عمان، الأردن (CNN)-- فيما تتجه الحكومة الأردنية إلى رفع أسعار بعض المشتقات النفطية، ورفع الدعم عن بعض السلع الاستهلاكية هذا الأسبوع، حذر مراقبون ومحللون اقتصاديون من تبعات ذلك التوجه بزيادة حالة الاحتقان الشعبي بتحميل الشرائح الفقيرة والمتوسطة مسؤولية عجز الموازنة العامة، الذي من المتوقع أن يقترب من ملياري دينار أردني.
فقد أعلن رئيس الحكومة، فايز الطراونة، الأحد عن توجه الحكومة لتخفيض الدعم عن التعرفة الكهربائية لبعض الشرائح ومادة البنزين وعدد من السلع الأخرى، خلال إلقائه بيان الثقة، مرجعا ذلك إلى الواقع الاقتصادي الصعب الذي تمر به البلاد، بما في ذلك ارتفاع كلفة فاتورة الطاقة.
ووسط ردود فعل نيابية وحزبية وشعبية رافضة للتوجه، اتخذت الحكومة بالمقابل حزمة من الإجراءات، أسمتها بـ"التقشفية"، من بينها اقتطاع 20 في المائة من رواتب الفريق الحكومي وإيداعها في خزينة الدولة.
واعتبر محللون أن رفع الأسعار لن يغطي سوى أقل من 5 في المائة من عجز الموازنة المحتملة، حتى مع الإجراءات التقشفية، فيما أشاروا إلى أن حجم الإنفاق الحكومي وهدر المال العام هما وراء تفاقم عجز الموازنة.
وبرر رئيس الحكومة التوجه الجديد، إلى "إعادة تقدير بندي الإيرادات والنفقات العامة للموازنة العامة، مشيرا إلى أن عدم تحقق فرضيات قانون الموازنة العامة لعام 2012، أظهرت بأن العجز المالي للموازنة قد يصل إلى مستويات غير مسبوقة، ستتخطى حاجز 2 مليار دينار، أو ما نسبته 9.3 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي.
فيما كان من المتوقع أن يصل العجز إلى نحو مليار دينار أو ما نسبته 4.6 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، في حين سيدفع العجز بصافي الدين العام إلى الارتفاع إلى حوالي 17.5 مليار دينار، وفقا لتقديرات الحكومة.
وبينت الحكومة من خلال تصريحات وزراء فيها أن الرفع لن يمس الشرائح الفقيرة، وأن زيادة الضرائب على المشتقات النفطية سيتراوح بين 8-20 في المائة لمادة البنزين، فيما سترتفع التعرفة الكهربائية على القيم الاستهلاكية التي ستزيد عن 600 كيلو واط شهريا.
إلا أن وزير الصناعة والتجارة الأسبق سامر الطويل، يحّمل الحكومات المتعاقبة تفاقم العجز بالموازنة، قائلا، إن الإنفاق الحكومي تضاعف بمقدار 300 في المائة خلال عشر سنوات.
ورأى الطويل أن رفع الأسعار والإجراءات التقشفية لن يغطي سوى أقل من 5 في المائة من عجز الموازنة المتوقع والمرشح للارتفاع، مشيرا إلى أن المطلوب هو سياسة طويلة المدى لمعالجة الأزمة الاقتصادية.
ورفض الطويل في تصريحات لموقع CNN بالعربية، الحديث عن عدم تأثر الشرائح المتوسطة والفقيرة نتيجة ارتفاع الأسعار، قائلا:" إن هذا الكلام غير ممكن لأن القطاع التجاري سيتأثر بالضرورة بالرفع، وكذلك قطاع النقل، وهو ما سينعكس سلبا على الفقراء."
ويبلغ متوسط دخل الفرد في البلاد بحسب تقارير وزارة المالية الأردنية الأحدث، 3277 دينار أردني سنويا، فيما تقدر الإحصاءات العامة معدل البطالة بـ 12.5 في المائة، مقابل ما يزيد عن 30 في المائة لتقديرات غير رسمية.
في سياق متصل، رأى الطويل أن انهيار قيمة الدينار الأردني ليست متوقعة رغم تفاقم العجز، مشيرا إلى أن الاحتياطي المحلي من العملات الأجنبية انخفض، ولكن بقي ضمن الحدود المقبولة، على الأقل خلال العامين المقبلين، بحسب رأيه.
ويعتبر التوقف عن الاقتراض من الجهات الدولية إحدى وسائل مواجهة الأزمة الاقتصادية بحسب الطويل، الذي قال بإن "على الحكومة أن تتوقف عن الاقتراض وأن يتجه القطاع الخاص لذلك."
ومن بين المقترحات الأخرى لحل الأزمة، شدد الطويل على ضرورة مراجعة قانون ضريبة الدخل والعمل بالمادة 111 من الدستور التي تنص على ضرورة اعتماد ضريبة تصاعدية، وهو ما وعدت الحكومة بمراجعته.
وهددت قطاعات عمالية بتنفيذ إضرابات حال دخول قرارات رفع أسعار التعرفة الكهربائية حيز التنفيذ، خاصة أصحاب المصانع الصغيرة ، فيما دشن ناشطون حملة تواقيع لرفض القرارات تحت مسمى "صمتك بكلفك."
ويربط محللون أيضا تفاقم العجز في الموازنة، إلى تراجع نسبة الصادرات الأردنية نتيجة الظروف الإقليمية والأزمة السورية، حيث تشير تقارير رسمية إلى انخفاض نسبة الصادرات الكلية لشهر يناير/ كانون الثاني من العام الجاري بنسبة 4.5 في المائة، مقارنة بالشهر ذاته عن العام الماضي.
وتشهد البلاد حراكا سياسيا ملحوظا منذ عام ونصف، في الوقت الذي شكلت فيه أربع حكومات خلال الفترة الزمنية ذاتها.
الحكومة سبق وأشارت إلى تفاقم العجز نتيجة خسارة تقدر بمليار دينار على خلفية انقطاع الغاز المصري الذي لم يعاود وصوله بكمياته السابقة حتى الآن جراء الاعتداء على غير مرة.
الخبير الاقتصادي، وعضو الجبهة الوطنية للصلاح المعارضة، محمد البشير، قال إن " أزمة الطاقة" هي عنوان الأزمة الحالية، إلا أن تجاهل معالجة قانون ضريبة الدخل واعتماد الضريبة التصاعدية وزيادتها على القطاع المالي والبنوك، أسهم في تفاقم الأزمة.
وأشار البشير في حديثه لموقع CNN بالعربية، إلى أن سياسة الفريق الاقتصادي على مدار 15 عاما، أفضت إلى تردي الأوضاع الاقتصادية، محذرا من تآكل القوة الشرائية للمستهلكين خاصة شريحة الفقراء.
ورأى البشير أن السياسات التي أعلنت عنها الحكومة جاءت متأخرة جدا، وأنها لن تسهم في إنقاذ الوضع المتفاقم، معتبرا أن فرض ضريبة تصاعدية على القطاع المالي والبنوك من شأنه إعادة التوازن تدريجيا، كأحد الحلول على المدى الأطول.
وعزا البشير ذلك، إلى أن ما يزيد عن 70 في المائة من الواردات للخزينة، تأتي من استيفاء ضريبتي الدخل والمبيعات، التي لا تطبق بعدالة على القطاعات المختلفة.
هذا وقد أعرب مواطنون عن تخوفهم من الزيادة المرتقبة، مقابل الإبقاء على مستوى الدخول الشهرية، حيث قال خالد الطريفي، (43 عاما)، وهو أب لأسرة مكونة من خمسة أفراد، إن البدائل لمواجهة الزيادة المرتقبة هو مزيد من التقشف.
وأشار الطريفي، الذي يعمل موظفا في القطاع الخاص، إلى أن العجز المالي على فاتورته الشهرية دائما يصل إلى نحو 200 دينار شهريا، متوقعا أن ترتفع نسبة العجز الشهري لديه إلى 300 دينار.
وطالبت قوى حزبية وسياسية الحكومة، بالتراجع عن قرار رفع الأسعار، المتوقع نهاية الأسبوع الجاري، وبعد انتهاء مناقشات البرلمان بيان الحكومة لمنحها الثقة.
واستنكر حزب جبهة العمل الإسلامي الذراع السياسية للإخوان المسلمين الأربعاء، توجه الحكومة لرفع الأسعار، معتبرا أن عدم مساءلة المتورطين في قضايا فساد وتجاهل المضي قدما في إقرار إصلاحات سياسية يقودها قانون الانتخاب تقف وراء تفاقم الأزمة.
وندد الحزب في بيان حصل موقع CNN بالعربية على نسخة منه، بالإبقاء على ما يعرف بالمؤسسات والهيئات المستقلة في البلاد، التي تبلغ نحو 62 مؤسسة، حيث يقدر قيمة العجز فيها بمليار وربع مليار دينار أردني.
وأعلنت الحركة الإسلامية وقوى شعبية وسياسية إلى الخروج في مسيرة مركزية الجمعة، لرفض التوجهات الحكومية والمطالبة بإصلاحات سياسية حقيقية وتغيير نهج تشكيل الحكومات.