هل سيظل الفقر العالمي جزءاً من حياتنا؟

نشر
8 دقائق قراءة
Credit: PETER PARKS/AFP/Getty Images

هذا المقال بقلم  سمير كرم، كاتب صحفي مصري، وهو ضمن مقالات ينشرها موقع CNN بالعربية بالتعاون مع صحيفة الشروق المصرية، كما أنه لا يعبر بالضرورة عن رأي شبكة CNN .

محتوى إعلاني

يُلفت الانتباه الى مشكلة الفقر – باعتبارها مشكلة عالمية – إنها أقدم المشكلات على الإطلاق وأكثرها رواجا في العالم. كما يلفت الانتباه أن مشكلة الفقر ظلت على عالمية انتشارها ورواجها على الرغم من الجهود التي يفترض انها تبذل للقضاء عليها في بلدان العالم.

محتوى إعلاني

ولقد قيل عن الفقر أكثر مما قيل عن أي مشكلة عالمية اخرى. ومع ذلك لا يزال الفقر منتشرا في العالم ولا يزال يتوطد في البلدان التي يفضل العيش فيها، على الرغم من ان الفقر قد اثبت أنه أكثر مشكلات العالم انتشارا بل واستقرارا في البلدان التي توطد فيها. وليس من الغريب أن نتذكر أن ثورات العالم قامت بحجة معالجة مشكلة الفقر في البلدان الثائرة دون ان يؤدي ذلك إلى إزالة الفقر بالفعل في البلدان التي قامت فيها الثورات. ولقد ثارت معظم البلدان التي اجتاحتها الثورات بهدف القضاء على الفقر دون أن يؤدي ذلك الى إزالة الفقر. ربما يكون الفقر قد نجح في أن ينتقل داخل المجتمعات التي عاش فيها طويلا من طبقة إلى طبقة أخرى أو من فئة الى فئة، ولكنه برهن طوال الوقت على ثباته في المجتمعات حتى أكثر هذه المجتمعات غنى وثروة.

ويلاحظ ان الفقر اثبت انه أكثر ثباتا من أي مشكلة اخرى في بلدان العالم على الرغم من تحول بعض هذه البلدان من الفقر العام الى الغنى العام. وعلى سبيل المثال فإن الهند – ثاني أكبر بلدان العالم من حيث الضخامة السكانية بعد الصين التي لا تزال منذ قديم الزمان تحتل المكانة الأولى – تسجل في السنوات الاخيرة نجاحات باهرة ومبهرة في التقدم بكل مفاهيمه العلمية والاقتصادية، بل والتكنولوجية. والأمر الذي لا شك فيه أن طبقات في المجتمع الهندي قد نجحت في الصعود إلى مستويات عالية من التقدم والغنى والنفوذ دون أن يؤدي ذلك إلى تغير في مستوى المعيشة العام في هذا المجتمع بما يسمح بنقل الهند إلى مستوى الغنى العام. إذ لا تزال الهند واحدة من البلدان التي يسود الفقر فيها بين الطبقات الدنيا وإن كانت الهند تتقدم علميا وتكنولوجيا واقتصاديا، بصفة خاصة على البلدان المحيطة بها مثل باكستان ونيبال (...) والأمر الذي لا شك فيه أن مثال الهند ليس وحيدا في العالم للدلالة على الفقر ومستواه ومغزاه في العالم.

والأمر اللافت للنظر في هذه المشكلة هو أن الفقر يسود في البلدان ذاتها منذ قديم الزمان، أي منذ اوائل التاريخ. وقد تسبب في سيطرة الفقر في طبقات بعينها ولم يغير موقعه في معظم الحالات سوى في بلدان قليلة للغاية وصغيرة للغاية أيضا. وعلى سبيل المثال فإن الفقر يكاد يكون قد اختفى من مجتمع آسيوي صغير مثل سنغافورة. ولكنه لا يزال يتركز في مجتمعات أخرى في آسيا. وربما يزداد تركزه وضوحا في أفريقيا أكثر مما يتضح في آسيا. ولكن الأمر الواضح هو أن الدول الفقيرة المختلفة لجأت للثورة بهدف القضاء على الفقر. ومع ذلك فإنها نجحت في تغيير مواقع الفقر اجتماعيا داخلها ولكنها لم تنجح في القضاء على الفقر. وربما تكون نسبة الفقر في مثل هذه المجتمعات قد انحسرت سكانيا ولكن الزوال التام لم يقترب منها أو هي لم تقترب منه. ولهذا يمكن القول بأن نسبة الفقر العالمية بقيت كما هي في المجتمع العالمي، كما بقيت مواقعها في العالم كما هي على الرغم من التغيرات التي طرأت على العالم نتيجة للثورات الاجتماعية ونتيجة للتقدم العلمي الذي طرأ على العالم.

ولقد ساد في العالم اعتقاد لفترة زمنية طويلة بأن التحرر من السيطرة السياسية الأميركية على العالم من شأنه أن يقفز بالعالم من حالة الفقر إلى حالة أكثر ارتياحا اقتصاديا مما يوصف بأنه حالة الفقر. ولكن الواقع الذي شهد التطور فيما يتعلق بدور أميركا عالميا إنما شهد بأن السيطرة السياسية الأميركية على الوضع العالمي لم تستطع أن تغير الصورة العامة من الفقر خاصة في أفريقيا وآسيا وإلى حد ما في أميركا اللاتينية. ولا نستطيع أن نؤكد إذا كان العالم الجديد الذي سينشأ عن تراجع الدور الأميركي في السيطرة على العالم سيغير أوضاع الفقر في العالم أو سيساعد على تراجعها حيث عاش الفقر واستقر طويلا في العالم الذي نعيش فيه. ولقد اصبح السؤال المطروح الآن بعد أن لاح تراجع الدور الاميركي في العالم هو إذا كانت الزعامة العالمية الجديدة – سواء كانت للصين أو لروسيا أو لأوروبا – ستغير الواقع العالمي بين الأغنياء والفقراء. ولا يبدو في حدود ما نرى من تغير في ملامح افريقيا الفقيرة – على سبيل المثال – إن الفقر سيتراجع تراجعا اساسيا عن مواقعه في أفريقيا مع تغير مواقع الهيمنة العالمية على الثروات العالمية من أميركا إلى غيرها. ويمكن القول بأن تحول السيطرة العالمية من أيدي الولايات المتحدة الاميركية إلى أيدي الصين مثلا سيكون من شأنه أحداث تحول مواز في سيطرة الفقر أو في دوره.

لكن هذا القول لا يمنع من التأكيد بأن الفقر سيكون هدفا مباشرا لتحول السلطة أو الهيمنة السياسية من أميركا إلى الصين مثلا . فلقد أصبح واضحا الآن في فترة التحول من السيطرة الأميركية إلى سيطرة عالمية أخرى، قد تكون سيطرة صينية أو أوروبية، إن محاربة الفقر كظاهرة اجتماعية غير مرغوب فيها قد تحد من سيطرة الفقر في العالم الأفروآسيوي، ولكنها لن تقضي على الفقر قضاء مبرما أو مصيريا. إن القضاء على الفقر عالميا يحتاج إلى موقف عالمي ضد الفقر. ولا يبدو لنا حتى الآن أن مثل هذا الموقف العالمي ضد الفقر آخذ في التكون. لقد انقضى ما يقرب من قرن ونصف قرن من الزمان على ظهور المحاولة النظرية الوحيدة للقضاء على الفقر، وهي المحاولة التي تمثلت في الماركسية نظريا وتمثلت في الحكم الشيوعي عمليا، وتبدو الظروف الآن مختلفة عما كانت. على الرغم من أن إحدى القوى البارزة في التحول العالمي نشأت عن أساس ماركسي صيني، إلا أن هذا الاساس لم يعد له التأثير النظري الذي كان. ولم تعد الصين نفسها معنية بالاهتمام بأساسها الماركسي. أو هكذا يبدو الأمر حتى الآن.

يبدو أن العالم يحتاج إلى فترة زمنية طويلة – قد لا تقل عن مائة عام – لكي يبرهن على أنه مصمم على التصدي لمشكلة الفقر بالقدر الكافي من الجدية. وربما يحتاج العالم الى فترة زمنية أطول للتأكيد بأهمية التصدي لمشكلة الفقر.

ويبقى أن نؤكد أن بروز الحرب في شكلها النظري – الذي يكتسب معنى دينيا متمثلا في حرب المنظمات الدينية ضد الدول – لا يكاد ينطق بالمعنى الذي يدل على اولوية الحرب ضد الفقر.

نشر
محتوى إعلاني