بين الرأسمالية والموهبة..ما الطريق إلى مجتمع متكافئ؟

نشر
6 دقائق قراءة
Credit: Andrew Burton/Getty Images

دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN) -- سلط كتاب "الهروب الكبير" للاقتصادي برينستون أنجوس حول تحول البشرية إلى حالة أكثر ثراء، وصحة، وسعادة، في القرن الماضي وحده، الضوء على نقطة لا مفر منها، ومفادها أنه كلما تحرك بعض الأشخاص إلى الأمام، تتسع الفجوة بينهم وغيرهم من الأشخاص الذين يتركونهم في الخلف. وكتب أنجوس أن "الازدهار المادي هو واحداً من عاملين يتمثلان بالنمو وعدم المساواة. "

محتوى إعلاني

وبالتالي، فمن المستغرب أن ظاهرة عدم المساواة داخل المجتمعات، وبين بعضها البعض، أصبحت واحدة من القضايا الأكثر إلحاحا في عصرنا.

محتوى إعلاني

ويخشى العديد من الأشخاص في الولايات المتحدة أننا نعمل على تطوير البنية الاجتماعية في جزء كبير من أمريكا اللاتينية، من خلال نخبة غنية تواجه الجماهير، ومئات الملايين من الأشخاص الذين لا يجدون أي سلم يوصلهم إلى الطبقة الوسطى.

ويبدو أننا نواجه ظاهرة مصانع المستقبل التي يتم فيها إنجاز العمل بواسطة الروبوتات وأجهزة الكمبيوتر، مع عدد قليل من البشر من ذوي المهارات العالية، والذين تتمثل مهمتهم بالتأكد من أن كل شيء يعمل بشكل صحيح.

أما الوظائف التي تم إنشائها وحافظت على الطبقة الوسطى في الولايات المتحدة، على الأقل، لم يعد وجودها واضحاً.

لذا مع كل هذه العوامل، هل يمكن للرأسمالية أن تبقى على قيد الحياة؟

ولخص هذا السؤال موضوع المنتدى الاقتصادي العالمي في العام 2013، إذ اعتبر الاقتصادي السويسري كلاوس شواب في تعليق على مدونته الالكترونية، أن "الرأسمالية" يرجح  أن تحل محلها الموهبة.

وأشار شواب إلى أن الرأسمالية ليست إيديولوجية تمثل الأسواق الحرة والمسؤولية الفردية، بل هي نظام اقتصادي حيث أن رأس المال هو أهم عامل في الإنتاج، ما يتطلب بنية تحتية تسمح أن يتم جمعه واستثماره بسهولة.

وكان هذا النظام الاقتصادي نتاج الثورة الصناعية، حيث خلق اقتصاد مدفوعا بالاستثمار في المشاريع الكبيرة. أما اليوم، فإن رأس المال يجري استبداله من خلال الإبداع والقدرة على الابتكار، والمواهب البشرية التي تعتبر العوامل الأكثر أهمية في الإنتاج."

ورغم أن النظام الحالي للرأسمالية لم يكن أكثر إبداعا، إلا أنه أيضاَ ليس أكثر جشعاَ. وبينما نسير إلى الأمام، يجب أن نقوم بتصميم قواعد لمكافأة المبدعين وثني الجشعين.

وهذه رؤية جميلة، على الأقل لكل من يشعر أنه موهوباً ومبدعاً. وبالتأكيد، فإن التكنولوجيا تضع المزيد في متناول المبدعين في العالم والمبتكرين والمخترعين ورجال الأعمال من أي وقت مضى.  

ويمكن لأي منا أن يبدأ النشاط التجاري بطريقة سهلة من خلال إنشاء موقع على شبكة الانترنت، والتعاقد والتواصل مع الموظفين، وجمع خدمات المحاسبة والرواتب والتسويق.  

وقد طورت التكنولوجيا في "مؤسسة أميركا الجديدة" نظام اتصالات لاسلكية، يسهل تحميله وتثبيته بواسطة أي مجتمع يسعى إلى إنشاء شبكة إنترنت سريعة وفعالة، مجاناً.

أما الاقتصاد التشاركي، فيسمح للأفراد بكسب المال، من خلال تأجير الغرف، والسيارات، وأي شيء آخر يستخدمه الأشخاص الآخرين، ما يغير من المفهوم الكامن وراء ما تعنيه نظرية أن تمتلك شيئا في الدرجة الاولى. 

أما استاذة الاقتصاد في جامعة ساسكس ماريانا مازوكاتو، فقد لفتت إلى أن التكنولوجيا الجديدة لجهاز "أي فون" ونظام تحديد المواقع، أنظمة المناعة كلها مولت في البداية واحتضنت من قبل الاستثمارات الحكومية.

وفي هذا السياق، فإن الدول تستثمر في مجتمعاتها بالأسلوب الذي يستثمر فيه الآباء في الأطفال، أي ليس لخلق حالة اعتماد، بل لتمكين الاستقلالية الذاتية.

وتعترف الدولة القادرة على المنافسة والنجاح، بالعقد الاجتماعي الأساسي بين المواطنين الذين يدفعون الضرائب والحكومات التي تستثمر في البنية التحتية المادية والقانونية اللازمة لازدهار الشركات، من البنية التحتية وصولاً إلى إقرار وتنفيذ القوانين.  

وكانت إليزابيث وارن محقة، عندما قالت أن لا أحد في الولايات المتحدة "أصبح غنيا من تلقاء نفسه." وكان هؤلاء يعتمدون على البنية التحتية وقوات الشرطة والعمال، وغيرهم من الملاحق لتأسيس دولة صناعية حديثة.

وبدلا من المناداة بـ"دولة مربية" ترعى المواطنين من المهد إلى اللحد، نحن بحاجة إلى الاستثمارات العامة والخاصة لإتاحة الفرصة إلينا حتى نرعى بعضنا البعض بطريقة أفضل.

ويمكن أن نطلق عليها تسمية "دولة الرعاية" والتي تمكن الآباء من تنشئة مواهب وإمكانات أبنائهم دون أخذ مواهبهم الخاصة والمحتملة خارج الاقتصاد. أما "دولة الرعاية" فتمثل أيضاً الإجابة على 

عدم المساواة.

ومن المرجح أن يعتبر الاقتصاد الذي يزدهر من خلال استثمارات كبيرة لرأس المال وصولا إلى البنية التحتية لكل من التنافسية والرعاية، اقتصاد قائم على تكافؤ الفرص، إذ يركز بدرجة أقل على توفير فرص العمل، بدلاً من تمكين الأفراد لخلق فرص عمل خاصة بهم.

ويبقى أن "الهروب الكبير" للقرن 21، لا يجب أن يكون لعبة محصلتها صفر، إذ أن الاشخاص الذين وجدوا الطريق إلى عالم أكثر ثراء وأكثر جدوى، يمكنهم على الأقل فتح السجون وإضاءة الطريق حتى يلحق بهم الأشخاص الآخرين.

* آن ماري سلاتر كاتبة وأكاديمية أمريكية ورئيسة تنفيذية لمؤسسة "نيو أميركا" وأستاذة في السياسة والشؤون الدولية في جامعة برينستون

نشر
محتوى إعلاني