CNN CNN

رأي بقلم باسم سكجها: دبي... كلام من القلب

بقلم: باسم سكجها
السبت، 28 كانون الأول/ديسمبر 2013، آخر تحديث 12:00 (GMT+0400)
 

حَدَسي كان أنّ دبي ستفوز...ودون أن أعرف تفاصيل التسابق، وحتّى لو كانت منافستها نيويورك، أو باريس، فكان حدسي يؤكد: دبي ستفوز. وحين راهن أغلب الكتّاب العرب على ضياع دبيّ قبل سنوات قليلة مع أزمة عابرة، وسمّاها بعضهم "فقاعة" ذاهبة مع الريح، كتبت:  انتظروا على حبيبتي دبي، قليلاً، فهي عائدة لتغيظ فيكم روح الشماتة، وقد كان...

ولست أكتب، الآن، فأنا أستحضر من كتاباتي:

"دخلتها ليلاً. المدن يُمكن أن تُحبّ من النَظرة الأولى، وهذا ما فَعَلته دُبي مَعي، فقد أسَرت قلبي، وأنا أتطلّع عليها من الجوّ. كان الخور يُشكل لساناً طويلاً يمدّه البحر في وجه اليابسة. خمسة كيلومترات من البحر داخل البرّ. نهر من نوع مختلف، مالح الماء، لكنّ له ضفّتين: بر دُبي، ودِيرة.

دخلتها زائراً بنيّة المكوث هناك خَمسة أيّام، فَقضيت فيها خُمس سنوات.

أحتفظ من حبيبتي بذكريات جَميلة، مِن تلك الأيام، التي كانت شوارعها قليلة، وبحرُها المفتوح على الفضاء، وناسُها القليلون الهانئون، ومطارها الحميم مُحدّد الأرجاء، وسوق سَمَكها الطازج يُقدّم للفجر وَعد وَليمة فاخرة، وخورها البهيّ، الذي لا ترى فيه سوى أضواء تتلالأ على الماء، ومركباً خَشبياً عتيقاً، يَحمل مَجموعة هاربة من يومها، تترنّم بأغان حُلوة، لا تفهم كلماتها."

تلك كانت من كتابتي لدبيّ، أيام زمان، فهي المدينة/ القرية، التي احتوتني قبل خمسة وثلاثين عاماً، بدءاً من ذلك الفجر الحبيب، وعلّمتني الصحافة على أيادي كبار صحافيي العرب، ووزعت الكنافة على زملائي في "البيان" حين ولدت أولى بناتي، وسكنتُ فيلا تسحرها زقزقات الصباح الآتية من حديقة الطيور المجاورة في الجميرة، لتستقي من بركة حميمة في البستان، وسكنت في شقّة تُطلّ على البحر الساحر...

دبي، يا دبيّ...
تستأهلين ذلك، وأكثر، وأكثر...
ولو كان لي من القَدر أن أبقى هناك، لأصبحت دبوياً خالصاً، ولكنّ الدنيا كانت تستعيدني إلى حيث الواجب، ولو كان لي أن أبقى لاستعدت لحظات كان فيها الشيخ محمد بن راشد يستقلّ سيارة رياضية ويتجوّل في أنحائها، كنجم سينمائي في هوليوود، يلبس الجينز ويتوقّف عند أناس عابرين يسألهم عن أحوالهم...

في يوم، فاجأنا الشيخ محمد بن راشد في "البيان"، وهو يتجوّل في الأروقة باحثاً عن أبي مروان، المسؤول عن صفحة الشعر النبطي، ولمّا كان أبو مروان غائباً، جلس في مكتبه منتظراً، لأنّه يريد تصحيح بيت شعر كتبه، ولا يريده أن يظهر على الناس إلاّ كما أراده القلب...

ولو تتواصل الذاكرة في استعراضها، لتذكّرت الشيخ حشر يسحبني من بيتي، في سيارته الجديدة، فنتجوّل لنقضي آخر ساعات يوم رمضاني، في شوارع المدينة الوادعة الصغيرة، وقُبيل آذان المغرب، يُسارع إلى بيته في الجميرة، فيوقف السيارة بسرعة عجيبة، لنهرع إلى وليمة ما زال طعمها يترنّم في شهيّتي.

ولو عُدت في الذاكرة، أكثر، فأكثر، فها أنا مع الشيخ حشر، في الصفّ الأول من يوم العيد، في مسجد الجميرة، حيث يتصدّر الناس المؤسس الراحل راشد بن سعيد، وحوله مكتوم وحمدان ومحمد، أبناؤه، وكلّ دبيّ حولنا، وكأنّها عائلة تجتمع في ميعاد.

وهي ذاكرة، تتواصل، وتتواصل، وتتّصل، لتصل إلى زيارتي لها بعد سبع سنين، لأجدّ أنّ الدنيا تتغيّر، وتتغيّر، والبلد تكبر، وتكبر، ولكن الناس ما زالوا كما هم، رائعين حبيبين، وتمرّ السنوات طويلة، لأزورها بعد عشرين عاماً، فأكاد أضيع بين الشوارع، والناس، ولكنّ من كان له قلب محبّ لدبي، لا يضيع فيها، فقد وصلت "البيان"، دون دليل سوى قلبي، وجبتُ في شوارع الجميرة، وكأنّني تركتها بالأمس.

دبي، لا تفاجئني إن فازت، فهي بُنيت على تلك المُفردة، ودبيّ لا تسحرني بتفرّدها، فقد جمعتنا قبل خمس وثلاثين من السنوات، صحافيين وكتاباً يلوذون من قهر بلادهم، فأين هم عمالقة مثل: رياض الشعيبي، وابراهيم سكجها، وياسر هواري، وفيليب جلاب، ومصطفى كمال، وخليل الخوري، والياس الفرزلي، وجلال الرفاعي، والعشرات ممّن ضاقت بهم بلادهم، فوسعتهم دبي...

اليوم، دبي لا تسع العشرات، والمئات، والآلاف، والملايين، بل عشرات الملايين ممّن لاذوا إليها، وأمنوا بها، وآمنوا بحقيقتها، واليوم لا تضيف حبيبتنا دبي إلى رصيدها الكثير، فإكسبو 2020 مجرّد علامة على طرف طريق طويل، وشامة على جسد جميل.

ولعلّ للشيخ محمد بن راشد أن يزور قبر والده اليوم ويقول له: نعم... نحن هنا، نعم، فهذه هي دبي التي استودعتني إياها، وأنا غير تاركها إلاّ وهي أعزّ مدن الدنيا...
شكراً من القلب... للشيخ محمد، فقد رفعت رأسنا...

ملاحظة: وجهة النظر الواردة تعكس رأي كاتبها، باسم سكجها، الصحفي والناشط في مجال الحريات ومكافحة الفساد، ولا تعبر بالضرورة عن رأي CNN بالعربية.

رأي: جدوى إقامة "إكسبو 2020" في دبي

10 معلومات تشرح أهمية "إكسبو 2020"



ترحب شبكة CNN بالنقاش الحيوي والمفيد، وكي لا نضطر في موقع CNN بالعربية إلى مراجعة التعليقات قبل نشرها. ننصحك بمراجعة إرشادات الاستخدام للتعرف إليها جيداً. وللعلم فان جميع مشاركاتك يمكن استخدامها، مع اسمك وصورتك، استنادا إلى سياسة الخصوصية بما يتوافق مع شروط استخدام الموقع.

الآراء الواردة أدناه لا تعبر عن رأي موقع CNN بالعربية، بل تعكس وجهات نظر أصحابها فقط.