رأي عن مسلسلات رمضان هذا العام.. "المسيطر والمضحك والمعكنن"
هذا المقال بقلم إكرام لمعي، أستاذ مقارنة الأديان وهو ضمن مقالات ينشرها موقع CNN بالعربية بالتعاون مع صحيفة الشروق المصرية، كما أنه لا يعبر بالضرورة عن رأي شبكة CNN .
أما المسيطر فقد كان مريم ناعوم وفريق العمل معها من مخرج متميز وممثلين نوابغ على رأسهم نيللى كريم التى أثبتت أن مصر يمكن أن تنجب فاتن حمامة أخرى. إن عظمة هذا المسلسل وسر سيطرته علينا فى ليالى رمضان هو تصديه لقضية خطيرة تمس الأمن القومى وتهدر مليارات الجنيهات فضلا عن تدمير شباب مصر الواعد وتحطيم الأسر. و قد تم تناول القضية بواقعية شديدة وحرفية واضحة، فالقصة الرئيسية والقصص المتفرعة منها تصب فى نفس الهدف دون تكلف أو محاولة لقتل الوقت. فالإدمان يضرب المجتمع فى كل الأعمار بداية من طالب الجامعة حتى الأم المتزوجة، يفقدهم توازنهم وأموالهم وصحتهم وشرفهم. الإدمان يدمر الأسر والأفراد والمجتمعات.
الإدمان له أسبابه الواضحة بداية من غياب الأب وتفكك الأسرة وغياب الوعى المجتمعى عن مداره وغياب الإعلام وغياب الدولة بشكل كامل، بل إن الدولة كعادتها تقوم بمعالجة الظاهرة أمنيا فقط لا غير كما تفعل فى معالجتها للإرهاب والجهل والجريمة، إنها تستخدم الأمن ولا تستخدم أو لا تعرف العلاج الاجتماعى والنفسى والإقتصادى ...إلخ.
فالمجرم بعد العقوبة يصير أكثر إجراما، والمدمن يعود أكثر إدمانا من هنا تنتشر الجريمة وحوادث الطرق بأعلى معدلاتها عالميا، لذلك فمصحات علاج الإدمان معظمها قطاع خاص مرتفع التكاليف لا يقدر عليه سوى الأثرياء. ومن الجمال فى هذا المسلسل أن يقدم أنواعا أخرى من الإدمان فى المجتمع مثل إدمان عمليات التجميل وإدمان التنصل من المسئولية عن المدمن وإلقاء اللوم عليه أو على الطرف الآخر فى الزواج.
أما ما كشفه المسلسل واستطاع أن يخجلنا جميعا كشرقيين هو أن العلاج يتكون من ثلاثة أطراف، المدمن وعليه أن يعترف أمام الجميع أنه مدمن ويتحمل مسئولية ذاته، أما الطرف الثانى فهو المساند، والمساند هذا يكون عادة الزوج أو الزوجة أو الأم أو الأب الذين يحبون المدمن وهم قادرون على مساندته واحتماله حتى يبرأ وجميع هؤلاء سقطوا فى امتحان حبهم للحبيب المدمن، فالأم لم تستوعب ابنتها والزوج لم يساند زوجته وكان عاملا قويا على ارتدادها، والزوجة فعلت نفس الأمر رغم حبها الشديد لزوجها وإن كنت أتوقع عودة المساند بقوة في الحلقات المتبقية.
إن نظرة الرجل الشرقى الدونية للمرأة مهما كان مستواه الاجتماعى وأنانيته الشديدة، وخلطه بين ما يظنه ويطلق عليه القيم الشرقية بكل فخر واعتزاز يجعله يرفض الغفران والمساندة وكأن المسامحة والمساندة قيم غربية، لكن الحقيقة ان الفارق بين قيمتي الغفران والتسامح من جانب وقيمة عدم الغفران والتسامح من جانب آخر هى الفارق بين قيم متحضرة وأخرى متخلفة متجذرة فى داخل الانسان رجلاً كان أو امرأة سواء كان غربياً ام شرقياً، أعرف بعض رجال الشرق أكثر إنسانية ومساندة وحبا وغفرانا لزوجاتهم من كثيرين في الغرب، أما الطرف الثالث فهو طريقة واسلوب العلاج فإما أن يكون بالحب الحقيقي مع كل جرعة علاج أو بالعنف الشديد وبالطبع الاسلوب الأخير فاشل بكل المقاييس.
لقد وضعتنا مريم ناعوم ومخرجها العبقرى تامر محسن وممثليها المتميزين تحت السيطرة تماما حتى أدمنا دواءها المقدم لنا على حلقات مسلسلة. لقد تعلمنا أن ندعو الله في كل مشكلة عويصة متشابكة مع آخرين قائلين :"يا رب أعطني القدرة أن اغير ما استطيع تغييره وأن أقبل ما لا استطيع تغييره والحكمة أن أعرف الفرق بين الاثنين".
أما الذى أضحكنا فهو مسلسل " يوميات زوجة مفروسة أوى" والمفاجأة كانت داليا البحيرى ومعها خالد سرحان، تناول المسلسل قضايا جادة بشكل كوميدى أضحكتنا على أنفسنا، من أهمها " الخطاب الدينى " الفاشل والأغنية الهابطة وعمليات التجميل، وتربية الأولاد والسمنة المفرطة...الخ.
إلا أن هناك عيبين رئيسين، فى العمل لا يمكن غفرانهما الأول سمير غانم، لقد سعدت عندما علمت أن الفنان سمير غانم سيشارك فى المسلسل لكن الحقيقة اكتشفت أن وجوده نقطة ضعف قوية لأنه كان يعلن فى كل مرة يتحدث فيها أنه يمثل ويخرجنا من السياق بحركات وإفيهات مسرحية هابطة، وواضح أن المخرجين لدينا ضعفاء أمام النجوم وهذا الضعف يدمر النجم أكثر مما يدفعه للأمام. وأنصح الفنان القدير سمير غانم أن يعود لملاحظات الفنان الكبير جورج سيدهم له فى بداية عملهما معاً والضيف أحمد فى ثلاثى أضواء المسرح حيث كان الفنان سمير غانم أضعفهم فى فن التمثيل، لكن ملاحظات الفنان جورج سيدهم وتقديمه للفنان سمير غانم بإنكار ذات جعله ينطلق. ويبدو أن غياب الفنان جورج سيدهم طويل المدى وإصرار الفنان سمير غانم على الإضحاك بحركات جسده بدون حرفية لم يكن فى صالحه ولا فى صالح العمل.
أما العيب الثانى في المسلسل فهو تفسير الهدف من الحلقة فى نهايتها، بأن يقوم الممثلون بتوضيح أنهم يعالجون مشكلة كذا، إن أول قاعدة من قواعد الفن أن تكون رسالة العمل الفني غير مباشرة، فعندما تكون مباشرة تفقد الفن المعنى والمضمون.
أما مسلسل العكننة فقد كانت التفجيرات التى وقعت هنا وهناك وكأن مؤلف هذا المسلسل ومخرجه أرادوا للشعب المصرى ألا يهنأ بشهر رمضان ولا يسعد. لقد وصلت العكننة إلى ذروتها بإغتيال المستشار هشام بركات.
ترى متى ينتهى هذا المسلسل الهابط الأسود؟ إن الذين قاموا بهذا العمل أدمنوا القتل والدماء ويحتاجون إلى علاج حقيقي بجوار العلاج الأمنى وأن نساعدهم ليعترفوا بخطأهم ونساندهم ليتعافوا والذى يرفض يقتل بلا رحمة.
ملاحظة أخيرة هي اولئك البشر الذين يرفعون قضايا لوقف أي عمل فني بحجة أنه يسيء الى فئة ما، أو لأن به مناظر اباحية، وهؤلاء لا يدركون أننا نعيش القرن الواحد والعشرين بكل ما فيه من تقنية وقدرة على مشاهدة كل ما يعرض على نفس الشاشة في قنوات اخري أو على اليوتيوب...الخ. وهم مازالوا يعيشون بأفكار الخلافة العثمانية في الشرق والقرون الوسطى في الغرب وبالتالي يقومون بدور الأوصياء على شعوبهم وفرض ما يرونه مناسباً وما هو ليس بمناسب لشعوب متخلفة، والحقيقة هم لم يسمعوا باختراعين الاول سياسي يقول بالحرية الفردية في الاختيار وتحمل مسؤوليته والاختراع الثاني تقني ويدعي الريموت كنترول.