دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN) -- سلطت الأحداث الأخيرة في المنطقة، وخاصة بعد أعمال العنف التي رافقت ظهور "الفيلم المسيء للنبي" الضوء مجددا على التيار السلفي في المنطقة، فقد كان البعض يأمل بأن يسلك أنصاره الخيار السياسي، غير أن مجريات الأمور أقلقت بعض القوى محلياً ودولياً.
فقد اصطدمت قوى تتبع لهذا التيار خلال الفترة التي أعقبت ثورات الربيع العربي ببعض الأنظمة الجديدة، كما هي الحال في تونس، كما تزايد تحرك التيار في الأردن ومصر، وحاول في بعض الأحيان أخذ موضوع "تطبيق الشريعة" على عاتقه.
سعيا لانتشار أوسع في اﻷوساط السياسية، كشف التيار السلفي الجهادي في اﻷردن ، عن إجرائه لمشاورات داخلية حول إعادة إنتاج خطابه السياسي الموجه للرأي العام ، وإحداث تحول بتغيير تسمية التيار إلى "أنصار الشريعة".
هذا التوجه الذي أكده أحد أبرز منظري التيار، عبد القادر شحادة، الملقب بأبو محمد الطحاوي لـCNN بالعربية، لن يؤثر على منهج التيار فيما يتعلق بالشق "الجهادي" ، فيما يرى الطحاوي أن إعادة إنتاج التسمية "من شأنها توسيع قاعدة التيار الذي يضم الجهاديين وغير الجهاديين."
ولا يستغرب مراقبون تحدثوا لـCNN بالعربية، أن يطرأ تحول ملحوظ على خطاب التيار، خاصة مع بروز وصعود التيارات السلفية في المنطقة العربية - من جهة - وإجراء التيار مراجعة داخلية لخطابه ما تزال قيادات تتحفظ على الحديث عنها، فيما اعتبرت تيارات إسلامية بارزة كجماعة اﻹخوان المسلمين اﻷردنية، أن صعود تلك التيارات "بذات النهج المعروف، قد يهدد المشروع الإصلاحي الإسلامي."
وأمام مستويات القرار، يرى باحثون مختصون في شؤون الحركات الإسلامية، بأن قلقا حقيقيا يساور السلطات المحلية والحكومات العربية والغربية، من توجه التيارات السلفية المختلفة، للتحول من "النخبوية الجهادية " التي أفقدتها الكثير من القواعد الشعبية ، نحو "الشريعة" التي تشكل محط إجماع في الشارع العربي.
ورغم رفض التيار الجهادي المشاركة في أية عملية سياسية واعتبار أن "الديمقراطية هي "كفر" على حد تعبير القيادي الطحاوي، إلا أنه أكد أن التيار يعمل أيضا على تأسيس مجلس شورى دائم بضم أعضاء التيار بدلا من مجلس الشورى المؤقت الذي تشكل منذ أشهر، وهي المرة الأولى التي يعلن عنها التيار كخطوة على طريق العمل "السياسي" وإن كانت بوسائله التقليدية.
ولم يشر الطحاوي، الذي تحفظ على ذكر تفاصيل التحول الهيكلي لدى التيار، إلى أي "توجه جديد ذو طابع غير سلمي"، في الوقت الذي شهد فيه التيار مؤخرا خلافا داخليا حول ضرورة التحول نحو "السلمية" بصورة واضحة كإحدى الوسائل المشروعة المتاحة"، بحسب مصادر.
ونظمت السلفية الجهادية في المملكة خلال عام ونصف، عدة احتجاجات مطلبية في ميادين عامة، تخلل بعضها حدوث صدامات مع قوات اﻷمن اﻷردنية وتنفيذ اعتقالات.
وعن اﻷسباب التي تدفع بالتيار لإحداث ذلك التحول، يقول الطحاوي: "هناك تداول بشأن تسمية التيار، وبعد فترة وجيزة سيجري حسم القضية.. أما تغيير الاسم فلأنه يجمع أمة وأنصار الشريعة تجمع الأمة بأكملها، وليس فصيلا بعينه وليس طرفا بعينه... أما صفة الجهادي هو خاص بفئة."
ووسط التكتم الشديد على المرحلة المقبلة التي سيفرزها التوجه الجديد ، يشير الطحاوي إلى أن التيار السلفي "سيتمسك بالثوابت الأساسية،" مع تسليط الضوء على "مطالبه " المتمثلة في تطبيق "الشريعة وإحداث التغيير الجذري وليس الترقيعي" على مستوى الدستور والحكم وإقامة الدولة اﻹسلامية."
ولايخفي الطحاوي تداول تسمية "أنصار الشريعة" أسوة بجماعاتها في اليمن وتونس وغيرها، وأضاف: "لا تغيير لدينا على الثوابت ...اليوم هناك أنصار الشريعة في اليمن وفي مالي وفي تونس، وخطابنا السياسي قديم منذ ما قبل اﻷحكام العرفية وما قبل الربيع العربي وما بعده بأن تكون كلمة الله هي العليا."
وأجرى منظر التيار الجهادي في اﻷردن عصام البرقاوي المعروف، بأبو محمد المقدسي وهو معتقل حاليا في السجون اﻷردنية، مراجعة في فكر تنظيم القاعدة عام 2004، وجهت للقيادي أبو مصعب الزرقاوي قبل مقتله في العراق عام 2006.
وشهدت الساحة اﻷردنية تحركا لافتا للتيار السلفي الجهادي مؤخرا، عبر العودة إلى التظاهر أمام مقر الحكومة اﻷردنية مطلع سبتمبر/أيلول المنصرم، فيما انفرد التيار أيضا باعتصام حاشد بالقرب من مقر السفارة اﻷمريكية في عمان، احتجاجا على الفيلم الأمريكي المسيء للإسلام، وجه خلاله رسائل تحذيرية إلى الإدارة اﻷمريكية.
ومن هنا، يرى الباحث في شؤون الحركات الإسلامية حسن أبو هنية، أن القلق من تصاعد التيارات السلفية في المنطقة، هو قلق "أردني وعربي وكذلك دولي"، مشيرا إلى انشغال اﻹدارة اﻷمريكية بتلك الظاهرة، ودراسة خيار وضع "التيار السلفية الجديدة على قائمة اﻹرهاب."
ويذهب أبو هنية بالقول لـCNN بالعربية، إن خطورة ظاهرة السلفية تتأتى من مدى استمرار تأثرها "بنهج تنظيم القاعدة المسلح" الذي أفقد التيار الأردني تحديدا قواعده الشعبية لسنوات، لافتا إلى أن المشاورات التي يجريها جهاديو اﻷردن تخضع "لتبيانات داخلية بين التشدد مع العمل المسلح وبين متحفظ بشأنه."
ويقول أبو هنية :" هناك خمسة جماعات ناشئة تشكلت من التيارات السلفية في المنطقة تحت راية أنصار الشريعة في شمال مالي وحضرموت في اليمن وفي تونس وفي ليبيا حيث وجهة تهمة قتل السفير الأمريكي لهم.. وأعتقد أن حسم التسمية أردنيا هي مسألة وقت، وستواجه الدولة اﻷردنية تحديا في تعاطيها مع هذا التيار من منظور التيار التقليدي الجهادي أم أنصار الشريعة."
إلا أن أبو هنية يرجح نزوح التيار السلفي نحو مزيد من "العمل السياسي الشعبوي" من خلال مخاطبة الجماهير تحت شعار "الشريعة" وما وصفه "بتأجيج مشاعرهم، وكذلك عبر ممارسة "الضغط السياسي والاجتماعي على "الحكم" كمرحلة أولية من "التكيفات الجديدة والتحولات الهيكيلة"، على حد تعبيره، قائلا إن فيلم "براءة المسلمين كان خير اختبار على قياس حجم التيار في المنطقة."
جماعة الإخوان المسلمين اﻷردنية وإن كان لا يساورها القلق من سحب التيار السلفي البساط من تحتها في المشهد السياسي، إلا أن أبو هنية لا يقلل من احتمالات إحداث تأثير للتيار ومزاحمة "جماعات الإخوان التي تقدم الإسلام السياسي" اجتماعيا وليس سياسيا، خاصة مع تزايد نشاط التيار الشعبي عبر المهرجانات والتظاهرات ، فيما رأى أن تبني التيار للجهاد في سوريا يعتبر "سلاحا ذوي حدين"، من شأنه أن يخلق معارضين أو مؤيدين، في ظل انقسام مواقف "شباب التيار وقياداته المؤسسة" حول تلك المنهجية.
رغم ذلك، يرى القيادي اﻹخواني ورئيس مركز اﻷمة للدراسات الدكتور ارحيل غرايبة، أن "فكر جهاديي اﻷردن" يخضع لمراجعة داخلية لجهة ترسيخ العمل السياسي بدلا من "اللجوء إلى العنف" على غرار ما يحدث في دول عربية.
وبخلاف أبو هنية، فإن الغرايبة لا يرى أية مخاوف يمكن التنبه لها جراء صعود التيار السلفي أردنيا ومزاحمة اﻹخوان في المشهد السياسي بوصف وقعه للان أقل حدة على الساحة اﻷردنية، بقدر ما أعرب عن مخاوف من "أي تطرف" من شأنه الإساءة للمشروع الإصلاحي الإسلامي.
وشدد الغرايبة لـCNN بالعربية، على ضرورة تبني "الحوار" لمواجهة التيار السلفي المتصاعد تجنبا للانجرار نحو العنف الذي تمارسه جماعات أخرى من قتل مدنيين ودبلوماسيين وسياح، قائلا إن العديد من أتباع التيار السلفية في المنطقة "تتبنى فهما سطحيا للإسلام."
ومن المتوقع أن يعلن التيار السلفي عن جملة من التحركات الميدانية خلال الأيام القليلة المقبلة، في حال عدم الإفراج عن معتقلي التنظيم الذين تقدر أعدادهم بسبعة وثلاثين معتقلا، فيما وجهت تهم حتى يوم الثلاثاء فقط إلى أربعة أردنيين بحيازة سلاح اتوماتيكي ومحاولة التسلل إلى الأراضي السورية بطريقة غير مشروعة ، أكد التيار في وقت سابق أنهم من أعضائه.
أما في مصر، فقال الباحث بمركز الأهرام للدراسات الإستراتيجية عمار على حسن، أن التيار السلفي عاش في كنف الأنظمة السابقة و حاز برعاية كبيرة، لاسيما وانه لم يكن ينتقد أداء السلطة كما لم يكن له نشاط سياسي، وكان يستخدم أحيانا لمواجهة المشروع السياسي لجماعة الإخوان المسلمين، ما أدى لانتشاره بمصر و الدول العربية.
و أضاف حسن أنه عقب ثورات الربيع العربي وجد هذا التيار نفسه أمام فرصة تاريخية ليحول إمكانياته وخطابه وموارده البشرية لكيان سياسي، لأنه شعر بقوته فأراد أن يترجم ذلك لقوة سياسية واضحة، كما لم بشيء هذا الكيان أن يترك الساحة لجماعة الإخوان المسلمين التي يري أنها لا تتبنى صحيح الدين وانحرفت عن الشرع، وأنها ستتمسك بالسلطة وتحاربه وتسيطر على المنابر التي يستغلها في دعوته ومنهجه.
و أشار الباحث السياسي أن بعض فصائل من هذا التيار كانت مع السلطة والقليل منهم كانوا رافضين للنظام فهم ليسوا كتلة واحدة وكانوا يتعرضون للتضييق و الاعتقال، ويرون في السياسة ضمانة قوية بعد الثورات حتى لا تأتب أي سلطة تمارس القمع ضدهم.
وقال إن السلفيين منهم جزء منظم في شكل مدارس فقهية أو جمعيات خيرية، ولكن الجزء الأكبر غير منتظم وينتمي لدعاة سلفيون في الفضائيات ظهروا بأخر عهد الرئيس السابق، حسني مبارك، ولكنه بالنهاية تيار عابر للحدود يتبنى الرؤى نفسها.
و أضاف الباحث السياسي أن التغذية الأساسية لهذا التيار من الناحية الفقهية جاءت من الخليج وتحديدا من المملكة السعودية، بسبب انتشار الفكر الوهابي هناك، وتحالفه مع السلطة على مدار قرنين من الزمان.
وأضاف أن فصائل كبيرة من السلفيين بمصر "يدينون بالفضل للسعودية من الأموال الطائلة التي تتدفق إليهم، حيث توجد بعض الأحاديث أن قطاعات كبيرة من السلفيين يتحركون بأجندة خارجية وتحديدا من السعودية لدفع السلفيين لاتخاذ مواقف ضد المشروع الإخواني الذي تعتبره بعض الدول الخليجية يمثل ضرر عليها."
وذكر بأن هناك "تناقضا كبيرا بين جماعة الإخوان المسلمين و التيار السلفي من الناحية الفقهية ما يسبب خلافات تظهر على السطح، غير أن التوافق والتوحد فقط يكون في التحالف ضد التيار المدني،" مشيراً إلى وجود ما وصفها بـ"نزعة سلفية عند قطاعات من الإخوان خلال السنوات الأخيرة على رأسهم خيرت الشاطر نائب المرشد، كما كان هناك توافق أثناء حصارهم الطويل باستغلال جماعات النفع العام السلفي."
من جهته قال يسري حماد المتحدث باسم حزب النور السلفي، إن الحزب "غايته العظمى الوصول إلى الإسلام بأصوله مثلما كان بعهد الرسول محمد عليه الصلاة و السلام،" مشيرا أن الكثير من الفتاوى التي تصدر من المنتمين للتيار السلفي مستمدة من الفقه الإسلامي، ولكنها أصبحت غريبة وينظر إليها الشعب بتشدد على حد قوله.
ودلل حماد على قوله هذا بالضجة المصاحبة لاقتراح بلجنة التأسيسية للدستور بعدم تحديد سن الزواج للفتاة القاصر، وقال "إن نضوج الفتاة في الحضر والمتعلمات يختلف تمام عن الريف وبعض المناطق الحدودية،" واصفا تحديد سن زواج للفتاة "بالإجحاف،" خاصة وأن هناك مجتمعات مسلمة وعربية يصفون الفتاة التي تبلغ العشرين من عمرها دون زواج بالعانس.
وقال المتحدث باسم حزب النور إن الهجوم على التيار السلفي "يأتي من طوائف لا تقبل المشروع الإسلامي عن علم أو جهل بالشريعة ومفاهيم الإسلام،" ومنهم من وصفه بـ"المتغرب الذي عاش حياته بدول غربية ورأى أنها مثال للتطبيق بمصر."
وأضاف أن نقاط الاختلاف مع جماعة الإخوان المسلمين لا تمنع التحالف معها، إذ أهم مكاسب التيار الإسلامي بالتوحد دون تشتت، وهو ما يؤثر بالصورة الذهنية للمواطنين بأن الإسلاميين مصدر واحد، غايته إصلاح المجتمع وأيضا تقبل الشريعة التي لا تتجزأ وذلك على المدى القريب أو البعيد."
وحول الانقسامات والخلافات داخل حزب النور قال حماد: "أنها محاولة لفصيل يسعى السيطرة على الحزب عن طريق الإيهام لانتخابات تجري لاختيار رئيس جديد من أجل سيطرة نمط فكري بعينه، وهو ما يتنافى مع مبادئ الحزب الذي يقبل جميع التيارات السلفية دون إقصاء أو تهميش لذلك لم تنجح محاولة إقصاء رئيس الحزب عماد عبد الغفور على حد قوله."
قال علي عبد الفتاح القيادي بجماعة الإخوان المسلمين، إن التحالف مع التيار السلفي ربما يكون انتخابي وليس سياسي على المدى البعيد، إذ يحتم الوضع الراهن على الإسلاميين التحالف بكيان واحد، لاسيما وان البعض يسعى لأهداف تحاول تغير هوية الأمة.
و أشار عبد الفتاح إلى وجود تصريحات تثير الفزع لدى الإسلاميين مثل ما قاله الدكتور عمرو حمزاوي حول المادة الثانية للدستور، بأنها مادة تميزية وضد المواطنة، أنها يجب أن لا تكون بالدستور الجديد، وأيضا الاتهام للبعض بمحاولة "دويل قضية النوبة لتنفصل عن مصر."
و حول إمكانية الصدام مع التيار السلفي بشان مواقفهم المختلفة مع الجماعة، أكد عبد الفتاح على أحقية كل فرد باعتناق المعتقدات و الأفكار التي تناسبه، طالما لا يمارسه بإكراه، كما لا تخشي الجماعة من هذا الأمر، لان المزاج العام لدى الشارع المصري يميل لأصحاب المشروع الإسلامي وليس العلماني أو ليبرالي.
و أشار إلي وجود قضايا ملحة تتشاور فيها جماعة الإخوان مع التيار السلفي منها انتخابات مجلس الشعب المقبلة، لافتا انه لا بديل عن التحالف، في ظل ما يثار عن تحالفات بين القوى الليبرالية و العلمانية و اليسارية.