إبراهيم عوض يكتب عن وجود مصر في التحالف الإسلامي لمحاربة الإرهاب
هذا المقال بقلم إبراهيم عوض، وهو ضمن مقالات ينشرها موقع CNN بالعربية بالتعاون مع صحيفة الشروق المصرية، كما أن الآراء الواردة أدناه لا تعبر بالضورة عن رأي شبكة CNN.
أعلنت المملكة العربية السعودية يوم 14 ديسمبر عن تشكيل تحالف عسكري إسلامي لمحاربة الإرهاب، يتكوّن من 34 دولة. الإعلان السعودي ذكر الدول المنضمة للتحالف، ومن بينها مصر، وأشار إلى أن قيادته ستكون للسعودية وأن غرفة عملياته سيكون مقرها في الرياض. بعدها بساعات صرّحت وزارة الخارجية المصرية بأن مصر تدعم كل جهد إسلامي أو عربي يهدف إلى مكافحة الإرهاب والقضاء عليه.
بخلاف المقصد العام والفضفاض للتحالف أي محاربة الإرهاب، لم يكشف الإعلان عن أي معلومات أخرى لا عن أهدافه المحددة، ولا عن مبادئه، ولا عن اسلوب اتخاذ القرار فيه وطرائق عمله، ولا عن أدواته، لا العسكرية منها ولا السياسية. ليس في ذلك غرابة، فلقد أعلن أيضا أن التحالف تم تشكيله في 72 ساعة، أي أنه تشكل على عجل لا يمكن أن يكون قد سمح بالبحث في أي من دقائقه، وعندما يغض الطرف عن الدقائق في أمور خطيرة كتشكيل التحالفات بين الدول، فاعلم أنها تشكلت على سبيل المجاملات ورفع الحرج. ولكن هذا سبيل غير جدير بالدول فهو إما سيؤدي إلى التهرب مما جرى الوعد المتعجل بالالتزام به، أو، وهو الأخطر، قد يفضي إلى مزيد من المجاملات بالاشتراك الفعلي العسكري أو السياسي في عمليات تحالف غير مدروس أي شيء فيه.
قد يهمك أيضاً: على الخريطة.. تعرف الى أقوى عشر دول بالتحالف العسكري الإسلامي؟
أول ما يتبادر للمراقب هو أن الدول الأربعة والثلاثين الأعضاء في التحالف هي أيضا أعضاء في منظمة التعاون الإسلامي ومع ذلك لم يصدر الإعلان عن تشكيل التحالف بقرار من أي هيئة من هيئات المنظمة. المملكة العربية السعودية كانت وراء إنشاء منظمة المؤتمر الإسلامي، وهي السلف لمنظمة التعاون الإسلامي، في سنة 1969 على الرغم من سابق تحفظ الرئيس جمال عبد الناصر على الفكرة وقبوله في نهاية الأمر بها تحت ضغط هزيمة سنة 1967 وضرورات إعادة البناء العسكري المصري. منذ ذلك الحين جرت مياه كثيرة تحت الجسور وأصبحت مصر عضوا فاعلا في المنظمة الإسلامية، فهل الإعلان عن عمل يفترض أنه إسلامي خارجها وعلى خلاف آراء بعض من أعضائها، ومنهم من كبارها، مثل إندونيسيا والجزائر والعراق وعمان، ودعك من إيران، مما يحفظ للمنظمة دعائمها؟ العالم الإسلامي الذي يراد إعطاء انطباع بأنه موّحد ضد الإرهاب يمكن أن يتفكك من جراء الإعلان عن التحالف خارج منظمته، ثم أنه قد يبدو غير جاد كله في محاربة الإرهاب عندما تبدأ بعض من الدول الأربعة والثلاثين في التهرب مما "التزمت" به تأدبا ومجاملة أو حرصا على مصالحها.
***
من ستشمل محاربة الإرهاب؟ في تصريحات سعودية رفيعة المستوى، هي لن تطال "داعش" وحدها بل هي ستمتدّ إلى تنظيمات أخرى. التساؤل مشروع. هل تمتدّ إلى جبهة النصرة وثيقة الصلة بالسعودية في سوريا وغيرها من التنظيمات المرتبطة بالقاعدة في ليبيا وفيما عداها من بلاد الشمال الإفريقي وفي الصحراء الكبرى؟ وحتى "داعش"، هل تمتد محاربتها من سوريا إلى العراق على خلاف رغبة الدولة العراقية غير المنضمة إلى التحالف؟ وماذا عن "حزب الله" الذي تعتبره المملكة العربية السعودية منظمة إرهابية؟ هل يتصور أحد أن يرسل أي بلد قوات إلى لبنان لمحاربة "حزب الله" على أرضه؟ إن انضمام لبنان المعلن للتحالف خير بيان على عدم جدية هذا الانضمام أو الإعلان عنه. سواء كنت أو لم تكن مع فكرة التحالف، وسواء كنت من خصوم "حزب الله" أو من المتعاطفين معه، فإن أي معرفة ولو أولية بالسياسة اللبنانية وبتوازناتها تكشف عن استحالة ان ينضم لبنان انضماما فعليا للتحالف ناهيك عن أن تسمح أي حكومة لبنانية بالتدخل على أرضها "لمحاربة حزب الله." وبعد ذلك، ماذا عن "بوكو حرام"؟ هل تطلب القيادة السعودية من مصر، مثلا، أو من المغرب، أو من باكستان أن ترسل قوات لمؤازرة نيجيريا في محاربتها لهذه المنظمة الإرهابية؟ على الرغم من صلاتها الوطيدة بالسعودية، رفض برلمان باكستان المشاركة في "عاصفة الحزم" وإرسال قوات إلى اليمن في الربيع الماضي. من دواعي السخرية المرّة أنه غداة الإعلان عن تشكيل التحالف تعجبت باكستان من الإعلان عن مشاركتها فيه، كما صرّحت ماليزيا بأنها لم تفهم أن "التحالف العسكري" عسكري!
كذلك.. لماذا خرجت الجزائر من قائمة التحالف الإسلامي ضد الإرهاب؟
وبخصوص اليمن، يتساءل المرء هل يراد للتحالف الإسلامي أن يخفّ إلى مساعدة السعودية وحلفائها في حربهم على "أنصار الله" الحوثيين فيها. هذا تصوّر صعب قبوله لأنها تصبح طرفة مأسوية أن تحارب الحوثيين 34 دولة! إلا أن اليمن تستدعي ملحوظة أخرى إلى الأذهان. لقد قررت المملكة العربية السعودية في مارس الماضي التدخل في اليمن وجرّت وراءها عشر دول شاركت بشكل فعلي أو معنوي في الحملة التي لم تهدأ منذ تسعة شهور. وها هي السعودية تعاود الكرّة وتعلن عن أنها عبأت خلفها، او هكذا توحي، 34 دولة. هل تستطيع السعودية أن تحارب على أكثر من جبهة؟ أن تحارب في اليمن وكذلك حيث ينشط الإرهاب في بلد واحد أو اثنين أو ثلاثة؟ أم أن السعودية ستحارب في اليمن وتكتفي "بقيادة" غيرها من بلدان التحالف في أراضي دول أخرى ينشط فيها الإرهاب؟ من بين من أعلن عن انضمامهم إلى التحالف بلدان كبيرة بأحجام سكانها واقتصاداتها وقواتها مثل باكستان ونيجيريا ومصر، فهل يمكن تصور أن تترك هذه البلدان قيادتها لغيرها؟ وهل يمكن أن تقبل شعوبها ذلك؟ مرة أخرى، الإعلان عن تحالف غير مدروس قد يؤدي إلى عكس نتائجه ويكشف عما يمكن للبعض أن يعتبره ضعفا في عزم الدول الإسلامية على محاربة الإرهاب.
***
لا ينبغي لمصر أن تسير في هذا الركب. بعض الصحف غير الحكومية نشرت على صفحاتها الأولى خبر الإعلان عن التحالف وانضمام مصر إليه ومعه في نفس الخبر أو في غيره تحته أن السعودية ستوفِر احتياجات مصر من البترول لمدة خمس سنوات وأنها سترفع من قيمة استثماراتها في مصر. اللّبيب من الإشارة يفهم. هذا ليس مقبولا مطلقا. حتى وهي في أوضاع اقتصادية وسياسية صعبة، كحالها هذه الأيام، فإن مصر لا تعدم أسباب القوة. وزنها السكاني، وعمقها التاريخي، وثراؤها الثقافي المتكوِن في القرنين الأخيرين، وتاريخ انفتاحها على بلدان العالم في شرقه وغربه، وسابق علاقاتها في العالم الثالث، ونظرة العالم العربي والإفريقي والإسلامي إليها، واقتصادها المنهك حقا ولكن السبّاق مع ذلك في التنوع في منطقتينا العربية والإفريقية، هذه كلها عوامل قوة لا تنعدم تماما تحت ضغوط العجز في الميزانية أو في ميزان المدفوعات.
والصحافة غير الحكومية أومأت كذلك إلى أن التحالف العسكري المعلن عنه هو "تحالف سنِي". الأغلبية الساحقة من المصريين تربأ بمصر أن تجرّ إلى صراعات يراد طلاؤها بصبغة مذهبية، وهي التي لم تعرف مثل هذه الصراعات من قبل، بل وهي التي كافح شعبها في السنوات الأخيرة وما يزال من أجل التخلص من أشباح الطائفية ورفع بناء سياسي يكون فيه الدين لله والوطن للجميع. على الرغم من الدعاوى التي غذت المذهبية في مصر في العقد الأخير ومازالت، وللأسف، تغذيها، فإن الفرصة لم تزل متاحة لأن تلعب مصر الدور الذي لا يمكن لغيرها أن تلعبه ألا وهو رأب الصدع بين السنّة والشيعة وتجنيب المنطقة بذلك ويلات صراع عبثي، عنيف ومدمِر. هذا الدور في الوقت الراهن بالذات سيضيف إلى قوة مصر في المنطقة وفي العالم كما لا يمكن أن يضيف أي مصدر آخر من مصادر القوة.
***
من السياسة أن تعظِم الاستفادة من أسباب القوة المتاحة لك وأن تقلِص من آثار نقاط الضعف التي تعتريك.
أسباب القوة المتاحة تسمح لمصر بل توجب عليها أن تلعب دور الدولة الأكبر في المنطقة، تنصح وتوفِق، وتحول دون انزلاقها إلى فوضى أعم من تلك الموجودة بالفعل. هذا الدور يحتاج إلى السياسة.