كيف يمكن لأحفاد الحضارات العظيمة أن يقبلوا بمستويات متدنية من المشاركة السياسية للمرأة؟
هذا المقال بقلم سالي المهدي، والآراء الواردة أدناه تعكس وجهة نظر كاتبتها، ولا تعبر بالضرورة عن وجهة رأي CNN.
منذ قديم الأزل٬ ومع فجر الحضارات الانسانية الأولى٬ كانت المساواة بين الجنسين٬ وخاصة على مستوى المشاركة السياسية٬ مفهوماً أساسياً ومفعلاً على أرض الواقع٬ فلماذا إذاً، ونحن فى القرن الحادى والعشرين لا يزال سعينا للمساواة بين الجنسين في مثل هذه المرحلة المتأخرة؟
فقد عززت الحضارات الإنسانية القديمة مثل الفرعونية فى مصر٬ وسبأ فى اليمن والآشورية فى العراق٬ والتى ولدت وترعرعت على أراضى المنطقة العربية٬ المساواة بين الجنسين على مختلف الأصعدة وخاصةً السياسية٬ فنجد أن العديد من الملكات كن على رأس السلطة مثل حتشبوت الملكة المصرية٬ بلقيس ملكة سبأ، وسميراميس الملكة الآشورية، كما قادت المرأة الجيش فى الحروب المختلفة٬ وساهمت فى إثراء الحياة الإجتماعية والثقافية. وإعترافاً بإسهامات المرأة المعتبرة٬ تم توثيقها على جدران المعابد الكبرى وفى الوثائق المختلفة والتماثيل التى تظهر المرأة على قدم المساواة مع الرجل٬ وفى بعض الأحيان تسبقهم، كما تفصل ملامح وجهها وجسدها للتعبير عن القوة والتأثير، دونما الاحساس بالحرج أو الخجل.
وفى التاريخ المعاصر، وبالرغم من تأثيرات التقدم التكنولوجى والعولمة والحركات النسوية فى تحديد مفهوم الحداثة والتحضر، لم تحقق معدلات تمثيل المرأة على مستوى العالم المناصفة، فنجد أن الدول الاسكندنافية لها الصدارة فى هذا المجال بنسبة تصل إلى ٤١٪؛ وتقع الدول العربية، أحفاد الحضارات الانسانية القديمة، فى ذيل القائمة بنسبة تصل إلى ١٩.١٪.
شاهد أيضاً.. بالفيديو: قرار عضو برلماني ياباني بأخذ إجازة الأبوة يغير مفاهيم أدوار الجنسين
وهنا يتبادر للذهن سؤال ملح: كيف يمكن لأحفاد الحضارات العظيمة أن يقبلوا بمستويات متدنية لمشاركة وتمثيل النساء؟ والحقيقة أن تحليلا متعمقا للاوضاع السياسية، المجتمعية والثقافية فى الأوطان العربية يشير إلى معوقات خارجية وداخلية تحد من قدرة المرأة على المشاركة بفاعلية فى الحياة العامة والسياسية. وتتعلق المعوقات الخارجية بالآتى:
١) المعوقات التشريعية والاجرائية وتتمحور حول وجود وفاعلية تطبيق التشريعات والقوانين التى تدعم مشاركة النساء؛ فعلى سبيل المثال نجد أن معظم الدساتير العربية تضمن المساواة٬ بغض النظر عن الجنس، العرق أو الديانة، إلا أن الإحصاءات المتدنية الخاصة بمشاركة المرأة فى الحياة العامة والسياسية تدلل على أن النصوص الدستورية والقوانين المتعلقة لا تكفى وحدها لدعم مشاركة المرأة لسببين أساسين: أولاً: إن النص على المساواة بين الجنسين باستخدام صيغة جمع المذكر تقلل من شأن المرأة وقدراتها وكفاءتها وتجعلها تابعاً للرجل، ثانياً: هناك فجوة بين التشريعات والقوانين والقدرة على التطبيق والمتابعة؛ فنجد مثلاً أنه بالرغم من وجود القوانين التى تحدد سقف الإنفاق على الحملات الإنتخابية فى العديد من الدول العربية، لا يوجد تفعيل أو متابعة لتطبيقها على أرض الواقع؛ وهو ما يؤدى الى زيادة تهميش المرأة لعدم توفر القدرة المالية لديها لمجاراة حجم إنفاق منافسها الرجل.
٢) "الوصم الاجتماعي" المصاحب لمشاركة المرأة فى الحياة العامة والسياسية حيث تتميز المجتمعات العربية بكونها مجتمعات محافظة تحكمها ثقافات تقليدية راسخة ويسيطر عليها المفهوم الذكورى ما يحدد دور المرأه، طبقاً للقوالب المجتمعية المقبولة والراسخة، فى البيت كزوجة وأم٬ ويفسح المجال على مصرعيه للرجل للمشاركة فى الحياة العامة والسياسية. وبالتالى خرق المرأة لهذه القوالب ومشاركتها فى الحياة العامة والسياسية يعد "خروجاً عن المألوف" وهو أمر غير مقبول مجتمعياً. وهذا "الوصم الاجتماعي " الذى يوصم المشاركات بفاعلية فى الحياة العامة والسياسية لا يطال المرشحات فى الانتخابات فقط، ولكن يصل تأثيرة إلى الناخبات أيضاً من خلال سلبهن حق أساسى من حقوقهن الانسانية وهو "واجبات المواطنة"؛ فنجد أن المرأة، خاصة فى المجتمعات القبلية، لا تستطيع التصويت بإرادة حرة لمن تراه/تراها مناسب/مناسبة ولكن لابد أن "تتبع" إختيار الرجل الرئيسى فى عائلتها.
٣) الثقافات المؤسساستية والتنظيمية والتى أقل ما توصف به أنها ثقافات "غير صديقة للمرأة" أو "حساسة للنوع الاجتماعى". والحقيقة أن المؤسسات ماهى الا مرآة للمجتمع، وبالتالى فإن الثقافات التى تحكمها هى نفس الثقافة التقليدية الذكورية التى تحكم المجتمع؛ وعليه فإنها تحد من قدرة المرأة على المشاركة الفاعلة وتبوء المناصب القيادية.
كذلك.. تعليقا على فيديو "ضرب الزوجة".. مغردون يتهمون مذيعا سعوديا باجتزاء حديث العريفي
أما بالنسبة للمعوقات الداخلية فهى تتعلق بمدى رغبة وقدرة المرأة على تحدى المألوف والسير عكس التيار بما يحمله من مخاطر التعرض للمضايقات من المحيطين ووصمها بأنها غير كفوءة؛ وبالتالى فالخوف من التداعيات المجتمعية قد يجعل المرأة، بإرادتها أو بغير إرادتها، تؤثر عدم الدخول فى "عالم الرجال" والمحافظة على دورها التقليدى.
وبناء عليه، فإن عدة أسئلة تلح فى الأذهان: هل ما تزال الديمقراطيات العربية تتميز بأنها ديمقراطيات ذكورية، لا تعترف بحق المرأة إلا من خلف الستار؟ أم أن تراجع دور المرأة في الحياة العامة والسياسية هو نتاج لمرحلة مخاض جديدة تمر بها دول المنطقة؟ وهل يمكن للأوطان أن تستمتع بالحرية والكرامة والإنسانية بتحرير نصف المجتمع وتأجيل حرية نصفه الاخر الى أجل غير مسمى؟ وهل يمكن أن تتحقق الحرية والكرامة والإنسانية من دون إيجاد آليات تضمن التوصل إلى إدماج المرأة فى النسيج الوطنى بصورة متجانسة بما يضمن حريتها ويصون كرامتها؟ وهل تطبيق القيم العادلة للديمقراطية وحقوق الإنسان٬ دونما تمييز بناء على الجنس والعرق والدين٬ والتي قاد غيابها أو عدم توازنها بين المناطق الجغرافية والطبقات الاجتماعية والطوائف الدينية الى انفجار الحراك الشعبي فى عدة دول بالمنطقة، هو الضمان الوحيد للوصول للإندماج الوطنى العادل؟ وأخيراً، وإذا استمر هذا الإقصاء للنساء فما هو المصير الذي ينتظر أحفاد مهد الحضارات العظيمة؟