رأي: المجتمع المدني في الكويت وفعاليته كمدخل للإصلاح الاقتصادي

نشر
7 دقائق قراءة
Credit: YASSER AL-ZAYYAT/AFP/Getty Images

هذا المقال بقلم مروة عمار، طالبة ماجستير في العلوم السياسية (سياسة مقارنة)  بجامعة الكويت. ناشطة شبابية ومهتمة بأدب السجون والروايات السياسية والحداثة والتراث، تحضر رسالة حول موضوع السخرية السياسية.

محتوى إعلاني

لا يعبّر المقال عن وجهة نظر CNN.

محتوى إعلاني

مروة عمار-- برزت في السنوات الأخيرة مدى أهمية المجتمع المدني و خاصة المنظمات غير الحكومية كمدخل رئيسي لعملية التنمية، لأنها تمتلك أساليب أكثر فعالية ومرنة في الاستجابة للاحتياجات التنموية للمجتمعات المحلية، كما أنها تتمتع بمهارات أكثر إبداعا في التعامل مع المشكلات، هذا فضلا عن التكلفة المنخفضة لما تقدمه من خدمات، ناهيك عن ملامستها للاحتياجات البشرية بطريقة مباشرة من خلال تبني منهج قائم على المشاركة القاعدية.

وبالرغم من المناخ السلمي للكويت الذي يساعد على نمو مجتمع مدني فاعل وقادر على أن يكون سدا منيعا أمام أي إهتزازات تواجه الدولة، إلا أن الجمعيات الأهلية أخذت في التراجع الفعلي شيئا فشيئا، ويعود ذلك إلي الدولة الريعية ومفاهيمها، فالعمل التطوعي بالأساس يقوم على التزام ودوافع ذاتية، وهو يعبر عن الطاقات المستقلة خارج الإطار الحكومي، إلا أن من الملاحظ بأن مجمل العمل الأهلي قد أصبح انعكاسا للعمل الحكومي، بل أصبح غير قادر على الاستمرار بدون دعم هذا القطاع مما يمثل نقطة ضعف في استقلالية العمل الأهلي.

وعند النظر إلى واقع المجتمع المدني في الكويت نجد أنه يوجد 414 منظمة مجتمع مدني، وحوالي 70 جمعية تحت الإشهار وهو ما يعني وجود نسبة مهمة من المنظمات لكن هناك العديد من المشكلات التي تعاني منها منظمات المجتمع المدني في الوقت الراهن وعلى رأسها اعتماد الجمعيات على الأفراد، حيث أن معظم الجمعيات التطوعية تقترن أسماؤها بأفراد معينين يقومون بإدارتها وتوجيه سياستها، في غياب عمليات التخطيط الجماعي والمشاركة في صناعة القرار وغالبا ما يحافظ على وجود هذه الجمعيات هؤلاء الأفراد نتيجة وجود سلطة ما يملكونها. وبالإضافة إلى ذلك نجد أن هذه الجمعيات تعاني من  ضعف الدعم المالي واعتماد معظمها على الدعم الحكومي مما يؤثر في استقلاليتها وأيضا في عملها.

 وعند النظر للحالة الكويتية نجد أن هناك ثقافة عامة لا تربط العمل بالإنتاج بل ترى فيه وسيلة للبقاء. حيث أن الثقافة السائدة هي أن يقدم الخريج أو الطالب للوظيفة لديوان الخدمة المدنية وهو الجهاز المسئول عن توزيع المتقدمين للوزارات المختلفة حسب الشواغر باعتبار أنه يقدم عليه المواطنين أكثر من الجهاز المسئول عن التوظيف في القطاع الخاص لعدة أسباب منها أن القطاع الحكومي مريح عند مقارنته بالقطاع الخاص ولا يتطلب بذل الجهد والالتزام كالقطاع الخاص بالإضافة إلى أن امتيازاته تفوق هذا القطاع مما ساهم في ظهور ما  يسمى بالبطالة المقنعة.

وتكمن أهمية المجتمعات المدنية في أنها من خلال ما تعقده من دورات وورش عمل اقتصادية توعي بها القوى العامة بمدى أهمية الأعمال الصغيرة والتجارة وتنمية مهاراتهم لجمع الأموال من خلال التوجه للقطاع الذي يدعم المشاريع الصغيرة في القطاع، فإن هذا يساهم في نشر مبادئ الملكية الفردية والتي لها فوائد عديدة على ثقافة الفرد.

وبانتقال الفرد من الملكية الجماعية إلى الفردية فإنه ينتقل بذلك من الوعي الجمعي إلى الوعي الفردي، حيث ولادة الذات التي صار بإمكانها أن تعلن أن هذا الشيء يخصني وحدي، فولادة الذات التي اعترف بها ذاتا متميزة خاصة وقادرة، باستطاعتها أن تعلن أنها ذات تملك حقا لا يجوز الاعتداء عليه، والاعتداء عليه جريمة.

ومع بروز مؤسسات المجتمع المدني تغيرت هذه الثقافة المجتمعية وأذكر هنا على الأخص مؤسسة تسمى لوياك تمكنت من أن تجعل الشباب الكويتي ينخرط في العمل في الفنادق والمبيعات و غيرها من المهن التي لا يقبلها المجتمع في محاولة منها لتغيير  الثقافة السائدة منذ الصغر لتخلق لنا جيلا لا يربط ما بين المهنة ووحدة الذات.

وهناك أيضا مؤسسات أخرى مهمتها هي توجيه الفرد نحو العمل بالقطاع الخاص وبالتالي تخفيف عبء دفع الرواتب التي تستنزف من ميزانية الدولة و توجيه الأفراد نحو هذا القطاع منذ الصغر وبالتالي رفع هذا الكاهل عن الحكومة و التخفيف عنها، ناهيك عن المؤسسات الأهلية الأخرى التي تنظم دورات وورش عمل بشكل دوري لتعليم الشباب كيف يكون مبادر في مشاريع اقتصادية وتدعمه.

وبالتالي سينجم عن هذه المبادرات نمو اقتصادي  من شأنه أن يربط الفرد بهذه التنمية لأنه سيكون في بحث دائم عن مشروع ناجح عليه طلب وينافس به المشاريع الأخرى الموجودة. وهذه المنافسة ستجعله في حالة دراسة وتنبه دائم للسوق لتلبية احتياجات الأفراد و بالتالي  سيؤدي إلى انتعاش اقتصادي بفعل هذه المبادرات التي ستنافس بعضها البعض و تعود بالخير على الجميع.

وعلى هذا الأساس يمكن القول إنه يجب مراجعة وتطوير الإطار التشريعي و القانوني والمؤسسي المنظم لعمل المجتمع المدني الكويتي من خلال حرية تكوين الهيئات والمنظمات النقابية والاجتماعية والثقافية، إعادة النظر في التشريعات الموجودة بما يحقق تنظيما جديدا يحقق الطموحات، و تطوير طبيعة العلاقة ما بين الدولة والمجتمع المدني من خلال إدراج قضايا تنمية المجتمع المدني كأحد المكونات الأساسية في الخطط الخمسية التنموية للدولة. وأيضا إشراك المجتمع المدني في فرق لمتابعة هذه الخطط التنموية للدولة بهدف تقييم ومراجعة مدى التقدم في إنجاز المشروعات الخاصة بالتنمية من خلال إشراكه في تنفيذ بعض البرامج والمشروعات التنموية والمبادرات التطوعية.

ولا ننسى أيضا أنه يجب تشجيع المشروعات التعاونية في مجالات الخدمات العامة مثل المدارس والجامعات والمستشفيات، ومشاركة منظمات المجتمع المدني المتخصصة مثل غرفة التجارة، الجمعية الاقتصادية في تنظيم برامج تدريبية وتأهيلية للشباب لاكتساب مهارات جديدة، ونشر ثقافة الأعمال المبادرة الحرة. وتوسيع قاعدة منظمات المجتمع المدني الكويتي في ضوء أولويات وتحديات التنمية والحث على زيادة مجالات منظمات المجتمع المدني و تشعب اختصاصاتها وتنويعها حسب الاحتياجات المعاصرة. بالإضافة إلى  تطوير آليات و بدائل لتمويل المجتمع المدني وتشجيع هذه المنظمات على تطوير وتنمية مواردها الذاتية، و فتح قنوات تمويلية بين القطاع الخاص الكويتي وهذه المنظمات.

نشر
محتوى إعلاني