"أخطر سلعة في العالم".. CNN تحقق في استيراد ملايين القفازات الطبية القذرة والمستعملة إلى أمريكا

نشر
13 دقيقة قراءة

دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN) -- في إحدى المستودعات بضواحي بانكوك، تظهر أكياس القمامة مليئًة بالقفازات الطبية المستعملة، بعضها متسخ بشكل واضح، وبعضها ملطخ بالدماء، متناثرة على الأرضية.

محتوى إعلاني

وفي الجوار، يظهر وعاء بلاستيكي مليء بصبغة زرقاء بجانبه عدد قليل من القفازات.

محتوى إعلاني

ويقول المسؤولون التايلانديون إن العمال المهاجرين كانوا يحاولون جعل القفازات تبدو جديدة مرة أخرى، عندما داهمت السلطات الصحية التايلاندية المنشأة في ديسمبر / كانون الأول العام الماضي.

وهناك العديد من المستودعات التي لا تزال مفتوحة حتى اليوم في تايلاند، والتي تحاول الاستفادة من الطلب على قفازات النتريل الطبية، والذي تزايد مع تفشي جائحة فيروس كورونا.

وتصنع تلك المستودعات الملايين من هذه القفازات دون المستوى لتصدّرها إلى الولايات المتحدة والبلدان في جميع أنحاء العالم، وسط نقصٍ عالمي.

وتوصل تحقيق أجرته CNN على مدى أشهر إلى أن عشرات الملايين من قفازات النتريل المقلدّة والمستعملة قد وصلت إلى الولايات المتحدة، وفقًا لسجلات الاستيراد والموزعين الذين اشتروا القفازات.

وتجري السلطات في الولايات المتحدة وتايلاند تحقيقات جنائية.

ويصف الخبراء صناعًة مليئًة بالاحتيال، حيث قال أحدهم - دوغلاس شتاين - لـ CNN إن قفازات النتريل تعد "أخطر سلعة على وجه الأرض في الوقت الحالي".

ويقول شتاين: "هناك كمٌ هائل من المنتجات الرديئة المقبلة، سيل لا نهاية له من القفازات القذرة، المستعملة ودون المستوى التي تأتي إلى الولايات المتحدة، ويبدو أن السلطات الفيدرالية بدأت الآن فقط في فهم الحجم الهائل لها".

ومع ذلك، رغم من المخاطر المحتملة على العاملين في مجال الرعاية الصحية والمرضى في الخطوط الأمامية، كافحت السلطات الأمريكية للتعامل مع التجارة غير المشروعة، جزئيًا بسبب تعليق لوائح استيراد المعدات الطبية الوقائية مؤقتًا في ذروة الجائحة، ولا تزال معلقة حتى اليوم.

تم العثور على أكوام من قفازات النتريل المستعملة خلال مداهمة مستودع في بانكوك، في ديسمبر العام الماضي. وقالت إدارة الغذاء والدواء التايلاندية إن الشركات الاحتيالية تقوم بتعبئة مثل هذه القفازات لإعادة بيعها في جميع أنحاء العالمCredit: THAI FDA

وخلال شهري فبراير/ شباط ومارس/ آذار من هذا العام، حذرت إحدى الشركات الأمريكية وكالتين اتحاديتين، وهما هيئة الجمارك، وحماية الحدود بالولايات المتحدة، وإدارة الغذاء والدواء الأمريكية، من أنها تلقت شحنات مليئة بالقفازات المتسخة دون المستوى المطلوب من إحدى الشركات المصنعة في تايلاند.

ومع ذلك، تمكنت تلك الشركة التايلاندية من شحن عشرات الملايين من القفازات في الأشهر التالية، وصل بعضها مؤخرًا في يوليو/ تموز الماضي.

وقالت إدارة الغذاء والدواء الأمريكية لـ CNN إنها لا تستطيع التعليق على الحالات الفردية، ولكنها أكدت أنها اتخذت "عددًا من الخطوات للعثور على أولئك الذين يبيعون المنتجات غير المعتمدة وإيقافهم من خلال الاستفادة من خبرتنا في التحقيق وفحص ومراجعة المنتجات الطبية، سواء على الحدود أو داخل التجارة المحلية".

طفرة في الطلب

وفي أوائل عام 2020، انتشر الطلب على معدات الحماية الشخصية (PPE) بشكل متزايد وسط انتشار وباء فيروس كورونا في جميع أنحاء العالم.

وظلت أسعار قفازات النتريل مرتفعة.

وتستخدم قفازات النتريل الطبية من قبل الأطباء والمتخصصين في الرعاية الصحية خلال فحوصات المرضى.

وتحظر إدارة الغذاء والدواء الأمريكية استخدام قفازات اللاتكس التي تحتوي على البودرة في الرعاية الصحية، بينما تُعتبر قفازات الفينيل منخفضة الجودة أكثر شيوعًا في البيئات الصناعية ومناولة الطعام.

وتعتمد القفازات، التي يتم إنتاجها بالكامل تقريبًا في جنوب وشرق آسيا، على إمدادات محدودة من المطاط الطبيعي، والمصانع عالية التخصص، وخبرة التصنيع المتخصصة. ولا يمكن أن يحدث تكثيف في الإنتاج بسرعة، وقد تم التحدث عن الإنتاج من قبل العلامات التجارية الموثوقة والراسخة لسنوات مقدمًا.

وسارعت الحكومات وأنظمة المستشفيات لتؤمن احتياجاتها، ورأت العشرات من الشركات المشبوهة التي تتطلع إلى جني أرباح سريعة فرصةً في ذلك.

وفي أواخر العام الماضي، طلب طارق كيرشن، رجل الأعمال المقيم في ميامي، قفازات بقيمة مليوني دولار من شركة مقرها في تايلاند تُدعى "Paddy the Room"، والتي باعها بعد ذلك إلى موزع أمريكي.

ويتذكر قائلاً: "بدأنا تلقي مكالمات هاتفية من عملاء مستائين كليًا، ويصرخون بعبارة: لقد غششتنا".

وحصل كيرشن على المنتج بنفسه عندما وصلت شحنة ثانية إلى ميامي، وقال لـ CNN: "تم إعادة استخدام هذه القفازات، وغسلها وإعادة تدويرها".

وأوضح كيرشن أن "بعضها كان متسخًا، والبعض الآخر كان عليه بقع دماء، بينما بعضها كان عليه علامات تشير إلى تواريخ من عامين"، مضيفًا: "لم أصدق عيني".

صادر نائب الأمين العام لإدارة الغذاء والدواء التايلاندية سوباترا بونسرم وأعضاء من الشرطة الملكية التايلاندية قفازات النتريل المزيفة من مستودع يعود لشركة Paddy the Room في بانكوكCredit: THAI FDA

ويقول كيرشن إنه أعاد الأموال إلى عملائه، وألقى بالقفازات في مكب النفايات، ثم أبلغ إدارة الغذاء والدواء الأمريكية في فبراير/ شباط الماضي، مؤكدًا أنه لم يتم استخدام أي من القفازات التي طلبها في الأوساط الطبية، ولكن تحليل CNN لسجلات الاستيراد أظهر أن الموزعين الأمريكيين الآخرين حصلوا على نحو 200 مليون من قفازات شركة "Paddy the Room" أثناء الجائحة.

ومن غير الواضح ما حدث لتلك القفازات بعد دخولها البلاد.

ومن جهتها، حاولت CNN الوصول إلى جميع المستوردين، ولم تستجب الغالبية العظمى، لكن قالت شركتان إن الشحنات دون المستوى المطلوب والقفازات لم تكن من نوع النتريل.

وقالت إحدى الشركات "Uweport" لـ CNN إنها لم تتمكن من إعادة بيعها إلى الشركات الطبية، كما هو مخطط له، وبدلاً من ذلك، بيعت بسعر أقل للموزعين الذين يزودون مصانع تجهيز الأغذية، والفنادق، والمطاعم الأمريكية.

وأوضحت الشركة الأخرى "US Liberty LLC"، أنها واجهت تجربة احتيال مشابهة للغاية، وقال رئيس الشركة، فراس جرار، لـ CNN، إن شركة فيتنامية مختلفة أرسلت لهم "قفازات بها ثقوب وبقع، وممزقة".

وكان شتاين، الذي يشتري معدات الوقاية الشخصية من آسيا منذ عقود، يتتبع عمليات النصب والاحتيال التي لا تُعد ولا تُحصى في جميع أنحاء جنوب شرق آسيا منذ بدء الجائحة.

وقال لـ CNN: "إنه أمر شائن يبعث على السخرية".

وغالبًا ما يجد شتاين نفسه يقدم المشورة للأشخاص الذين فقدوا ملايين الدولارات بسبب عمليات احتيال متعلقة بقفازت النتريل، ويحاول إقناع الآخرين بالتخلي عن توقيع الصفقات التي من الواضح أنها جيدة جدًا لدرجة يصعب تصديقها.

ويشرح شتاين أن الخصومات المعروضة غالبًا ما تكون مرتفعة بشكل مستحيل.

ويُعد لويس زيسكين من بين رواد الأعمال الأمريكيين الذين تعرضوا للخداع بالشراء.

ووقعت شركته "AirQueen" على طلب بقيمة 2.7 مليون دولار من "Paddy the Room"، عبر طرف ثالث مقره أيضًا في آسيا. وكان الدفع مقدمًا.

وزيسكين هو محكوم سابق قضى أكثر من عقد من الزمن خلف القضبان، بعد أن أُلقي القبض عليه وهو يقوم بتهريب المخدرات إلى الولايات المتحدة في عام 2000.

ولكن في العقد الماضي، أصبح رائد أعمال تكنولوجي ناجحًا، إلا أنه دخل بعد ذلك إلى عالم مظلم خاص ببيع قفازات النتريل.

وأكد فحص مستقل أُجري في مستودع لوس أنجلوس وتحققت منه CNN أن غالبية القفازات التي اشتراها لم تكن من نوع النتريل، ولكن من نوع اللاتكس أو الفينيل منخفض المستوى، وكان من الواضح جدًا أن العديد منها كانت متسخة ومستعملة.

ويقول زيسكين إنه لم يكن هناك من طريقة لنقل تلك القفازات إلى المستشفيات بضمير حي.

وأضاف لـ CNN: "هذه قضية تتعلق كليًا بالسلامة"، مشيرًا إلى أنه أمر صادم أن تلك الشركات لم تُدرج على القائمة السوداء.

وقد يكون ذلك لأنها عملية احتيال معقدة.

وأرسلت شركة "Paddy the Room" تقارير تفتيش مستقلة نقية إلى زيسكين تزعم أن القفازات الموجودة في الشحنة كانت عالية الجودة. ولكن الوثائق كانت مزورة.

وأكدت شركة التفتيش التي تم تزوير تقريرها لـ CNN أن التقارير مزورة.

ومثل كيرشن، دق زيسكين ناقوس الخطر من خلال إخطار السلطات الأمريكية بعد فترة وجيزة من استلامه شحنة من القفازات الرديئة في وقت مبكر من هذا العام، وتواصل مع كل من إدارة الغذاء والدواء الأمريكية، وهيئة الجمارك، وحماية الحدود بالولايات المتحدة.

ومع ذلك، أظهرت سجلات الاستيراد أن التحذيرات لم تحدث فرقًا على ما يبدو.

ومنذ تحذير زيسكين المكتوب إلى هيئة الجمارك وحماية الحدود في فبراير/ شباط الماضي، دخلت 28 شحنة مجموعها أكثر من 80 مليون من القفازات بواسطة شركة "Paddy the Room" إلى الولايات المتحدة.

كما تم تسهيل تدفق القفازات دون المستوى إلى الولايات المتحدة من خلال التعليق المؤقت لإدارة الغذاء والدواء الأمريكية للوائح الاستيراد.

وأوضح شتاين: "لم يكن هناك حل آخر، لم يكن هناك طريقة لتلبية الطلب، ولكن ذلك فتح الباب على مصراعيه لكل السلوك الشائن".

وفي بيان، قالت إدارة الغذاء والدواء الأمريكية لـ CNN إنه لم يُسمح للشركات بالاستيراد إلا بموجب القواعد المخففة، موضحة أنه "طالما أن القفازات تتوافق مع معايير الإجماع والتسمية المذكورة في الإرشادات وحيث لا تشكل القفازات خطرًا لا داعي له".

ورغم ذلك، يتم إجراء القليل من الفحوصات على القفازات أو أي عناصر أخرى تصل إلى الموانئ الأمريكية، ومن المحتمل عدم اكتشاف أي قفازات طبية مزورة أو حتى ملوثة حتى تصل إلى وجهتها.

وفي أغسطس/ آب الماضي، أرسلت إدارة الغذاء والدواء الأمريكية أخيرًا تنبيهًا إلى جميع موظفي الموانئ بأن الشحنات من شركة "Paddy the Room" يجب أن تخضع للاحتجاز دون فحص.

وكان ذلك بعد خمسة أشهر من إطلاق كيرشين وزيسكين ناقوس الخطر.

ولم تعلق إدارة الغذاء والدواء الأمريكية على تحقيقها في شركة "Paddy the Room"، ولكن مسؤولي وزارة الأمن الداخلي أكدوا أن هناك تحقيقًا جنائيًا جارياً في الشركة.

وأكدت هيئة الجمارك وحماية الحدود لـ CNN أنها صادرت حوالي 40 مليون كمامة مزيفة، ومئات الآلاف من معدات الوقاية الشخصية الأخرى.

وأشارت إلى أنها ضبطت بعض الشحنات الخاصة بالقفازات، ولكنها لم تتعقب حجم المضبوطات.

وطرحت CNN سؤالًا على وزارة الأمن الوطني عما إذا كان النظام قد فشل بالنظر إلى عدد القفازات المستعملة التي دخلت سلسلة التوريد الأمريكية.

وقال مايك روز، وكيل العمليات الخاصة للتحقيقات في وزارة الأمن الداخلي: "لا أعرف ما إن كانت هذه هي الطريقة الصحيحة لصياغة السؤال"، مضيفًا: "أعتقد أننا جميعًا نرغب في الوصول إلى نقطة حيث لا تدخل أي سلعة خطرة مقلدة إلى الولايات المتحدة، وأعتقد أننا نعمل من أجل ذلك".

وخلال الربيع الماضي، في بداية الجائحة، أطلقت وزارة الأمن الوطني ما أسمته "Operation Stolen Promise" (عملية الوعد المسروق) لقمع معدات الوقاية الشخصية المزيفة على وجه التحديد، والتي يشير روز إلى أنها كشفت أكثر من 2،000 من العلاجات ذات الصلة بـ"كوفيد-19" ومعدات الوقاية الشخصية.

وقال روز: "أعتقد أن وزارة الأمن الداخلي تعد نموذجًا يحتذى به في جميع أنحاء العالم في أفضل السبل لتنسيق الجهود بين الوكالات المختلفة لوقف الاستيراد والمعاملات وجميع الأنشطة الإجرامية الأخرى المحيطة المتعلقة بكوفيد-19".

نشر
محتوى إعلاني