رأي: زيارة بايدن عودة إلى طبيعة العلاقات مع السعودية وليست "إعادة توجيه"

نشر
7 دقائق قراءة

هذا المقال بقلم فيصل عباس، رئيس تحرير عرب نيوز السعودية، والآراء الواردة أدناه تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس بالضرورة رأي شبكة CNN.

محتوى إعلاني

يصل الرئيس الأمريكي جو بايدن إلى المملكة العربية السعودية هذا الأسبوع بدعوة من الملك سلمان. وسيلتقي بايدن بخادم الحرمين الشريفين، وولي العهد الأمير محمد بن سلمان في مدينة جدة يوم الجمعة، كما سيحضر الاجتماع الاستثنائي الذي سيضمّ دول مجلس التعاون الخليجي الست، بالإضافة إلى مصر والأردن والعراق.

وفي حين أن أهمية هذه الزيارة بالنسبة للطرفين هي أمر جليٌ لنا هنا في المملكة، فقد لا يكون ذلك واضحًا بالنسبة لمنتقدي الرئيس بايدن بقدر ما هو كذلك بالنسبة له أو لفريقه. ولعلّ هذا ما دفع بالرئيس الأمريكي إلى كتابة مقالة صاغها بعناية ونشرتها صحيفة واشنطن بوست الأسبوع الماضي تحت عنوان "لماذا أنا ذاهب إلى المملكة العربية السعودية"، موضحًا فيها أنه لم يكن هدفه أبدًا "تمزيق" العلاقة بين البلدين بل "إعادة توجيهها".

محتوى إعلاني

وبطبيعة الحال، كانت نبرة المقالة أكثر توازنًا وبلاغةً وانعكاسًا لمسيرة بايدن الطويلة كسياسي محنّك مقارنةً ببعض تصريحاته السابقة – مثل الوعد الذي قطعه خلال حملته الانتخابية بتحويل المملكة العربية السعودية (التي يزورها بعد أيام معدودة) إلى "دولة منبوذة". ولعل مثل تلك التصريحات الحماسية هي التي دفعت السفير السعودي السابق لدى واشنطن الأمير بندر بن سلطان بأن يصف المواسم الانتخابية الأمريكية ذات يوم بعبارة "مواسم السخافة"، معتبرًا أنه لا داعي للانشغال بها كثيرًا.

ففي نهاية المطاف، هل من مسؤول عاقل يرغب بتمزيق علاقة إستراتيجية مع دولة بحجم وأهمية المملكة العربية السعودية – مهد الإسلام وموطن المشاعر المقدّسة لملياري شخص وأهم دولة منتجة للنفط في العالم؟

ومع ذلك، ومع احترامي للسيّد بايدن، لا يمكنني إلّا أن أختلف معه فيما خصّ الجزء الذي تطرّق فيه إلى فكرة "إعادة توجيه" العلاقات في مقالته. فقد أشار بايدن إلى أنه قادم إلى جدة لأن المملكة قد ساعدت في استعادة وحدة الخليج، ودعمت الهدنة في اليمن، وتعمل على تأمين استقرار أسواق النفط ولأنّ لها تأثير في الحفاظ على قوّة الولايات المتحدة وأمنها.

إلا أن وجهة نظري هي أنه لا يمكن عدّ أي من هذه الأمور بمثابة "إعادة توجيه" – فهي كانت، ولا تزال، المجرى الطبيعي للأمور: وهي بالفعل أساس العلاقات الثنائية بين البلدين. ويمكننا أن نضيف عليها التعاون لإنهاء الغزو السوفيتي لأفغانستان، والقتال جنبًا إلى جنب لتحرير الكويت والتعاون المستمر لمكافحة الإرهاب، وفي مجال استكشاف الفضاء وإنشاء أعمال تجارية بهدف توفير مئات آلاف فرص العمل للسعوديين والأمريكيين على حدّ سواء.

في الواقع، اللوم على أي انحراف عن المجرى الطبيعي للأمور – للأسف – يقع على طرف الولايات المتحدة، وليس المملكة. ففيما يتعلق باليمن مثلا، تركّزت السياسة الأولية للإدارة الحالية على الانسحاب وشطب الحوثيين المدعومين من إيران من قائمة الإرهاب وسحب بطاريات صواريخ الباتريوت من المملكة، في الوقت الذي كان يتعرّض فيه المدنيّون السعوديون والبنية التحتية النفطية للهجوم. وهنا، تجدر الإشارة إلى أن هؤلاء المدنيين مواطنو ومقيمو المملكة، وهي البلد التي وصفها بايدن في مقالته على أنها كانت "شريكًا استراتيجيًا على مدى 80 عامًا"، أما المنشآت النفطية فقد استُهدفت في وقت كانت تُسجّل فيه أسعار الطاقة العالمية أعلى مستويات لها على الإطلاق، وكلنا يعلم أن الحد من العرض يؤدي إلى نتيجة حتمية، وهي المزيد من ارتفاع الأسعار.

ولكن، منذ أن بدأت إدارته في الانخراط أكثر وقبول الحقائق وإلقاء اللّوم على من يستحقه، تمكنا معًا من الوصول إلى هدنة في اليمن هي الأطول حتّى الآن. ولا يمكننا إلّا أن نأمل في إحراز المزيد من التقدّم بمساعدة واشنطن وفي الوصول إلى حلّ نهائي لحرب يريدها الجميع أن تنتهي عاجلًا وليس آجلًا.

ولا يسعني أيضًا إلّا أن أعارض، بكلّ احترام كذلك، عبارة الرئيس بايدن القائلة بأن بلادي كانت تستفيد سابقًا من "سياسة الشيك على بياض"، والتي قامت الإدارة الأمريكية الحالية بإلغائها. فإذا ما كان المقصود هنا أنه قد تمّ غضّ الطرف عن وضع حقوق الإنسان في المملكة من قبل أي إدارة سابقة، فهذا ببساطة غير صحيح. حيث أن التقارير التي تنشرها وزارة الخارجية الأمريكية والوكالات الأمريكية الأخرى دوريا توثّق بشكل واضح كيف أن مثل هذه المواضيع كانت تُناقش دائمًا، وكان يُقبل النقد إن كان مشروعًا ويُرفض إن لم يكن كذلك.

كما أن السجل لم يكن دائمًا سلبيًا كما يحلو للبعض أن يتصور. فقد رُحّب بجهود المملكة وسياساتها وأثني عليها مرات عديدة – وكان آخرها على لسان مبعوثة بايدن الخاصة لرصد ومكافحة معاداة السامية، ديبورا ليبستات، التي، خلال زيارة أجرتها إلى الرياض وشملت مقرّنا الرئيسي في صحيفة عرب نيوز، لم تحمل سوى كلمات ترحيب حارّة لتصف الإصلاحات الاجتماعية والدينية التي يقودها ولي العهد.

وطبعا لا بد من أن نتذكر بأن لا دولة تخلو من العيوب – وهي لحقيقة بديهية تنطبق على الولايات المتحدة أيضًا، حيث تنامي الانقسامات العرقية والسياسية ووحشية الشرطة واستمرار وجود معتقل غوانتانامو كلّها أمور تثير قلقنا كعرب، ونتوقع أفضل من ذلك من بلد مثل الولايات المتحدة.

ختامًا، أنا شخصيًا متحمّس لرؤية ما سينتج عن اجتماعات يوم الجمعة. وأنا متحمّس أكثر لرؤية ما يمكن للعلاقات السعودية الأمريكية أن تحقّقه خلال الأعوام الثمانين القادمة. ففي وقت تكثر فيه الفرص العظيمة – مثل الإصلاحات الدينية والاقتصادية والاجتماعية في بلادي – كما التحديات السياسية والأمنية والصحية والغذائية العالمية الهائلة، تُعتبر العلاقات بين الرياض وواشنطن ذات أهمية كُبرى من أجل تحقيق السلام والاستقرار والازدهار على الكوكب بأكمله.

نشر
محتوى إعلاني