رأي.. ليلى جاسر سلامة تكتب: خطّة استجابة تجريبية من أجل عودة آمنة إلى المدارس
هذا المقال بقلم ليلى جاسر سلامة، كاتبة قصص قصيرة، والآراء الواردة أدناه تعبر عن رأي الكاتبة ولا تعكس بالضرورة وجهة نظر شبكة CNN.
أكاد أجزمُ أنني حفظت المنهج الدراسي بأكمله - منذ بدء أزمة فيروس كورونا المستجد "كوفيد-19"- حينما كنت أذاكر الدروس مع طفليي وأساعدهما بتطرف مبالغ به في حل التطبيقات المدرجة على المنصّة التعليمية كأنني أنا التلميذة. أمام الواقع الافتراضي لم يكن ينقصني سوى الزي المدرسي وشرائط بيضاء تزين شعري.
أفضى ذلك الموقف الساخر إلى تساؤلات كثيرة عالقة في ذهني لضمان حماية أطفالنا ومستقبل تعليمهم؛ وبعضها يتمثل في الآتي:
هل تستوجب المصلحة الفضلى للطفل العودة إلى مقاعد الدراسة في ظل الأزمة الصحية الراهنة وانتشار وباء فيروس كورونا؟ أم أن مصلحته الفضلى هي في الحفاظ على حقه بالصحة والحياة وتقديم ذلك على حقّه في التعليم؟ ما مدى إمكانية توفير بيئة آمنة وخالية من المخاطر؟ هل التعليم الإلكتروني (التعليم الافتراضي أو عن بعد) يغني عن التعليم في المدارس؟
في أثناء حوار ثري عبر منصّة الواتساب مع الأستاذة سونا عطية، مختصّة في حقوق الإنسان والتنمية الإنسانية وشؤون الطفل، في إحدى المنظمات الدولية في الأردن، أكدتْ على أنّ: "يعدُّ حق الطفل في التعليم والحفاظ على حقّه بالصحة مصلحة فضلى متكاملة"، محذرةً أنّه: "لا يعدُّ أمرًا صحيًا، لا من الناحية الجسدية أو النفسية، إبعاد الأطفال عن مدارسهم لفترة تطول عن العطلة الصيفية". وأشارت في خاتمة حديثها إلى أنّ "مثل تلك التساؤلات تستدعي وضع خطة وقاية واستجابة لاستقبال الطلاب في المدارس، وهذا المقال يصب في هذا الاتجاه.
وتنص المادة رقم (1) من الباب الأول من قانون الطفل لمملكة البحرين، رقم 37 الصادر في أغسطس من العام 2012، على أنْ تكفل الدولة حماية الطفولة والأمومة، وترعى الأطفال، وتعمل على تهيئة الظروف المناسبة لتنشئتهم تنشئة صحيحة من كافة النواحي، وتنص المادة رقم (9) من ذات الباب على أن تلتزم الدولة بضمان حق الطفل في بيئة خالية من أخطار التلوث، وإعداد برامج التوعية والتربية البيئية، وإصدار القرارات التي تقوم من خلالها الأجهزة المعنية بنشر الوعي وتنمية الحس البيئي. فيما تنص المادة 34 في الباب السادس، على أهمية تعليم الطفل وتعزيز قدراته العقلية والبدنية.
وانطلاقًا من الحجج القانونية وتكاملية مصلحة الطفل بالصحة والتعليم فإنّه يمكن القول بأنّ التعليم والتعلّم عن بعد سياسة وقائية، ومجدية وفعّالة في عالم متسارع يكاد يكون الاعتماد فيه على التكنولوجيا مطلبًا أساسيًا وبندًا من بنود محو الأمية التقنية. لا بدّ من الأخذ بعين الاعتبارالقيام بالعديد من المراحل والخطوات التدريجية وبحث ما يمكن إضافته لجعل التعلّم عن بعد واقعًا مقبولًا في مجتمعاتنا ومؤثرًا في حياة أجيال المستقبل.
إنّ دور وزارة التربية والتعليم والمؤسسات المعنية في توعية الأهل بأهمية التعلّم عن بعد لاستمرار المسيرة التعليمية والتعلّمية في مواجهة كافة الظروف ، جاء حرصًا على أنّ المسؤولية تشاركية بين الأهل والمدرسة. ويتطلّب ذلك تمكين الأطفال وذويهم من الاستفادة من الخدمات الفعّالة وتزويدهم بالفرص الممكنة فضلًا عن توفير الظروف الملائمة لذلك. ودرءًا للعوامل التي تؤدي إلى إساءة استخدام تقنية التعلّم عن بعد مثل تدخّل الأهل غير الفعّال في تأدية الواجبات والتطبيقات بالنيابة عن أطفالهم، ومن ثمّ ضمان استفادة الطلبة من الخدمات التعليمية والتمكّن من المحتوى الرقمي. فإنّه من الممكن عمليًا اتباع خطّة تجريبية تتمثل فيما يأتي:
- التفاعل الافتراضي: إنّ التعليم عن بعد اجراء وقائي أثبت أنّه قابل للتطبيق منذ بدء الأزمة، ولذا يمكن الاستمرار بإعطاء الطلّاب دروس مكثفة متواصلة عبر البوابة التعليمية، وتطوير ذلك بحيث يتعامل الطلبة وذويهم مع الأمر بجدية والتزام.
- التفاعل الصفّي: نظرًا لأهمية الاستجابة لأزمة انتشار وباء كورونا بضرورة فرض التباعد الاجتماعي يمكن توزيع طلاب الصف الواحد على أيام الأسبوع الدراسي بما يعادل ثلاثة أيام دراسية عوضًا عن خمسة أيام مما يوفر الوقت والجهد الجسدي والتوتر النفسي والأهم من ذلك تقليل فرص انتشار الوباء بين طلبة المدارس. ويتم ذلك من خلال تقسيم طلّاب الصف (30 طالب/ة) إلى مجموعات حيث لا يزيد عدد المجموعة الواحدة عن عشرة طلاب يجتمع بهم المعلم في الصف المدرسي مرة بالأسبوع لشرح المحتوى المعرفي ومراجعة الدروس والإجابة عن استفساراتهم في حالة تعذّر ذلك أثناء الدرس عن بعد.
- توزيع وتداول المحتوى المعرفي (الوحدات) بين المجموعات الصفيّة والبيتية (أي عن بعد)؛ وذلك بأن تحضر المجموعتان الأخريان الدرس عن بعد من موقع البيت ما تتلقاه المجموعة الصفيّة داخل الصف، وبذلك يكون المعلّم قادر على الإلمام بكافة الدروس المطلوبة لكامل المنهج دون أي تقصير أو إهمال للوحدات الدراسية والتدرّج في البناء المعرفي للتلميذ.
- التقييمات والاختبارات: يقسّم التلاميذ إلى مجموعات صغيرة بحسب مواعيد منظّمة لتقديم الاختبارات والتقييمات والتطبيقات العملية في المدارس.
- وسيكون مفيداً إدراج حصص متخصصة بعلم النفس والصحة النفسية لرفع وعي الطالب وتعزيز الإجراءات الوقائية.
- تقسيم الصفوف في المراحل الدراسية المتقدمة (المرحلتين الإعدادية والثانوية) إلى فترتين صباحية ومسائية لتقليل اكتظاظ الطلبة في الصفوف المدرسية.
- إنّ توزيع الحصص وتنظيم وقت المعلم/ة يسهم في التقليل من الضغط النفسي على المعلم والكادر الوظيفي خلال اليوم الدراسي.
- إيجاد علاقة تكاملية بين المدرسة والبيت والتأكيد على أنّ مسؤولية الأهل في تعليم أبنائهم تسير بالتوازي مع دور الجهة المسؤولة ممثلة بوزارة التربية والتعليم. وهذه الشراكة تتمثل في متابعة الأهل للتطور المعرفي والذهني لأبنائهم متابعة حثيثة.
- التعاون مع مراكز الأنشطة الشبابية بغرض الاستفادة من مبانيها ذات المساحات الواسعة لتنفيذ بعض الأنشطة الأكاديمية وغير الأكاديمية.
- تعزيز الثقافة البيئية والخروج عن النمط التقليدي داخل الجدران الصفية من خلال بلورة حصص دراسية في الهواء الطلق (يمكن تطبيق ذلك خلال الفصل الدراسي، نظرًا للجو المعتدل)
- تحفيز وتشجيع الطلبة على استخدام التقنية بغرض محو الأمية التقنية؛ مثل أن تعلن المنصّة التعليمية عن جوائز وحوافز أخرى يستفيد منها الأهل.
- يمكن أن يعتد بمشروع خطة الاستجابة كمرجع لأي أزمة في المستقبل؛ فهي خطة تشمل أفكارًا متواضعة من اليسير التطوير عليها لتشكل مشروعًا تعلّميًا تربويًا متكاملًا، ولذا فإنّها تستوجب المرور بمراحل إدارة الازمات التي تتضمن تقييم الوضع الراهن من خلال الاستعانة بأرآء الأهل والطلبة بالتنسيق مع مجلس الأمهات والأباء، والسعي إلى تأسيس بنك من ذوي الخبرات والكفاءات المؤهلة للتعامل مع الأزمات القادرين على مواجهة المشاكل التي تضرّ بقطاع التعليم، وهذا يتطلّب تشكيل لجنة تتكون من أصحاب الخبرات ذات العلاقة، وتحديد الحاجات بالشراكة مع الجهات المعنية بغية توفير الدعم المادي والأدوات المطلوبة ومن ثم البدء بتنفيذ الخطة مع ضرورة المتابعة والمراقبة والتقييم للخروج بالتوصيات للتحقق من سريان الخطة وتنفيذها وفق المسار الصحيح والمطلوب بما يخدم حاجات الطلاب وقطاع التعليم برمته نحو تحقيق الهدف الأسمى ألا وهو الحفاظ على حق الطفل بالتعليم في بيئة صحية وآمنة وخالية من المخاطر.
لا أودُّ أن أجرب الزي المدرسي بعد الآن؛ لكون ابنتي تلميذة مجتهدة وهي تشعر بالحنين إلى مدرستها والوقوف في الطابور الصباحي لأداء تحية العلم. في الواقع هذا ما نفعله يوميًا كل صباح، نمارس الحياة المدرسية في البيت ونشعر بالامتنان لراية العلم وراية الوطن.