دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN) -- داخل أسوار عالية، تفصل بينها وبين العالم الخارجي بكل ضوضائه وأناقته ولمعانه، تقع مخيمات عمل المهاجرين الآسيويين الآتين إلى دبي من بنغلادش والهند وباكستان، وغيرها من الدول، حاملين معهم همومهم وفقرهم وأحلامهم، وطموحاتهم.
ويبدو المخيم بمثابة مجمع سكني كبير أشبه بقفص ضخم، ويحتوي على مئات الغرف التي تشبه "علب السردين" حيث في كل غرفة، تقبع ثمانية أسرة لثمانية عمال وضعت فوق بعضها البعض.
اقرأ أيضا.. فيلم "فتاة المصنع": مصريات يحتفين بالجسد والروح
كل شيء داخل المخيم يوحي بالرمادية، طلاء الجدران الباهت اللون، والقضبان الحديدية التي تصل الشرفات ببعضها البعض، والثياب البالية والمعلقة بعجل على مناشير الغسيل التي تمتد بين النوافذ. أما الممرات الطويلة التي يقطعها عمال المخيم يومياً، للتنقل بين الغرف والمطبخ المشترك والحمام، فتبدو بدورها مثل سكك حديدية طويلة لا يتمكن المرء من رؤية نهايتها.
هنا في هذه المجمعات البائسة، تدور أحداث الفيلم الوثائقي "بطل المخيم" للمخرج محمود قعبور. ورغم السوداوية التي تطغى في داخل المخيم، إلا أن الأغاني تعم أرجاءه، إذ يوثّق الفيلم مسابقة غناء ومعلومات عامة عن السينما الهندية "بوليوود" تُجرى في صيف كل عام في قرابة 70 تجمّعا سكانيّا للعمال عبر دولة الإمارات، احتفاءً بأبطالها.
اقرأ أيضا..المخرج الفلسطيني هاني أبو أسعد: الحياة تنتصر
ويروي "بطل المخيم" قَصص شخصيات متعددة مثل داتو، الكناس الهندي في منتصف العمر والذي يوفر المال لتزويج بناته، وعدنان، الباكستاني الذي يُبدع في كل شيء يتصل بـ"بوليوود"ويفتخر بعمله في أعلى برج في العالم.
ويبدو عدنان في المشهد الأول من "بطل المخيم" كأنه يضاهي برج خليفة بطوله رمزياً، إذ يتم تصوير البرج قزما، ويظهر عدنان ماردا. وهو واحد من الأيدي التي ساعدت في الأعمال الإنشائية في البرج. ويأخذنا عدنان في رحلته لتحضير وجبة عشائه بعد يوم عمل طويل، بدءاً من غرفته حيث يخبئ بيضة واحدة وقطعة مستطيلة من اللوبياء، وبصلة صغيرة في إحدى الخزائن الخشبية البيضاء.
يحمل وجبة عشائه البسيطة بحرص بين يديه، وصولا إلى المطبخ الكبير الضخم حيث وضعت أفران الغاز بجانب بعضها البعض والأواني، والأوعية. الكل يعمل على تحضير عشائه في المطبخ.
اقرأ أيضا..نجوم العالم يسطعون على سجادة "دبي السينمائي"
تتصبب قطرات العرق على وجوه مئات العمال الذين يقفون لتحضير عشائهم. فلهيب ألسنة النار التي تنبعث من عشرات أفران الغاز تعطي هواء ساخناً يشبه الطقس الحار ما وراء الجدران.
ويقف عدنان، أمام أحد أفران الغاز، يقطع حبة اللوبياء بيده، ثم يقطع البصلة، ويضع البيض فوق الخليط، في المقلاة. ثوان قليلة وينضج العشاء المتواضع والذي لا يكفي لسد جوع طفل صغير. يضعه عدنان على الطاولة، ويبدأ بتناول لقمات صغيرة بيده. لا يظهر على عدنان مظاهر الانزعاج من نوعية الطعام أو من قلة كميته، إذ كل ما يتفوه به بابتسامة محبطة: "ينقصه فقط القليل من الفلفل الحار."
اقرأ أيضا.."عمر" يقهر "الاحتلال" ويفتتح مهرجان "دبي السينمائي"
ويغني عدنان عالياً، بعد انتهائه من وجبة طعامه "انفصلنا، فقط البارحة، ولكن كيف أعيش في هذا البلد لعدة سنوات، الموت لم يأت، ولكن كيف ما زالت الذكريات تأتي من البعيد، أحن إلى تلك الأيام وليس للإنفصال الطويل."
ويقول عدنان إن "الأشخاص الذين يعيشون في برج خليفة لديهم الكثير من المال، وليس لديهم مشاكل..أما نحن فلا يمكن أن نعيش هناك، كل ما يمكننا فعله، هو الحلم."
بدوره، يقول داتو معبراً عن وجعه إن "العامل في المخيم يواجه الكثير من الظروف الصعبةـ، إذ أنه يعمل في حرارة قد تتخطى الأربعين درجة، لمحاولة ايجاد خبزه اليومي." ويغني داتو "لقد ذهبت بعيدا، ولم تعد إلى المنزل، لقد تمكنت من الحصول على الكثير من المال الذي أخذك إلى مكان بعيد. اكسر القفص وتعال إلى المنزل."
اقرأ أيضا.."مهرجان دبي السينمائي"..هل يدعم السينما العربية؟
يتوقف لثوان قليلة بعد الأغنية ملتقطاً أنفاسه ويقول: "هنا نشعر أننا في سجن".
بدورها توضح إحدى الناشطات المشاركات في الفيلم أن مخيمات العمل في الخليج "ضرورية بسبب أعمال البناء الحديثة التي تتطلب مهارات في هذا المضمار تحديداً."
أما العامل المعماري الهندي فيقول: "أنا أعمل من أجل عائلتي ومن أجل أم وأبي. أستفيق في منتصف الليل، أحلم بأمي وأبكي. عندما أكلمها على الهاتف تبكي وتقول لي: ولدي تعال إلى المنزل، نحن لا نريد المال."
اقرأ أيضا.."سينما الشغف" تتجلى بمهرجان دبي الدولي
وبحسب الفيلم، فإن "هذه القصص تلقي الضوء على حياة الملايين من العاملين الآسيويين، في الخليج، على الطموحات والأصوات القوية، والعمل بجهد لبناء مدن الأحلام في العالم العربي ولتأمين حياة أفضل لمن يحبون."
ويذكر أن قعبور هو مخرج لبناني، حظي فيلمه الوثائقي "تيتا ألف مرة" في العام 2010 بنجاح كبير وعُرض في أكثر من55 مدينة حول العالم، ونال سبع جوائز عالمية. ونال فيلمه الأول "أن تكون أسامة" أربع جوائز دولية، واعتبر أصغر صنّاع الأفلام سناً في تاريخ التلفزيون الكندي.
وتجدر الإشارة إلى أن الفيلم عرض للمرة الأولى في الدورة العاشرة لـ"مهرجان دبي السينمائي الدولي" ويُعتبر الفيلم أول عمل سينمائي وثائقي طويل، يُصوّر في مساكن العمال في دبي.
ترحب شبكة CNN بالنقاش الحيوي والمفيد، وكي لا نضطر في موقع CNN بالعربية إلى مراجعة التعليقات قبل نشرها. ننصحك بمراجعة إرشادات الاستخدام للتعرف إليها جيداً. وللعلم فان جميع مشاركاتك يمكن استخدامها، مع اسمك وصورتك، استنادا إلى سياسة الخصوصية بما يتوافق مع شروط استخدام الموقع.
الآراء الواردة أدناه لا تعبر عن رأي موقع CNN بالعربية، بل تعكس وجهات نظر أصحابها فقط.