علي شهاب يكتب لـ CNN: تمزيق كساء النبي..
هذا المقال بقلم علي شهاب، وهو لا يعبر بالضرورة عن رأي شبكة CNN.
فقط في الشرق الأوسط يمكنك رفع مقطع من أغنية رومانسية على يوتيوب لتجد تحته بعد دقائق سيلًا من الشتائم بين السنة والشيعة في خانة التعليقات على الفيديو.
لن تتقدم حضارة أو مجتمع من دون فتح أبواب النقاش، غير أن فقدان أدنى مقومات الحوار وعدم احترام حق الاختلاف في عالمنا يدعو حقيقةً الى الغثيان.
بالأمس كتبت مقالة هنا على موقع CNNبالعربية، بعنوان "التطبير في عاشوراء.. قتلُ الحسين مرتين"، وكان هدفي صراحة الاشارة الى ان المذهب الشيعي يرفض هذه الظاهرة غير الاخلاقية وغير الانسانية، وأنه كأي مذهب آخر في العالم قد تختلط على الناس طقوس وعادات وتتخذ من الدين لباسا. وإذ بالتعليقات أسفل المقال تتركز حول التشفي من المسلمين الشيعة بالدرجة الاولى، ومن ثم تتحول الى اسطوانة شتائم متبادلة لا تصل الى أي نتيجة عملية.
لستُ أدري كيف يدّعي أي شخص الاسلام وهو يتبنى لغة السب والتمييز على أساس فكري منهجا في حياته علي شهاب. هل سمعتم يوما بأن رسول الإسلام قد شتم او سبّ احدا في سيرته؟! هل آذى محمدا بكلمة او بفعل جاره اليهودي الذي كان يضع النفايات أمام باب بيته؟
هل قرأتم عن مناظرة واحدة بين الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وبين وفود الأديان والفرق الاخرى اضطر فيها نبي الرحمة والعقل الى رفع صوته والصراخ وإرهاب خصمه فكريا؟.
كنت آمل ان يناقشني أحد في أفكار رئيسية كتبتها في المقالة عند الحديث عن الفلسفة الرواقية او المشائية أو في قصدي من الكتابة عن سلوك الحسين في تعامله مع اصحابه واعدائه وفي علاقته مع ربه، ولكني وجدت نفسي أسيرَ فرقتين تتبادلان اللعن وتتنافسان في اثارة العصبيات المذهبية.
يا جماعة الخير، ارسل الله الأنبياء ليقدم للناس نماذج اخلاقية رفيعة ليقتدوا بها، هلّا تمعنتم في كلمات الحسين يوم عرفة قبل توجهه الى كربلاء. هلّا علمتم ان الحسين أصرّ على أبيه الإمام علي عليه السلام في معركة "النهروان" ان يفكّ بنفسه قيد شمر بن ذي الجوشن، وهو نفسه الشخص الذي قطع رأس الحسين يوم عاشوراء. هلّا تفكرتم بأخلاق الأولياء. هلّا شعرتم بأهمية سلوك المسلك المتزن كشرط لتقدم هذه الأمة التعيسة. هلّا قارنتم بين مدينة أفلاطون الفاضلة وإنسان ديوجينوس الصالح ورواقية ماركوس اوريليوس الفطرية وقوة منطق الإسلام وجوهر بقية الاديان لتلحظوا ان منشأ العلم واحد وان أصل الفكرة واحدة.
يقول علي بن أبي طالب عليه السلام "العلم نقطة كثرّها الجاهلون". وفي عالمنا العربي والإسلامي قمنا بتوليد الجهل وتخصيبه ليتكاثر، حتى صارت الداعشية صورةً نمطية تُنسبُ الى الاسلام.
تعلموا أصول الحوار. احترموا حق الآخر بالاختلاف عنكم. اقتدوا بسيرة نبيكم. أوقفوا مدارس الارهاب الفكري. أعيدوا النَظَر في مناهج التعليم المتطرفة. اقتلوا الفتنة في مهدها. استمتعوا بالأغاني على يوتيوب! ..لا فائدة من العزف الجماعي على أوتار المذهبية.
للشاعر الفلسطيني تميم البرغوثي قصيدة بعنوان "يا كساء النبي استمع"، يقول فيها إنه سيصنف الناس بحسب موقفهم من الاحتلال لبلادهم. كنتُ حتى الأمس من أشدّ المعجبين بهذه القصيدة. ولكني أخشى انها باتت خارج سياق العصر، فنحن في مرحلة تمزيق الكساء.