عدالة أبو ستة.. قصة سيدة فلسطينية أصبحت أما لكل الأطفال من ذوي الاحتياجات الخاصة في غزة
لم يكن سهلا على السيدة الفلسطينية عدالة أبو ستة أن تخسر طفلها بعمر السنة و 18 يوما، إلا أن ما حدث كان بمثابة مفترق الطرق في حياتها، دفعها لتأسيس جمعية في قطاع غزة تهتم بالأطفال المصابين بالتوحد، وأولئك الذين يحملون متلازمة داون.
في أكتوبر/ تشرين الأول 1992، أسست عدالة أبو ستة جمعية الحق في الحياة، وهي أول جمعية فلسطينية تعنى بالأطفال الذي يحملون متلازمة داون والأطفال المصابين بالتوحد من جميع الأعمار، وتقدم لهم نشاطات وبرامج متنوعة لتشجيعهم ودمجهم في المجتمع. صممت عدالة أبو ستة هذه الجمعية لتكون المساحة الآمنة لهؤلاء الأطفال، ليكبروا ويحققوا ما يحلمون به.
وتهدف الجمعية إلى تثقيف الناس، ورفع الوعي بالطرق الملائمة للتعامل مع هؤلاء الأطفال.
تحدثنا إلى عدالة، وكان حديثا إنسانيا إلى أبعد الحدود، إذ لم تغب نظرة الشغف والحنان عن عينيها. وحول رسالتها في هذه الجمعية، تقول: "لا أعتقد أن هناك طفلا معاقا، وإنما قد تكون الإعاقة في المجتمع نفسه".
في 1991، أنجبت عدالة أبو ستة طفلها جمال، الذي كان من أصحاب متلازمة داون. رغم أن جمال لم يكن طفلها الأول، إلا أنها وجدت بعض الصعوبة في العناية به وفقا لاحتياجاته.
تقول عدالة: "كنت محظوظة لامتلاكي القدرة المالية على اصطحاب جمال للأطباء والمتخصصين".
في تلك الفترة، كان من الطبيعي أن تشعر عدالة بالضياع، خصوصا وأن المجتمع في تلك الفترة لم يمتلك الوعي الكافي للتعامل مع الأطفال من ذوي الاحتياجات الخاصة. ولم يدم الأمر طويلا، إذ رحل جمال ولم يتجاوز سنة و18 يوما من العمر.
تقول عدالة: "ابني كان المحفز الأول والأساسي لي في إطلاق الجمعية".
كانت رغبة عدالة أبو ستة تنصب على خلق مساحة يستفيد منها جميع الأطفال من ذوي الاحتياجات الخاصة، وهو ما سيسهل الأمر على الأهل في التعامل مع أبنائهم وبناتهم. فعملت بكل جد مع صديقات لها على إطلاق هذه الجمعية. وحول هذا المشروع تقول: "كان فريقا نسائيا بامتياز، وجميع صديقاتي شعرن بالتعاطف معي، وقررن مساعدتي بأي شكل كان. عملنا سوية على للبحث عن ممولين وشركاء، ولولا دعم الكثيرين منهم ما تمكنا من إنجاح هذا المشروع".
ومنذ انطلاقة الجمعية، استفاد الكثير من الأطفال من خدمات التعليم، والصحة، والدعم النفسي من سن الأربع سنوات وحتى بلوغهم العمر الذي يعتمدون فيه على أنفسهم. ولم يتوقف الأمر عند قبول الأطفال من أصحاب متلازمة داون فحسب، بل شمل أيضا الأطفال المصابين بالتوحد، ليصل عدد الأطفال المسجلين في الجمعية حاليا لنحو 1200 طفل.
وتؤكد عدالة أن وجود فريق نسائي يشرف على هذه الجمعية ساهم بشكل كبير في إنجاحها، "إذا أن المرأة عندما تؤمن في أي شيء، فإنها تمنحه كل تملك"، كما تقول.
وتضيف: "وجود النساء في الجمعية برفقة الأطفال ساهم في خلق بيئة عائلية مريحة، إلا أننا نعاني على الناحية الأخرى من الحصار، والظروف الاقتصادية الصعبة التي تفرضها إسرائيل".
ورغم وجود الشركاء والممولين، إلا أن الجمعية تعاني من وقت لآخر من أزمات مالية تجعلها غير قادرة على تغطية تكاليفها، فالأوضاع الصعبة في قطاع غزة تلعب دورا كبيرا في ذلك.
ولكن وبرغم ذلك، تبقى عدالة أبو ستة متفائلة بالمستقبل، وتقول: "الجمعية ساعدتني على التعمق في المجتمع الذي أعيش فيه، فأنا أفهم الناس والأطفال بشكل أفضل الآن، وأشعر أنني مسؤولة عنهم جميعا، وكل همي اليوم هو أن أجعل حياتهم أفضل".