رأي.. سامية عايش تكتب لـCNN: فيلم "نورة" مقاربة بين البداوة والتمدن أبطالها الأطفال
هذا المقال بقلم سامية عايش، صحفية مستقلة تكتب عن السينما العربية، والآراء الواردة أدناه تعبر عن رأي الكاتبة ولا تعكس بالضرورة وجهة نظر شبكة CNN.
كان مشهد وقوفهم على خشبة المسرح بعد عرض الفيلم في مهرجان كان السينمائي الدولي هذا العام مشهدا تقشعر له الأبدان. كيف لا، وهم أول فريق سينمائي سعودي يصل إلى هذه النقطة، ويحظى بتصفيق طويل من جمهور متعطش لمعرفة المزيد عن منطقتنا.
هذا الجمهور الذي لا يريد بالضرورة استكشاف الشكل الجديد لمدننا، وحداثتنا، والتطور الحاصل في محيطنا، وإنما يبحث عن ما هو أبعد من ذلك، حتى وإن كان قصة فتاة تعيش بعيدا عن المدينة، تحلم أين تكون لها صورة أو رسمة في أحد الأيام لترى كيف تبدو.
هذا الجمهور لن ينتظر بعد اليوم مستشرقا أبيضا جاء ليروي مثل هذه القصة بالنيابة عن الفتاة، بل أصبح هناك من هو قادر على أن يروي هذه الحكاية لأنه هو نفسه من قلب الحكاية. المخرج السعودي توفيق الزايدي كتب فيلم "نورة"، وهو الفيلم الذي شق طريقه إلى مهرجان كان، وحصل على تنويه خاص من لجنة التحكيم.
شاهدت الفيلم مؤخرا، ولعل أكثر ما استوقفني هو هذا الحد الفاصل ما بين البداوة والمدنية، فالبداوة متمثلة بكبار القبيلة، الذين ينأون بأنفسهم عن المدينة وكل ما يرتبط بها، ويعيشون حياة بسيطة داخل هذه القرية الصغيرة، متمسكين بعاداتهم مع عائلاتهم وفي مأكلهم ومشربهم وعملهم. أما المدنية، فمتمثلة بالأستاذ نادر، القادم الجديد إلى القرية، والذي سيشرف على تدريس الأولاد القراءة والكتابة.
التجاذب والاختلافات بين الجانبين كثيرة وواضحة في الفيلم، لكن، لعل ما يبرز هو هذا الحد الفاصل بين الطرفين، والمتمثل بالأولاد. نراهم في الفيلم مقبلين على التعليم، وراغبين في التعرف إلى عالم جديد بطله الأستاذ نادر، فنراهم مثلا يتحلقون حوله حين يرسم الصبي نايف، بينما نرى بعضهم في لحظات أخرى متمسكين ببداوتهم، أو ربما مرغمين على ذلك، فبعض الأولاد قد يغيبون عن الدراسة لأن عليهم مساعدة ذويهم في رعي الأغنام أو إطعامها.
سمعت الكثير ممن حضروا الفيلم يقولون إن إيقاع الفيلم بطيء بعض الشيء، وكان من الممكن أن يكون أسرع من ذلك. لكن، باعتقادي، هذا الإيقاع يستلهم البطء من إيقاع الحياة في الصحراء، والتي تختلف عن السرعة التي نعيشها في حياتنا اليوم. تغيير الإيقاع في الفيلم ليكون أسرع كان من الممكن أن يجعل تصميم الحياة في الفيلم يبدو مختلقا وغير حقيقي.
الفيلم أعاد تقديم بعض النجوم لنا بالفيلم بشكل مختلف لم نعتد عليه سابقا، وقدم لنا نجوما آخرين نكتشفهم للمرة الأولى. النجم السعودي عبدالله السدحان من النجوم الذين علقوا في ذاكرة المشاهدين العرب في الكوميديا وبأدوار متنوعة في مسلسل "طاش ما طاش"، وحصل الآن على فرصة لظهور جديد وبدور مختلف وضعه في سياق جديد، والذي برأيي يستحقه وبشدة.
أما الاكتشاف الكبير في هذا الفيلم فكان الممثلة ماريا بحراوي التي قدمت دور نورة. برغم أن الحوارات التي قدمتها ماريا كانت قليلة جدا، إلا أن مشاهد الرسم، والتأمل في المجلات، وعلامات الاستفهام التي تظهر على وجهها جعلت منها الوجه المناسب لتقديم هذا الدور. ومع نورة بالتحديد، كان هناك اهتمام بالتفاصيل، وأكثر ما يلفت الانتباه هو أظافرها وأصابعها التي تبدو متسخة نتيجة للعمل اليومي في المنزل، وهي تفاصيل حرص المخرج على أن تظهر لتعكس العناء والتعب اليومي لسكان هذه القرية الصغيرة.
"الفن الذي يسلط الضوء على الفن هو أسمى أشكال الفن"، وهذا بالضبط ما فعله فيلم "نورة"، حين أهدى هذا العمل إلى الفنان التشكيلي السعودي سعد العبيد، وركز من خلال أحداث الفيلم على التوثيق من خلال الفن، واكتشاف الذات من خلال الرسم. كان من الواضح أن نورة لم تر وجهها، فلا مرآة لديها، ولكنها كانت أيضا تحب الصور والمجلات، وتتمنى يوما من الأيام أن تكون واحدة من الشخصيات التي تظهر كنجمة في إحدى هذه المجلات.
أنا في شوق لمشاهدة أي مشروع مقبل للمخرج السعودي توفيق الزايدي يقدم فيه مجتمعه بشكله الحقيقي بعيدا عن التجميل والاستشراق وكيف يحب الغرب رؤيته ومشاهدته. هذا الفيلم بتفاصيله يشبه كثيرين منا، ويذكرنا دائما أن هناك الكثير من القصص والأفكار السينمائية التي لا تزال بانتظار من يصنعها.
أترككم في النهاية مع تساؤل بسيط نتفكر جميعا فيه. أعجبني أن أحداث الفيلم تدور عام 1996، وهي سنة محورية في تاريخ السعودية، ورغم أنها لم ترتبط بشكل مباشر بأحداث الفيلم، إلا أنها فرصة للتفكر والتأمل بما حدث في هذا العام، حتى وإن كان بذكره في بداية الفيلم.