رأي.. لنتحدث قليلا عن الابتزاز الرقمي للبنات بعد "مدرسة الروابي 2"

نشر
6 دقائق قراءة
Credit: Al Rawabi

هذا المقال بقلم سامية عايش، صحفية مستقلة تكتب عن السينما العربية، والآراء الواردة أدناه تعبر عن رأي الكاتبة ولا تعكس بالضرورة وجهة نظر شبكة CNN.

"نفسي أصير زيها"..  لربما ترددت أصداء هذه الجملة في أذهان الكثير منا، نحن الفتيات، في مرحلة ما خلال حياتنا، كأن تتمنى فتاة أن تصبح مثل مغنية شهيرة، أو ممثلة، أو عارضة أزياء، أو في زمننا هذا: "مؤثرة" على مواقع التواصل الاجتماعي.

محتوى إعلاني

وعندما تفكر الفتاة بهذه الجملة، "نفسي أصير زيها"، تخطر ببالها فقط الجوانب المضيئة كالشهرة، والجمال، والأضواء، والاهتمام الذي تحظى به نتيجة لكل ذلك. لكن، لا يأتي في مخيلتها أن هناك جانبا آخر لهذه الحياة البراقة، قد يكون أصعب مما يمكن أن تتحمل.

هذا بالتحديد ما عادت به تيما الشوملي موضوعا للموسم الثاني من مسلسل "مدرسة الروابي للبنات"، الذي حقق نجاحا كبيرا في جزئه الأول عبر منصة نتفليكس.

الموسم الثاني يتكون من ست حلقات، وبالنسبة لي شخصيا، الحلقات الثلاثة الأخيرة هي قلب وجوهر المسلسل. فالحلقات الثلاثة الأولى لم تكن ناضجة بما فيه الكفاية من ناحية القصة والحبكة، بل بدت الحوارات فيها مباشرة، وفي بعض الأحيان بديهية إلى حد كبير، كما أن الكثير من المشاهد في هذه الحلقات كانت عبارة عن سكتشات منسوخة من منشورات السوشال ميديا، فلم أشعر أن هذه الحلقات أعطت العمل حقه الذي أخذه في جزئه الأول.

وبعيدا عن أن هذا الموسم يقتبس بعضا من مشاهده وأسلوبه من الفيلم الأمريكي الشهير Mean Girls، تغيرت المعادلة بعض الشيء في الحلقات الثلاث التالية، إذ بدأت القصة بالتماسك، وأصبح هناك تصاعد في الأحداث، أخرج الجزء الثاني من عباءة الرتابة في حلقاته الأولى. العمل سلط الضوء على قضية مهمة وهي الابتزاز عبر مواقع التواصل الاجتماعي للفتيات نتيجة قلة وعيهن بهذا العالم الافتراضي، وكيف يمكن أن يكن أكثر إدراكا لجوانبه الخطرة، واهتماما بسلامتهن الرقمية عبره.

Credit: Al Rawabi

قدم الموسم الثاني خط حياة عدة فتيات، بعضهن ينتمي إلى طبقة مخملية قليلة في الأردن، وبعضهن الآخر يحاولن مجاراة هذه الطبقة من خلال تقليدهن والتقرب منهن بأي شكل كان. لتقديم هذا الصراع الطبقي، نحن لسنا بحاجة إلى أن تكون سارة فقيرة تعيش في منزل متواضع جدا، بل يكفي أن تكون، كما ظهرت في المسلسل، تنتمي إلى عائلة متوسطة الحال، يحاول الأب قدر المستطاع تأمين مصاريف الانتقال إلى هذه المدرسة باهظة التكاليف، بينما تدفع الأم ابنتها من وقت لآخر لأن تكون أكثر شهرة على السوشال ميديا، وتحاول جذب المعلنين علها تنتشلهم من وضعهم الحالي. المشاهد هنا بحاجة إلى أن يقرأ ما بين السطور، أكثر من متابعة مجريات العمل بشكل حرفي.

لعلني وأنا أتابع مدرسة الروابي للبنات تنبهت لفكرة مهمة جدا، قد لا تكون هي الظاهر في المسلسل، ولكن هي التي أدت بالتأكيد إلى جميع ما شاهدناه: الأهل. كل ما يدور في أنحاء المدرسة بين الفتيات هو نتيجة للمنازل والعائلات التي يأتين منها. ولنأخذ سارة على سبيل المثال: فهي وشقيقها لم يكونا في حضن عائلة دافئة، وإنما في كل مرة نشاهد هذه العائلة، تكون مقدمة بشكل جماعي وفردي في نفس الوقت: فبرغم أن العائلة جالسة في غرفة واحدة، الأب مشغول بعمله أو مشاهدة التلفاز، الأم تركز على الجدال مع الأب، وتدفع ابنتها إلى طريق الشهرة الزائفة من دون أن تحسب عواقب الأمور، وإنما من أجل التفاخر أمام صديقاتها.

حتى حينما وقعت سارة في المشكلة، لم تجد في المنزل الحضن الدافئ الذي وجدته عند مس عبير على سبيل المثال، وإنما واجهت الصراخ والسلبية وربما الشتم والضرب.

كيف يمكن أن يشعر المراهقون بالأمان في منزل يعاملهم بهذه الطريقة؟ سؤال مهم طرحه المسلسل حتى لو لم يكن بشكل مباشر.

سارة كانت الشخصية الأولى في المسلسل، ولكن هناك شخصية أخرى كان خط سيرها ممتازا، وكنت أتمنى لو تمت الإضاءة عليه أكثر، وهي شخصية فرح. (لن نحرق الأحداث هنا، وسنكتفي بإعطاء المشاهد الفرصة لمتابعة ما يجري لهذه الشخصية).

Credit: Al Rawabi

لكن أكثر ما يحسب لتيما وفريقها في هذا الموسم هو الإشارة السلسة إلى الموسم الماضي، والتي ظهرت في ثلاث مشاهد: في الحلقة الأولى عند جلوس سارة على طاولة ليان، وفي حفل التأبين الذي أقامته صديقات ليان، وفي مشهد خروج شقيق ليان من القاعة في المحكمة، ودخول شقيق سارة. كانت هذه المشاهد طريقة لدمج أفكار الموسمين وكأنهما موسم واحد.

أحببت رؤية لقطات من مدينة عمان في هذا الموسم، وهي التي ظهرت أكثر في هذا الموسم مقارنة بالموسم السابق، فقد أعطانا ذلك سياقا جغرافيا وإنسانيا للعمل، جعل القصة ترتبط بنا أكثر.

تيما وفريقها المميز قدموا عملا برسالة قوية وبشكل بصري لامع. لا أتمنى أن يكون هناك موسم ثالث من مدرسة الروابي للبنات، ولكن ما أتمناه أن نرى تيما تقدم عملا بشكل جديد ومختلف، وربما أقل "مخملية" و "ترتيبا" و "إبهارا بصريا"، فهي بالتأكيد قادرة على ذلك.

نشر
محتوى إعلاني