عامر سبايلة يكتب: "جنيف 3" .."إما أن تتواجدوا و إما أن تكونوا خارج المعادلة"
هذا المقال بقلم د. عامر السبايلة، والآراء الواردة أدناه لا تعكس بالضرورة وجهة رأي شبكة CNN.
بالرغم من المحاولات الواضحة لتعطيل عقد اجتماع "جنيف 3" الا ان الرغبة الامريكية الروسية في عقد الاجتماع تجاوزت قدرات الراغبين بتعطيل الاجتماع او تغيير شروط انعقاده.
السعي الامريكي الروسي لانجاز هذا الاجتماع بحضور معارضة سورية ممثلة من جميع الاطياف هو بمثالة اعلان انطلاق لفكرة الحل السياسي بعد انجاز مهمتين اساسيتين، الاول استصدار قرار دولي للحل في سوريا عبر مجلس الامن الدولي و الثاني تجريد الدول الاقليمية المعطلة للحل من ادواتها في المعادلة السورية خصوصاً المقاتلة على الارض، وذلك عبر الغطاء العسكري الروسي الذي ترجم اليوم بحجم الانجاز العسكري و التقدم اللافت للجيش السوري على الارض. و ان كانت موسكو قد قدمت الغطاء العسكري فمن الواضح ان واشنطن عملت في الاسابيع الاخيرة على انجاز عملية عزل المعارضات السورية المتعددة عن داعميها الاقليميين و اخراج فكرة المعارضة من ارتهانها لهذه الدول و بالتالي اعادتها لفكرة "لرؤية الواحدة" و "الحل الوحيد المتوفر".
اقرأ: كيري ينفي تهديده للمعارضة السورية لحضور محادثات جنيف.. وخوجة: أمريكا تتبع نهج روسيا وإيران
في اطار السعي لإنجاز هذه الخطوة يلمس المراقبون حجم التنازلات التي قدمتها الادارتين الروسية و الامريكية في قبول وجهات نظرهمها المختلفة سواء في شكل الوفد و تمثيله و حتى المسار المفترض للامور و اولوياتها. فقبول موسكو لمشاركة ممثلين تصنفهم هي نفسها في خانة الارهاب مثل "جيش الاسلام" سينعكس بلا شك على الولايات المتحدة التي ستضطر أيضاً الى قبول رؤية موسكو بشأن ضرورة مشاركة قوى أخرى ترفضها واشنطن او حلفاءها كالحزب الديمقراطي الكردي على سبيل المثال. هذا المناخ المتشكل على الصعيد الدولي يشير الى ضرورة ايجاد الية توافق لانتاج معادلة شاملة لتمثيل المعارضة السورية في جينيف، و هي رسالة لا يقتصر مداها عل الاطراف السورية المترددة او الرافضة للمشاركة بل تتعداها الى الاطراف الاقليمية الساعية لتعطيل ترتيبات البدء في صياغة الحل السياسي. هذه الرسالة تأتي في وقت تفقد الدول الاقليمية الراعية لبعض اطياف المعارضة كثير من قدرتها على المناورة و التأثير على المعادلة السورية سواء بسبب الاوضاع السياسية التي تمر بها هذه الدول او بسبب حالة الاجماع الدولي على ضرورة انجاز الحل و التي تفوق قدرة هذه الدول على التعطيل.
لهذا فان مشاركة المعارضة السورية في جنيف هي بمثابة تلبية لدعوة اجبارية يقول نصها: "اما ان تتواجدوا و اما ان تكونوا خارج المعادلة". هذا ما يثبت ان موسكو وواشنطن يسعون جدياً اليوم لبناء هيكلية للمعارضة تكون قادرة على الاندماج في عملية الحل السياسي المستقبلي في سوريا.
أيضاً: الأمم المتحدة عن جولة محادثات جديدة بين الحكومة والمعارضة: السوريون عانوا بما فيه الكفاية
قد لا يحمل "جنيف 3" اي حل عملي للازمة السورية الا انه بلا شك يعد اولى الخطوات الحقيقية لاعادة رسم شكل الحل السياسي عبر سياسة "الفرض و فك الارتهان" فرض رؤية واضحة على الجميع بضرورة البدء في عملية الحل السياسي و فك ارتهان قوى المعارضة لرؤى متعددة و بالتالي اعادتها الى مربع التعامل مع الواقع السوري الذي تشير خارطته الى تحول لافت في معادلته العسكرية. هذه المعادلة ستفرض انعكاساتها أيضاً على العلاقة مع دول الجوار السوري خاصة الاردن و تركيا. الرسالة الابرز في هذه التحولات هي ضرورة انهاء الازمة ووقف خطوط امدادها مما يعني ان التعامل القادم مع المعطيات السورية لابد ان يكون بتبني "اسلوب الحسم" وهو ما يفرضه ايضا الواقع الميداني. الاردن مثلا لابد ان يستعد للتعامل مع تداعيات التحولات السياسية والميدانية على الاقل في الجهة المحاذية لحدوده التي تشهد عملية اخراج واسع لكافة التنظيمات والمسلحين من درعا ومحيطها الامر الذي يفرض على الاردن مواجهة حتمية مع فلول هذه التنظيمات و مسلحيها. الرسالة الاردنية كانت واضحة في الايام الاخيرة الماضية حيث اعلنت القوات المسلحة في بيان لها عن استهدافها لمسلحين حاولو. الاقتراب من الحدود الاردنية و هي رسالة يمكن قراءتها على انها رسالة اردنية حاسمة، لكن لابد من التفكير الجدي في شكل التعامل المستقبلي مع هذا الواقع الذي سيتجاوز بلا شك المواجهة مع اعداد محدودة من المسلحين و يتطلب رؤية للتعامل مع احتماليات تطور الامور و انعكاسها على الاردن و حدوده و داخله الامر الذي يجعله مضطراً أيضاً لتفعيل قناة تنسيق فعلية مع الواقع الجديد في سوريا فهل يكتفي في هذه المرحلة بقناة موسكو ام انه مضطر أيضاً لتفعيل قناة دمشق؟