وجهات نظره الخاصة في الفن والثقافة والمجتمع.. لم أستطع استبدال هويتي بهذه البساطة.
وما الأفلام التي اعتذرت عن عدم المشاركة بها في "هوليود"؟
اعتذرت عن فيلم "سيريانا"، و"جسر من الأكاذيب" والكثير من السيناريوهات الأخرى التي لم أجدها لائقة، وعدت إلى دمشق بعد المشاركة في أحد أجزاء "قراصنة الكاريبي"، وبالمقابل شاركت في فيلمي "وادي الذئاب" و"الفراشة" في تركيا، وأنا راضٍ عنهما نسبياً.
كان من المقرر أن تؤدي شخصية "أسامة بن لادن" في فيلم من إنتاج مصري عن "القاعدة" إلى أين وصل هذا المشروع؟
هذا الخبر قرأته في الصحافة كما قرأت عنه أنت! وبالنسبة لي ليس له أساس أي أساس من الصحة.
ماذا عن نيتك تجسيد شخصية الشاعر العربي المتنبي؟
لا أزال أحلم بتقديم هذه الشخصية سينمائياً أو مسرحياً، وأعتقد أننا إذا رغبنا بفيلمٍ عالمي كبير على صعيد الإنتاج والتسويق، فينبغي علينا كعرب أن ننتصر للمتنبي فهو النموذج الذي يصحُّ أن نقدمه عن الإنسان العربي والمسلم والمشرقي عموماً، كي نقول أننا أصحاب حضارة وثقافة ومدنية ولا يزايدّن علينا أحد في ذلك، وقلت سابقاً وأكرر في هذا الحوار معكم إنني إذا كنت سأموت قبل أن أجسّد هذه الشخصية فسأكون قد متّ ناقصاً.
وهل بات هذا الحلم بات قريباً من التحقق؟
النص قد يكون جاهزاً بعد فترةٍ قليلة، ويتصدى له صديقي الكاتب (عدنان العودة)، تشاركنا إلى حدٍّ ما في الفكرة، ونحن في طور البحث عن تمويلٍ ضخم للعمل.
حلم المسرح في بلادنا كالمصيبة، يبدأ كبيراً ويصغر مع الزمن... كلام قلته مؤخراً على هامش عرضك المسرحي الأخير "عرش الدم"... لماذا؟
هذه هي الحقيقة، المسرح كان وسيبقى كذلك ليس ببلادنا فقط، وإنما في سائر بلدان العالم الثالث، فالفعل المسرحي ليكون فعلاً ثقافياً بامتياز لا بدّ أن يتحقق له بعض الشروط، وأهمها ألا يكون هناك سقف للحريّة أو التمويل، كما ينبغي أن تتوفر في المكان الذي تنشط فيه مسرحياً تقنيات تحاكي العصر، وفي غياب هذه العناصر أنت تحلم وتحلم، ثم تتخلى عن سقوف أحلامك شيئاً فشيئاً عند التنفيذ، لتجد عند الوصول إلى خشبة المسرح أن نسبة تحقيق حلمك لا تتجاوز الـ1% ثم يأتي كل نقّاد البلاد ليحاسبوك على هذه النسبة الضئيلة التي تمكنت من تحقيقها.. فانظر يرعاك الله.
ما الذي يريد أن يقوله غسّان مسعود للسوريين في هذه المرحلة عبر CNN بالعربية؟
أحياناً من الحكمة والشجاعة أن نصمت، وبناءً عليه أنا أول ما نصحت نفسي به هو الصمت، وهذه هي المّرة الأولى التي أتحدث فيها للصحافة منذ زمنٍ بعيد لأنني وجدت أن الخطاب الذي يدور بين السوريين اليوم لا يليق بسورية، ولا بمن يتخاطبون فيما بينهم، فهذا المستوى المتدني من الخطاب أدّى إلى فرزٍ قاسٍ في المجتمع السوري، ورواج مفهوم (الأبيض والأسود) بشكلٍ مزعج، وأريد أن أقول لأبناء بلدي انتبهوا يا إخوتي، فبلادنا متنوعة على مستوى الأًصوات فلا تحكموها بصوتين حتى لو كنتم تحملون أجنداتٍ سياسية، هناك من لا يملك أي أجندة، ويحمل فقط فكرة الوطن في داخله.. فماذا عساه أن يفعل؟!! انتبهوا سوريا لا تختصر بلونين.