إكرام لمعي يكتب .. بورقيبة وناصر ينقذا بلديهما من الطوفان

نشر
7 دقائق قراءة
الرئيسان الراحلان جمال عبد الناصر والحبيب بورقيبة يتحدثان معا خلال قمة دول عدم الانحياز في بلغراد 6 سبتمبر/ ايلول 1961Credit: AFP/Getty Images

هذا المقال كتبه إكرام لمعي، أستاذ مقارنة الأديان، وهو يعبر عن رأيه ولا يعكس بالضرورة رأي شبكة CNN.

محتوى إعلاني

(CNN)-- استخدم تعبير الطوفان في وصف هزيمة 1967، فلقد ضربت المياه الهائجة الوطن العربى ككل، حتى أولئك الذين لم يدخلوا الحرب وقد تردد وقتها أن الهزيمة قد تعدت الأنظمة والزعماء إلى المجتمع والثقافة والحضارة العربية في مواجهة ثقافة وحضارة أخرى مغايرة.  فقد انتصر السلاح الغربي على الشرقي، وانتصرت إسرائيل الديمقراطية على عدة ديكتاتوريات، وانتصرت ثقافة تمكين المرأة وحقوق الإنسان والطفل على ثقافة الانغلاق على الذات، واكتشف المنهزمون أنهم كانوا يتحدثون الى انفسهم بينما عدوهم يتحدث الى العالم.

محتوى إعلاني

وربما لأول مرة في تاريخنا الحديث يتعاطف العالم مع المنتصر، لقد تعاطف العالم معنا بعد هزيمة 1948، وكذلك تعاطفوا معنا في حرب 1956. وكان المحللون  المحليون والعالميون يأملون أن طوفانا مثل هزيمة 1967 هذا سوف يجرف فى وجهه كل العالم العربي القديم الموسوم بالديكتاتورية والقمع والتخلف عن الركب العالمي بمراجعة أمينة لأخطاء الماضي وسياساته وتحالفاته،  ليبدأ وينطلق عالم عربي جديد  على أسس جديدة معاصرة ديمقراطية قادرة على صنع مستقبل رائع للمنطقة.

كان التوقع أن يقوم بالمراجعة لحقبة الثورات العربية بداية من الخمسينات علي الاستعمار الأجنبي ثم لمد القومية العربية، المسئولون السياسيون مع المثقفين والنخبة.  لكن هذا لم يتحقق لسوء الحظ أو عدم الخبرة أو على الأرجح لتبقى الشعوب مغمضة العينين عن الفساد الذى وقع أثناء حكم الثوار.

 وكان البديل الأسهل الذى يوجه إليه الجماهير هو التوجه الإسلامي، ومع الأسف الشديد حاولت النخبة الدخول إلى السلطة من خلاله، وشاهدنا باندهاش كيف تحول مثقفون ومنظرون يشار لهم بالبنان للاشتراكية والقومية العربية إلى إسلاميين يشار لهم بالبنان أيضا.  لكن البنان هنا اختلف إلى بنان من ذهب ذلك لأنهم محترفون.  وتمدد الإتجاه الإسلامي وأصبح ملوك ورؤساء الدول والذين كانوا يتشدقون بالليبرالية أو الاشتراكية... إلخ، يتشدقون بأنهم إسلاميون بدءاً من معمر القذافي وانتهاء بصدام حسين مرورا بأنور السادات وعمر البشير والملك حسين. وبسبب هذه الإزدواجية العجيبة التى نتجت عن عدم المراجعة بل عاقت دون حدوثها  جاء طوفان ما سمى بالربيع العربي، وتفاءل الجميع خاصة بعد أن رفع الثوار شعارات "عيش حرية عدالة اجتماعية".

 وظنوا أن لحظة المراجعة الحقيقية لكل ما هو موجود على الأرض قد دنت وأن الحريق الذى اندلع سوف يحرق كل الأيدلوجيات خاصة بعد هروب بن علي واغتيال القذافي والقبض على مبارك، حتى تبدأ هذه الدول فى بناء دولها على الحداثة وحقوق الإنسان. لكن هذا لم  يحدث أيضاً، لأن الإسلاميين قفزوا على الحكم  فى تونس ومصر وليبيا ومازالت الحرب فى سوريا بين الأيدلوجيا البعثية والدينية، وجاء وصول الإسلاميين لحكم البلاد بتأييد واضح من الغرب أمريكا والاتحاد الأوروبي ومعهم تركيا. وهكذا وبدلا من أن تحدث المراجعة حدثت النكسة. ويبدو أن لا أحد يريد أو يقدر على المراجعة، وازداد الأمر تعقيدا.

فى خضم هذه الفوضى الضاربة ظهر عبد الناصر فى مصر منقذاً ورفع الناس صور السيسي وصار الأمل لدى شعب مصر فى ناصر جديد، وفى تونس حكم الإخوان، لكن سياسة الحبيب بورقيبة  بالقواعد التى أرساها هى التى سادت حتى على الغنوشى نفسه. لقد زرت تونس مؤخرا لمدة ثمانية أيام ورأيت بعينى أن الأزمات التى تمر بها تونس ما هي إلا أزمات في طريق الحرية والديمقراطية وبناء الدولة الحديثة.

 إن الذى صنع الإنسجام الدينى والطائفي والعرقي كان بورقيبة، إنه الرجل الذى أعطى الطبقة الوسطى التونسية المجال لأن تتمدد وتقوى وتؤثر. وذلك بتركيزه على التعليم، وتمكينه للمرأة التونسية بقوة ورفضه للطلاق إلا بموافقة الزوجة، ومنعه للمظاهر الإسلامية، وعدم الربط بين إستعمار الغرب وثقافته  برفضه الإستعمار وقبول الثقافة الغربية بكل ما فيها من إيجابيات ورفض سلبياتها.

 ولأن هذا هكذا لم يستطع الغنوشى أن يفرض على بورقيبة الذى رحل منذ عقود منهاجه الإسلامى بل العكس هو الذى حدث. وبدا الغنوشى أكثر الإسلاميين تطورا وتقدما واستيعابا للحضارة الحديثة، وبالتالي وقف الجيش منه موقفا محترما لأن قياداته متأثرة أيما تأثر بالحبيب بورقيبة.

عندما خرج الشعب المصري مؤيدا ثورة 30 يونيو رافعا صور عبد الناصر، لم يكن يريدها إنقلابا عسكريا لكن ثورة شعبية، ولا شك أن ما قام به السيسي حتى اليوم من عودة الأمن وتنظيم للدولة  ووضوح فى السياسة يعتبر نجاحا، لكن ما يتطلع إليه الشعب ليس العودة لعصر عبد الناصر والسادات إنه يتطلع إلى مراجعة حقيقية ليس لحقبة الإخوان فقط بل لحقبة مبارك وما سبقه.

أن يبقى الجيش هو الضمان للمستقبل شئ جيد حالياً كمرحلة انتقالية لكن الضمان الابقي والاثبت هو الشعب المتعلم السياسي القادر على الاختيارلمستقبل اجياله وهو الاختبار الذي اجتازته تركيا وبعض دول امريكا اللاتينية. وأخيراً تونس والتى أرجو أن تكتمل تجربتها بنجاح فتكون أول دولة عربية حققت المعادلة الصعبة.  ولن يتم ذلك لمصر إلا بوضع أساسيات حقيقية وقواعد ثابتة لبناء دولة مدنية ديمقراطية حديثة تقوم على القانون.

إن زيارة السيسي لأمريكا "الأمم المتحدة" فرصة ليعبر عن آماله لبلده ومنطقته والعالم. ونحن نتطلع أن نستمع منه إلى لغة محلية مصرية تعبر عن توجه عالمى نحو الحرية والعدالة والمساواة وحقوق الإنسان والخبز.      

يذكر أن هذا المقال كتبه إكرام لمعي، أستاذ مقارنة الاديان وهو يعبر عن رأيه ولا يعكس بالضرورة راس الشبكة

 

نشر
محتوى إعلاني