دار الدباغ بفاس... منبع الجلد المغربي الأصيل
فاس، المغرب (CNN) -- تشتهر مدينة فاس التي تعتبر العاصمة العلمية للمملكة المغربية، بحرفة تقليدية امتهنها العديد من مواطنيها منذ عدة قرون، وكانت بالنسبة إليهم مهنة لكسب لقمة العيش، ومحاولة لمنع اندثار حرفة الأجداد التي تعد من أكثر الحرف التقليدية قدما بالمملكة، وهي حرفة دباغة الجلود.
قبل قرنين من الزمن، كانت فاس تحتضن أكبر عدد من دور الدباغة في المغرب، بينما كان عددها أقل نسبيا في مدن أخرى كسلا ومراكش، وكانت هذه الأماكن تحتضن آلاف الدباغة الذين يعملون على شراء جلود الماشية من أجل تدويرها وجعلها قابلة للتصنيع، لكن بطرق تقليدية ومواد طبيعية صرفة، استعملها قبل هذا العصر دباغو الإغريق والرومان، وحافظ الفاسيون عليها.
ومن بين العشرات من دور الدباغة، لم يتمكن سوى القليل من الحفاظ على استمراريته، لتصبح اليوم بالإضافة إلى كونها المكان الأساسي لدباغة الجلود بطريقة تقليدية، من أهم المعالم السياحية التي تستقطب كل زوار العاصمة العلمية المغربية، سواء كانوا مغاربة أو أجانب.
أما أشهرها فهي دار الدباغ "شوارة" ويقول محسن وهو أحد الدباغين الشباب العاملين بها" "الدباغون ينتقون الجلود ويضعونها في "المركل" لمدة 10 أيام لتتشبع بألوان الصباغة، بعدما تتم تنقيتها وغسلها بشكل جيد باستعمال مواد كالجير وفضلات الحمام، ومن ثم يقوموا برميها داخل الـ «جفنة» ليتم دبغها، وهي "عملية تحتاج قوة وطول بال بسبب ما تستلزمه من تحريك مطول من أجل تشبع الجلد بالمواد الملونة."
ويوضح محسن لـCNN بالعربية أن "الألوان التي تصطبغ بها الجلود، تستخرج بالأساس من قشور الرمان والزعفران ومواد طبيعية أخرى." ويضيف الشاب العشريني الذي احترف الدباغة منذ صغره، بعدما نقل الحرفة عن والده الذي تقاعد بسبب تقدم سنه وتدهور حالته الصحية، أن "العمال يقوموا بعد ذلك بتجفيفها، عبر تركها في مناطق عالية،" ومشيراً إلى أنهم يقومون بتحضير الجلود بدءا من مرحلة تنقيتها من الصوف وصولاً إلى صباغتها وتوجيهها للبيع لأصحاب البازارات الذين يعملون على إعادة تصنيعها.
بعد متابعة السائح لكل مراحل عملية الدبغ من سطوح البازارات، أي المحلات التي تبيع المنتوجات الجلدية النهائية، يتعاطف هذا الأخير مع العمال الحرفيين الذين يشتغلون طيلة اليوم في ظروف قاسية، ووسط رائحة كريهة تنبعث من الجلود والمواد الأخرى المستعملة في الدباغة. ويقول بعض الحرفيين الذين التقت بهم CNN في "شوارة" والذين يتذمرون من وضعهم الذي لم يتحسن على مدى سنوات طويلة إن "كل هذه أمور يستغلها أصحاب البازارات من أجل طلب أثمنة باهضة مقابل المنتوجات الجلدية، ويوهم هؤلاء الأجانب أن نسبة منها ترصد للحرفيين."
ويعتبر بناصر العماري رئيس جمعية المهنية للمعلمين الدباغة أن "الحرفيين والصناع التقليديين لا يحصلون على أية حقوق مهما كانت بسيطة وخصوصاً منها المرتبطة بالتغطية الصحية،" مؤكدا أن "محاولتهم للتنسيق مع الوزارة الوصية لم تلقى أي تجاوب، ليبقى الصانع التقليدي عرضة للتشرد والجوع بعد أن يلم به مرض أو يسير به قطار الحياة نحو خريف العمر."
وينتقد بناصر بشدة "ما يقوم به أصحاب البازارات الذين يروجون صورة سلبية عن الحرفيين"، مؤكدا أن هؤلاء "يروجون أن الحرفيين يعملون تحت إمرتهم، وأن المنتوجات التي تُشترى من البازارات هي نتيجة لعملهم، ما يؤدي إلى استغلال وتعاطف السائح مع العامل التقليدي وقبوله لزيادة الثمن، وهو ما يعود بالنفع على صاحب البازار الذي يستفيد لوحده من الأموال الطائلة عن كل قطعة تباع، فيما يبقى الحرفي الدباغ صالحا لالتقاط الصور فقط"، بحسب تعبير بناصر.
وفي محاولة منهم لتغيير الوضع، طالب الحرفيون بالسماح للسائح بالدخول لدار الدباغ مباشرة ليستفيدوا منه بصورة مباشرة كما يفعل صاحب البازار الذي يبيعهم المنتوجات الجلدية بأثمنة باهظة لا يكسبها الحرفي حتى إذا عمل اليوم بطوله، فساعات اليوم لن تكفيه سوى لتحضير حوالي 4 قطع من الجلود لكسب ما قيمته سبعة دولارات فقط.
ويشرح محسن أن "هذا المبلغ لن يكفينا لتغطية نفقاتنا في حالة إصابتنا بمرض ناتج عن الظروف التي نعمل بها في كل المواسم والفصول."