وفقا لما تعدّ أشمل دراسة بشأن كيفية تعامل الولايات المتحدة مع المجازر الجماعية التي تحدث في مختلف أنحاء العالم، مثل مجازر الأرمن والهولوكوست ومسلمي البوسنة وقبائل التوتسي، يراوح الأركان ذاتها وتلخصه الفقرة التالية المنقولة من الدراسة نفسها:"رغم صور وسائل الإعلام الفظيعة فإنّ صانعي السياسات الأمريكيين والصحفيين والمواطنين بطيئون جدا في تحديد كيفية حساب الشرّ. فقبل المذابح بقليل، يذهب في اعتقادهم أنّ الفاعلين العقلانيين لن يسمحوا بتدهور الوضع نحو عنف مجاني. يعتقدون بحسن النوايا عندما يتعلق الأمر بالمفاوضات أو الدبلوماسية التقليدية. وبمجرد حدوث المجازر يعتقدون أن المدنيين الذين لم يكن لهم أي دور في الأحداث سيتركون لحال سبيلهم. حينذاك سيدعون إلى وقف إطلاق النار وسيوفرون مساعدات إنسانية."
كان الأمر هو نفسه منذ قرابة العامين، عندما كانت الولايات المتحدة تحاول إيجاد صيغة مثلى لإنهاء الحرب الوحشية التي يرتكبها نظام الأسد في حق شعبه السوري.
مؤلفة الدراسة، حصلت قبل 10 أعوام بالضبط على جائزة "بوليتزر" على الكتاب الذي حمل عنوان "مشكل من جهنم: أمريكا وعصر المذابح."
والآن بعد عقد من الزمان، تشغل المؤلفة منصب مندوب الولايات المتحدة في الأمم المتحدة، واسمها ببساطة هو سامانثا باور، المساعدة للرئيس باراك أوباما منذ كان سناتورا صغيرا عن إلينوي.
أطلقت باور العنوان على دراستها، التي جاءت في 610 صفحات، اقتباسا من الوصف الذي أطلقه وزير الخارجية وارن كريستوفر على حرب البوسنة وفظائع الصرب.
وواحدة ممن لحقتهم سهام نقد باور، كانت سوزان رايس، التي شغلت وقتها منصبا رفيعا في إدارة أفريقيا بوزارة الخارجية.
غضبت رايس من انتقاد باور لها بحكم "عدم فعاليتها إزاء المذابح الجماعية في رواندا"، ووصفت ذلك بكونه غير صحيح، لكنها لاحقا نأت بنفسها عن ذلك الغضب، قائلة إنها لا تتذكر أن ما تضمنه الكتاب قد أغضبها "وإذا جرى أنني صرحت بعدم رضائي فإن ما قد كنت قد صرحت به هو ببساطة غير ملائم."
وتشغل رايس الآن منصب مستشارة الأمن القومي لدى أوباما.
في عام 2012 وتحت ضغط من باور، أعلن أوباما عن إنشاء "مجلس الوقاية من الأعمال الوحشية" عهد برئاسته لباور نفسها خلال العام الأول، ولاشك أن ما يقع في سوريا هو من صميم مجاله.
وطيلة العامين الماضيين، رفض أوباما أي تدخل عسكري في سوريا.. فمن هو المغامر الذي سيقوم بذلك!
فالبلد أصلا بصدد الانقسام إلى "إمارات جهادية" وسطوة من الطائفة العلوية، كما أنه دخل فعلا مرحلة حرب سنية - شيعية تقاتل فيها مجموعات من تنظيم القاعدة، وأخرى مدعومة من قطر والمملكة العربية السعودية، وحزب الله اللبناني المدعوم من إيران.
وأيا كانت هوية المنتصر من هذه الحرب، فمن دون شك لن يكون أحد حلفاء الولايات المتحدة بما يجعل مما حدث في العراق عام 2006 أمرا جيدا، مقارنة بما يحدث في سوريا.
ببساطة فإنّ ما يحدث في سوريا هو مشكلة من جهنم.
واليوم يواجه كل من أوباما وباور ورايس نفس الخيارات التي واججها أسلافهم في مجالس الأمن القومي الأمريكي، في محاولاته السابقة لمنع حدوث مجازر في أنحاء شتى من العالم.
بإمكانهم الآن أن يقوموا بأمور بسيطة مع دخول الحرب السورية عامها الثالث، وهي تحصد أكثر من مائة ألف قتيلا، بل إن نظام الأسد تجاوز أكثر من الخطوط الحمر بقتله المئات بغاز الأعصاب في دمشق، وفقا لوزير الخارجية جون كيري.
وعدم الرد سيكون حسابه قاسيا من قبل المؤرخين، تماما مثلما فعلت باور نفسها في السابق.
والمشكلة في سوريا اليوم لا تكمن فقط في كون الأسد بصدد ذبح شعبه "وبكميات مهولة"، بل إنه يثير معيارا دوليا متعارفا عليه، ولا يقبل الصمت إزاءه ويتعلق بالاستخدام الواسع لمواد كيماوية ضد تجمعات بشرية من المدنيين.
وسيكون أمرا مزعجا جدا أن لا ترد الولايات المتحدة بكيفية أو بأخرى، وهي التي لها مسؤولية أخلاقية تجعل منها الضامن للنظام الدولي.
ولكن تحت أي سلطة يمكنها أن تقوم بذلك؟ فاحتمال أن تمنحها الأمم المتحدة حق التحرك ضئيل جدا.
وعندما كانت مندوبة بلادها في الأمم المتحدة، نجحت رايس في دفع مجلس الأمن إلى إجازة عمل عسكري، قاد لاحقا إلى إطاحة الزعيم الليبي معمر الليبي.
لكن الآن لن تسمح روسيا والصين بقرار مشابه بشأن سوريا، ليترك ذلك المعطى احتمالا بأن الولايات المتحدة قد تقوم بعملية منفردة.
وعادة ما تنتهك الولايات المتحدة سيادات دول مثل اليمن وباكستان بتنفيذ غارات بدون طيار في أجوائها، معتمدة على نظرية مفادها أنّ هناك أعداء لها يعيشون في مثل تلك الدول التي هي قادرة أو غير راغبة في ملاحقتهم، بما يفرض عليها القيام بعمليات تحفظ أمنها القومي.
لكن سحب تلك النظرية على سوريا سيكون أمرا مستبعدا.
ففي عام 1986 شنّ ريغن هجوما جويا على ليبيا، لكن بعد أن قام عميلان لدى نظام القذافي بقتل جنديين أميركيين في برلين، وهذا لا ينطبق أيضا على سوريا.
فما العمل مع استبعاد أن تمنح الأمم المتحدة تفويضا، وأيضا مع عدم وجود عمل سوري ضد الولايات المتحدة؟
الاحتمال الأقرب هو مثال كوسوفو عام 1999، الذي لم يقتل فيه جندي أميركي واحد.
لقد كان هدف تلك الحملة الجوية طرد القوات الصربية من كوسوفو. وكانت روسيا حليفة للصرب، مثلما هي الآن حليفة لسوريا، ولم يكن هناك أي مجال لاستصدار قرار من مجلس الأمن يبيح عملا عسكريا.
بدلا من ذلك، اعتمدت واشنطن على حلف "الناتو"، وما سمح بذلك أن كوسوفو جزء من أوروبا، والحلف يركز على الأمن في أوروبا، فيما سوريا تقع في الشرق الأوسط. فما العمل؟
يعمل الناتو بعيدا عن أوروبا، في أفغانستان تحديدا، معتمدا على معطى أن دولة من أعضائه تعرضت لهجوم من قبل تنظيم القاعدة، الذي كان، وربما مازال، يتخذ من أفغانستان منطلقا لهجماته.
الآن يبدو الأمر بيد تركيا، العضو الفاعل في الناتو، رغم أنها رفضت استخدام البند الخامس من لوائحه، والذي يتيح لأي عضو طلب تدخله إذا تعرض لهجوم.
حدث ذلك "الاعتداء" عندما قصفت سوريا مواقع داخل الأراضي التركية.
الآن مع هجوم كيماوي مثير للفزع، قد يكون بإمكان تركيا الاعتماد على تلك الذريعة، وربما أيضا بالتعاون مع الجامعة العربية، التي رغم أنها تلتزم الصمت ظاهريا، إلا أنّها تحركت بقوة لدعم قرار دولي، وكذلك هجمات نفذها الناتو في ليبيا، وأدت لاحقا إلى إطاحة القذافي.
التحليل يلزم فقط آراء بيرغن ولا يعبر بأي حال من الأحوال عن آراء CNN
ترحب شبكة CNN بالنقاش الحيوي والمفيد، وكي لا نضطر في موقع CNN بالعربية إلى مراجعة التعليقات قبل نشرها. ننصحك بمراجعة إرشادات الاستخدام للتعرف إليها جيداً. وللعلم فان جميع مشاركاتك يمكن استخدامها، مع اسمك وصورتك، استنادا إلى سياسة الخصوصية بما يتوافق مع شروط استخدام الموقع.
الآراء الواردة أدناه لا تعبر عن رأي موقع CNN بالعربية، بل تعكس وجهات نظر أصحابها فقط.