لؤي شبانه يكتب لـCNN: صعقتني كمية القصص بحملة "أنا أيضاً".. و 3 مواقف مهمة لأي مبادرة تهدف للحد من التحرش
هذا المقال بقلم الدكتور لؤي شبانة، مدير صندوق الأمم المتحدة للسكان في المنطقة العربية، والآراء الواردة أدناه تعكس وجهة نظر كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة CNN.
اجتاحت حملة "أنا أيضا" شبكات التواصل الاجتماعي في العالم كله إثر فضيحة ادعاءات تحرش عملاق الإنتاج السينمائي هارفي هاينستاين بعدد ممن عملن معه سواء في التمثيل أو في الإخراج أو من كن في مواقف سمحت له أن بأن يستخدم نفوذه لممارسة رغباته. بدت شبكات التواصل الاجتماعي فجأة الأسبوع الماضي وكأنها ندوة كبيرة مفتوحة سمحت لعدد كبير من النساء بالخروج عن صمت اعتمدتنه منذ تعرضهن للتحرش، سواء في الشارع أو في مكان العمل أو حتى في المدرسة أو في مناسبات اجتماعية بعضها عائلية. حملة "أنا أيضا" وصلت وبشدة إلى المنطقة العربية فشاركت فيها نساء من أعمار ومدن بل ومناطق مختلفة ليحكين عن حوادث تعرضن لها سواء في طفولتهن أو في مراحل مختلفة من حياتهن.
للأمانة وبالنسبة لي كمدير لصندوق الأمم المتحدة للسكان، وهي الهيئة الأممية المسؤولة عن الترويج لسياسات تدعم المرأة وتركز على مناهضة العنف القائم على النوع الاجتماعي بكافة اشكاله، فقد تمنيت أن يكون الكثير مما قرأته عن المنطقة العربية غير صحيح، إذ أنني من جيل ما زال يتوسم خيرا بعادات مجتمعية اعتقدت بأنها تحافظ على كرامة المرأة، رغم الكثير مما أسمعه وبشكل مباشر من نساء عائلتي ومن الزميلات عن صعوبة تواجدهن في الأماكن العامة وحتى في الدوائر المهنية بسبب تعرضهن للتحرش وعدم قدرتهن على التعامل مع الموضوع سوى بالتكتم عليه وكأن شيئا لم يحدث.
قد يهمك أيضا: نساء العالم تشاركن قصصهن مع الاعتداء الجنسي.. والمصريات الأكثر تعرضاً له
صعقتني كمية القصص التي ظهرت من خلال الحملة عن حوادث التحرش ضمن العائلة والحي ومكان العمل، تحرش في أماكن يفترض أنها أماكن النساء محمية فيها، أو هذا ما نتوقعه من أفراد أسرهن أو جيرانهن أو زملائهن في العمل. وهذا النوع من التحرش إذ يكشف عن اعتقاد عند المتحرشين أن نفوذهم الأسري أو القبلي أو الاقتصادي أو الاجتماعي يبيح لهم التعامل مع النساء من وجهة نظر رغباتهم الشخصية دون الالتفات للمرأة كانسان مكتمل الحقوق والرغبات.
أنا أب لولدين وبنت، ثلاثتهم مراهقون اليوم. وجدت نفسي أتساءل عمّا إذا كنت قد تعاملت معهم جميعا بشكل واحد، أو بالأحرى إذا كنت قد رسمت لهم جميعا نفس القواعد والتوقعات. وبعد مراجعة صادقة لمواقف كثيرة صادفناها كأسرة، وجدت أنني ركزت على إعطاء أولادي الثلاثة فرصا متساوية في التعليم وممارسة الرياضة والهوايات وكل ما في وسعه أن يحسن من فرصهم في التعامل مع ما حولهم. أعترف أنني كثيرا ما رددت على مسامع ابنتي أن بإمكانها أن تختار ما تريد أن تدرسه في الجامعه وأن تقرر المهنة التي تريد ممارستها في المستقبل إسوة بأخويها، لكنني قليلا ما رددت على مسامع الشابين أن باستطاعتهما أن يختارا حقل دراستهما وعملهما "مثل أختكما". أي أن مرجعيتي هي الشباب، وقد يكون ذلك بسبب أنهما أكبر منها سنا لذا فمن الطبيعي أن أن يكون الحديث عمن بدأ بالتجارب. لكنني فهمت أنني وبالتركيز على الشباب كمرجعية، ربما أكون قد أرسلت للبنت رسالة مفادها أنها ثانوية بالنسبة لهم.
طرح موضوع التحرش للنقاش في المنطقة العربية صعب جدا، إذ أنه من النادر أصلا الاعتراف بحق المساواة بين الرجل والمرأة في ظل تأثير الدين والأعراف والعادات القبلية منها والمدينية، على المجتمعات العربية. لكن نظرة سريعة على كمية القصص التي تفجرت على شبكات التواصل الاجتماعي تظهر لنا فداحة الموقف وتعقيده تحديدا بسبب العوامل الدينية والاجتماعية التي يصعب فكفكتها. الصمت عن حوادث التحرش بحجة العيب والحرام أدى إلى ما يشبه التواطؤ مع الجاني ضد المجني عليها، إذ أن التستر على أفعال المتحرش المشينة تشجعه على الاستمرار في استغلال موقع سيطرة وإفلات من العقاب يعطيه إياه المجتمع.
يجب التعامل مع ظاهرة التحرش من عدة زوايا بعضها صعب حتى للنقاش لكنه ضروري إن أردنا فعلا إحداث تغيير في المجتمع. فمن الناحية الإجرائية يجب على الدول وضع قوانين تمنع استغلال من في السلطة، خصوصا من الذكور، لنفوذهم في إذلال من حولهم، خصوصا من الإناث. كما يجب على المشرعين الإعلان بوضوح عن نظم الإحالة عند وقوع حادثة تحرش، ويجب على الإعلام أن ينشر وبأكثر الطرق فعالية الوعي بتعريف التحرش وبالعقوبة التي تطال المتحرش بحسب القانون. كما يلعب الإعلام وبالتعاون مع جمعيات المجتمع المدني دورا أساسيا في تغيير الصور النمطية والسلوك الاجتماعي الدارج، فيقوي من موقف من تم التحرش بهن ويسفه تصرف المتحرش، مذكرا بما يمكن أي يطاله من عقاب تحت القانون.
لكن يبقى، بنظري، أهم عامل لنجاح أي مبادرة تهدف إلى الحد من التحرش، هو أن يأخذ المجتمع ثلاثة مواقف مهمة: الأول عزل سلوك المتحرش كفعل مشين مخل بالشرف والكرامة للفاعل ولا يعبر عن رجولة او سلطة، والتحرك ضد المتحرش بكل حزم كفاعل لأمر معيب ومشين، والثاني موقف واضح ينزع عن الفتاة أو السيدة المتحرش بها شعورها بالذنب فهي ليست مذنبة وتحرش اي رجل بها لا يعيبها بل يضع العار عليه، وثالثا حديث المرأة العلني عن التحرش هو ممارسة حق ولا يعيبها ولا يفضحها. هل تأكدنا جميعا من أننا أوصلنا هذه الرسالة لأبنائنا قبل أن يخرجوا من بيوتنا؟