رأي.. هل انتصر فيلم "بنات عبد الرحمن" للنساء في مجتمعنا؟
"بيخونك وانت بتفاجئيه… بيضربك وانت قاعد اله بالدار".
حوار بين الشقيقتين آمال وسماح في فيلم "بنات عبد الرحمن" يلخص واقع النساء في مجتمعنا. الفيلم، الذي كتبه وأخرجه زيد أبو حمدان، ومن إنتاج صبا مبارك وآية وحوش، يحكي قصة أربع شقيقات، مختلفات على جميع الأصعدة، يجتمعن بعد فراق سنوات في منزل والدهن، الذي اختفى فجأة، فيبدأن رحلة البحث عن الأب المفقود.
الأخت الكبرى، زينب، التي تؤدي دورها الممثلة فرح بسيسو، غير متزوجة، وتحمل على عاتقها مسؤولية الاهتمام بالوالد المريض، ومحاولة لم شمل الأسرة. الأخت الثانية، آمال، وتؤدي دورها صبا مبارك، تزوجت مبكرا، وتعاني من علاقة مضطربة من زوجها، الذي يداوم على ضربها والصراخ عليها، ويسعى لتزويج ابنتهما، التي لم تتجاوز الخامسة عشر من عمرها. آمال تلبس النقاب، وهي متشددة جدا دينيا واجتماعيا.
الأخت الثالثة هي سماح، وتؤدي دورها الممثلة حنان الحلو، لا تشبه أختيها أبدا، فقد تزوجت من رجل غني، ولكن علاقتها به يشوبها الفتور، لذا فسماح دائ٬م ما تشك بأن علاقات متعددة تربطه بسيدات أخريات. الأخت الصغرى هي ختام، وتؤدي دورها مريم باشا، التي قررت أن تترك عائلتها في عمّان وتذهب إلى دبي، وتعيش برفقة صديقها، وهو ما علم به كل الحي، فقرر والدها مقاطعتها، وقرر الحي محاكمتها.
أربع نماذج مختلفة لسيدات في مجتمعاتنا، قدمت من خلال هذا الفيلم بشكل "سليط"، وبأسلوب مباشر في بعض الأحيان، كمشهد تتحدث فيه سماح إلى أختها ختام عن علاقتها الجنسية بصديقها، وما إذا كانت تشعر بالمتعة والسعادة، وهو المشهد الذي شعرت أنه كان غريبا بعض الشيء على سير الأحداث، خصوصا أنه جاء بهذه الطريقة المباشرة. لكن أعود وأفكر، ألم يحن الوقت لتناول هذه الموضوعات الحساسة بنوع من المباشرة حتى يصبح الحديث فيها أكثر ألفة؟
قصة إعادة تعارف الأخوات ببعضهن البعض بعد كل هذه السنوات هي برأيي الأكثر تميزا في الفيلم، فاللحظات التي كن يتجادلن أو يشوب بينهن نزاع فيها هي التي تذكرهن بالحياة الصعبة التي يعشنها، وبرغبتهن بالعودة إلى حضن منزل والدهن الدافئ، لكن بالتأكيد كن دائما يتذكرن أن اللوم أيضا يقع على الأب والأم في طريقة تربيتهن وانصياعهما للمجتمع من أجل كف "كلام الناس".
الشخصيات كان فيها نوع من التطرف في التقديم، سهولة توقع ما سيجري، ولكن الفيلم نجح على الجانب الآخر في تقديم شخصيات تحولت من ثنائية الأبعاد في بداية الفيلم، إلى شخصيات ذات أبعاد متعددة مع اكتمال القصة. وهذا يقودني بالتحديد إلى شخصية زينب، الأخت الكبرى، التي كانت الهادئة المسالمة في بداية الفيلم، ولكن مع تطور الأحداث نجد هذا الغضب الذي بداخلها بتصاعد شيئا فشيئا، ليقدم لنا شخصية مختلفة تماما عما بدأنا به، وبكل صراحة، أدت فيه فرح بسيسو واحدا من أجمل الأدوار في حياتها (ربما بعيدا عن شخصية والدة Mo وسحر زيت الزيتون بين يديها).
تحفظي على الفيلم هو أنه حمل الكثير من الموضوعات التي تتجاوز ما يمكن لفيلم أن يتحمله. فهو ناقش قضايا النساء في مجتمعاتنا من خلال شخصيات البنات الأربع، ولكنه أيضا تطرق على الهامش، حتى لو بذكر سريع، لقضايا أخرى، هي قضايا كبرى، وليس من السهل أن نختصر الحديث عنها بجملة أو جملتين. أبرز تلك القضايا التي تطرق لها الفيلم سريعا قضية المثليين، وقضية زواج المسلمة بمسيحي.
لكن بالمجمل، وجود فيلم مثل "بنات عبد الرحمن" مهم جدا لأنه يخلق هذه المساحة التي يتم من خلالها التركيز على قصص النساء، والقضايا التي تمسهن بشكل مباشر في مجتمع لا زال يعتبر أن المرأة هي زوجة فلان، وأخت فلان، وابنة فلان، بينما هي في الواقع شخصية مستقلة عن أي فلان.