"الحلقة المفقودة في نقاش ضريبة أرباح البورصة المصرية"
هذا المقال بقلم أشرف حسين وأسامة دياب، وهو ضمن مقالات ينشرها موقع CNN بالعربية بالتعاون مع صحيفة الشروق المصرية، كما أنه لا يعبر بالضرورة عن رأي شبكة CNN .
أثار قرار الحكومة الأخير بتأجيل العمل بضريبة الأرباح الرأسمالية ردود فعل واسعة ما بين مؤيد يرى أن هذا سيزيد من تنافسية السوق وسيعوض الخسائر الكبيرة التي طالت البورصة المصرية في الفترة الأخيرة، وما بين معارض يرى أن الحكومة وقفت ضعيفة أمام ابتزاز المضاربين في البورصة، وأن هذا يأتي كنتيجة لمشكلة أوسع وهي افتقار الحكومة للرغبة والقدرة على تحصيل الضريبة من الأغنياء خاصة بعد إعلان تخفيض الشريحة العليا للضرائب من 25 لـ22.5% وإلغاء الضريبة الاستثنائية على الثروة في مارس الماضي.
قد تكون ضريبة الأرباح على البورصة بالفعل محدودة التأثير على المستوى الإيرادي- أي كمية الأموال المتحصل عليها جراء فرضها- ويذهب البعض إلى أن ما تحصل عليه الدولة من هذه الضريبة لا يساوي ما تم تكبده من خسائر نتجت عن هروب المستثمرين بعد تطبيقها. وقد يكون هذا صحيح جزئيا، لكن الخطر في التعاطي مع ضريبة أرباح البورصة من المنظور الإيرادي فقط، هو التعامل مع الضرائب كأداة فقط لجمع الأموال بدون النظر للضرائب أيضا كأدوات ضبط اقتصادية واجتماعية، فمن أهداف الضريبة كوسيلة لتحقيق التنمية المستدامة هو تشجيع أو تثبيط ممارسات اجتماعية أو أنشطة اقتصادية معينة، والأمثلة على ذلك فرض ضرائب مرتفعة على التدخين أو الصناعات الملوثة، وفرض بعض الضرائب الجمركية بهدف حماية صناعات استراتيجية محلية وخفض الضرائب مثلا على الأنشطة ذات المردود الإيجابي المستدام مثل الاستثمار في الطاقة المتجددة وغيرها كثير من الأمثلة، فالرفع هنا أو الخفض هناك ليس بالضرورة دائما ما يهدف إلى زيادة موارد الدولة فقط، وإن كان هذا من أحد نتائجها الثانوية في بعض الأحيان، فقيام الدولة بتحصيل مبلغ صغير من منظور الموازنة (700 مليون جنيه) منذ تطبيق الضريبة كحجة لعدم جدواها ليس بالأمر المحسوم، والأمر قد يكون أكثر تعقيدا وتشابكا من ذلك.
عادة ما يوازن صانع السياسة الاقتصادية بين اعتبارين، هم تحفيز البورصة كأداة لتعبئة المدخرات من ناحية وكبح ميول المضاربة التي قد يكون تأثيرها سلبيا على الاستثمار من ناحية أخرى. ويعتمد الأثر النهائي للسياسة الضريبية على طبيعة هيكل سوق المتعاملين بالبورصة. هل هو هيكل احتكاري مضاربي مسيطر عليه من عدد محدود من المتعاملين والشركات أم سوق مفتوح لصغار المستثمرين وصغرى الشركات.
وتنطلق فكرة المعارضين للضريبة من فكرة أن تحفيز البورصة يشجع على المزيد من تسجيل الشركات في البورصة وتوسيع قاعدة المتعاملين من الأفراد والشركات لتعظيم تعبئة المدخرات المحلية لكي تتيح للشركات أن تتوسع في أنشطتها الإنتاجية بصورة تتجاوز قدراتها الرأسمالية بدون اللجوء إلى الاقتراض البنكي. تنطلق وجهة النظر الأخرى من فكرة أن أغراض الضريبة على أرباح البورصة هو أن يقلل صانع السياسة من المضاربة على الأسهم مما يعوق من عملية تعبئة المدخرات المتاحة للاستثمار في الاقتصاد الحقيقي لحساب تلك المتاحة للمضاربة. في إطار ما سبق، فقد كان من المدهش أن تستبقي الحكومة الضريبة على توزيعات الأرباح وهي الضريبة المرتبطة بالاقتصاد الحقيقي وأن تقوم بإلغاء الضريبة على التعامل بالبيع والشراء في الأسهم والأوراق المالية وهي الضريبة التي تستهدف أساسا المضاربين.
وتعاظمت المخاوف من زيادة المضاربة في الأسهم على حساب الاستثمار طويل المدى بإعلان الحكومة تأجيل العمل بضريبة الأرباح على التداول في الأسهم الأسبوع الماضي، مع تركها لضريبة التوزيعات النقدية، وهو ما يشجع البيع والشراء السريع للأسهم ويقلل من رغبة المساهم في الاحتفاظ بالسهم، خاصة وأن ضريبة الدمغة على البيع والشراء قد ألغيت في يوليو الماضي مع تطبيق الضريبة على أرباح البورصة، مما يجعل عملية بيع وشراء الأسهم خالية من أي تكلفة ضريبية.
إن إلغاء الضريبة على تداول الأسهم التي حلت محل ضريبة الدمغة، مع صمت المشرع عن عودة ضريبة الدمغة يعد انحيازا غير مبرر لفئة رجال الأعمال في وقت تعاني الدولة من عجز في الميزانية يتم تحميل تبعاته للطبقات الشعبية الأفقر من خلال تراجع برامج الدعم على العديد من السلع. ولم يثر هذا الانحياز غير المبرر فقط انتقادات المعلقين المحليين المناصرين للعدالة الاجتماعية، بل أيضا انتقادات صندوق النقد الدولي المعروف بانحيازه للقطاع الخاص وتحرير الأسواق.
ربما كانت بنية وهيكل المتعاملين في البورصة المصرية وطبيعة النفوذ السياسي والاقتصادي لتلك الفئة هي ما يمكن أن يفسر قدرة هذا اللوبي على التأثير في تعاملات البورصة بصورة تجبر الحكومة على التراجع عن الضريبة التي قامت بفرضها العام الماضي في ظل خطاب سياسي يدعو الجميع إلي تحمل تبعات فاتورة تقليل العجز في الموازنة العامة للدولة ويدعو على المستوى الخطابي إلى التكاتف معا لتحمل تبعات الأزمة. لاستيضاح طبيعة النفوذ الاقتصادي والسياسي لهذه الفئة فيكفي أن تستعرض نتائج الدراسة الشهيرة الصادرة عن البنك الدولي بعنوان "وظائف أم امتيازات: إطلاق إمكانيات التوظيف في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. قامت الدراسة الشهيرة بتعريف 32 شخص مرتبط بالنظام السياسي، ومحاولة قياس ارتباطهم بالـ 854 شركة المقيدة أو التي كانت مقيدة في البورصة المصرية حتى تاريخ الدراسة الصادرة في 2015، ووجدت الدراسة أن هناك علاقة مباشرة لهؤلاء الأشخاص كأعضاء مجلس إدارة أو مديرين أو كبار مساهمين في 104 كيان، من بينها صناديق استثمار وشركات قابضة تسيطر على 469 شركة من هذه الشركات المقيدة. وإذا قمنا بتوسيع قاعدة الأشخاص قليلا، وإدراج علاقات أكثر كالمساهمة غير المباشرة عن طريق صناديق استثمار مثلا أو شركات مسجلة بالخارج (offshore)، فغالبا ما سنجد عدد أكبر من الشركات المقيدة التابعة للشخصيات القريبة من النظام السياسي. وتشير أيضا الدراسة إلى واقع أن أقلية من الشركات المسجلة في البورصة - والتي لها اتصالات سياسية تسمح لها بالاستفادة من المعلومات والحصول على امتيازات بحكم صلتها بصانع القرار- كانت الأكثر قدرة على الاستفادة من البورصة. لقد شكلت محاولة هذه الفئات المرتبطة سياسيا للاحتجاج على ضريبة الأرباح على تعاملات البورصة ضربة قوية لصانع السياسة أجبرته على التراجع عن تطبيق الضريبة. ويضاف إلى هذه الفئة، فئة شركات السمسرة في الأوراق المالية الذين يستفيدون من تحقيق الأرباح عن طريق عمليات البيع والشراء (أي حجم التعامل وعدد العمليات)، وليس احتفاظ المستثمرين بالأسهم، مما يجعلها أداة ضغط فاعلة في محاولة توقيف أي محاولة للحد من المضاربة تهدف لاستقرار السوق المالي.
سيتطلع الرأي العام في مصر وسيترقب، بعد متابعته لتخفيف العبء عن مستثمري البورصة، كيف سيمكن للحكومة أن تعوض التراجع في الحصيلة الضريبية الناتج عن التخفيضات في العبء الضريبي للفئات الأكثر تنفذا، في نفس الوقت الذي ستستمر عملية رفع الدعم وتحرير أسعار الطاقة في الموازنة القادمة.