الحياة بعد الموت.. ماذا روت ناجية من"كوفيد-19" بعد عبورها النفق إلى الضوء؟
دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN) -- توسّل الطبيب مريضة "كوفيد-19" بايج دينر حتى تغمض عينيها وتنام، لكنها رفضت الإصغاء إليه. كانت مذعورة.. وأجابته "إذا نمت فلن أستفيق".
وحدث ذلك في إحدى ليالي أكتوبر/ تشرين الأول 2021، عندما كانت دينر تكافح من أجل بقائها وبقاء جنينها البالغ 24 أسبوعًا على قيد الحياة. وأُدخلت وحدة العناية الفائقة في مستشفى ديلاوير بعدما تم تشخيص إصابتها بـ"كوفيد-19". وخسرت 13 كيلوغرامًا خلال 12 يومًا بعدما وضعت على جهاز التنفس الصناعي. وفي مرحلة ما قال لها الطبيب إن نسبة نجاتها المتوقعة تبلغ 5%.
وحاولت دينر تهدئة روعها عندما دخل الطبيب الغرفة. وكانت تستمع إلى موسيقى على جهازها المحمول وتشاهد برنامج للرسوم متحركة على إحدى محطات التلفزيون. لكن كل نفس تتنشقه بات مؤلمًا، ولم تتمكن من إيقاف صوت طنين آلات المراقبة لأن الطبيب طلب منها الإصغاء إليه، قائلًا: "عليك النوم"، ومتابعًا: "إذا لم تتمكن من النوم ستموتين. لا يمكنك التعافي بلا أن تستريحي".
وقاومت دينر رعبها وأغمضت عينيها. وخالت أنها النهاية.. لكن هذه كانت فقط بداية قصتها.
"تجربة الاقتراب من الموت" بنسخة "كوفيد-19"
ويمكن لجميع الأشخاص الذين قرأوا حول موضوع تجارب الاقتراب من الموت تصور ما حدث لدينر بعدها، مثل عبور نفق ترى نورًا في آخره، وسماع موسيقى سماوية، وترحيب الأحبة الذين فارقوا الحياة قبل سنوات. إنها شبيهة بالقصص التي رواها جميع من اختبروا ذلك، والتي نقع عليها في أكثر الكتب مبيعًا مثل "90 دقيقة في السماء" و"برهان الجنة".
لكن "كوفيد-19" في السنتين المنصرمتين استحدث نوعًا جديدًا من تجارب الاقتراب من الموت، رواها أشخاص مثل دينر، الذين عادوا إلى الحياة ليرَوا أعجوبة وتيرة الحياة اليومية الاعتيادية: مثل أن تكون قادرًا على تذوق وشم القهوة، وحضن طفل مجددًا، ورؤية شروق الشمس من جديد.
وتحوّل هؤلاء الأشخاص روحيًا ليس من خلال إلقائهم نظرة على مرحلة ما بعد الحياة، بل جراء ما شاهدوه في هذه الحياة، حين كانوا يكافحون للبقاء أحياء بعد معاناتهم من "كوفيد-19".
وهذا النوع من القصص لا يحصد إمكانية توثيقه في كتاب أو انتاج فيلمًا عنه. ويتواجد أشخاص مثل دينر، 41 عامًا، اختبروا هذه القصص المذهلة التي في وسعها مساعدتنا جميعًا.
وكتبت دينر على "فايسبوك" بعد فترة قصيرة من خروجها من المستشفى في ديسمبر/ كانون الأول: "أفكر غالبًا كيف أننا نتعامل مع الأمور على أنه مسلّم بها"، متابعة: بدءًا من القدرة على المشي، أو التثاؤب، والتنفس".
الملائكة تحيط بنا
وقبل أن تمرض، كانت دينر عبارة عن كتلة من الطاقة. فهي تسعى لإنهاء دراسة الدكتوراه في مجال الطب الشرقي، بعدما حصلت على شهادة جامعية في مجال العلاقات العامة. وكانت أمًّا، وصحافية سابقًا، واختصاصية تدليك تعيش بمنطقة لينكولن في ديلاوير، ومعالجة بالطاقة (ريكي). حتى أنها قطعت وسط أمريكا مرة مشيًا مع حقيبة ظهر فقط، قائلة: "كنت في ذروة طاقتي".
وأوضحت: "عندما تكون مريضًا جدًا، تكون في وضعية العجز"، مضيفة: "تعتمد على أشخاص وغرباء حتى يبقونك حيًا".
صلاة من أجل الحياة
ولم تشك دينر للحظة أنه سينتهي بها المطاف في المستشفى، فهي تلقت أول جرعة من اللقاح، وكانت على وشك تلقي الجرعة الثانية السنة الماضية عندما أصيبت بـ"كوفيد-19". وبينما كانت بين الحياة والموت في وحدة العناية الفائقة، بدأت باختبار ذهان وحدة العناية الفائقة حيث يبدأ المرضى بالهلوسة، ويرتعبون، ويفقدون الصلة بالوقت والمكان.
وقالت: "لم أكن أشعر بطفلي يتحرك، لأنني لم أكن أشعر بأي شيء"، متابعة: "خلت أنني فارقت الحياة".
وأرسلت دينر التي لا تعلم إذا كانت على قيد الحياة أم لا رسالة نصية إلى صديقها كريغ مول، وهو زميل تدليك علاجي، ومهتم بالأشكال الروحية البديلة.
وتلقى مول رسالة منها بعدما انقطعت أخبارها مدة 12 يومًا جاء فيها:"أعتقد أنني فارقت الحياة. لا أشعر بجسدي. على الأرجح أني شبح". فأجابها: "أنت على قيد الحياة. ثقي بي.. أنت تعانين منذ 12 يومًا".
وأرسل لها ترنيمة تأمل تقليدية حتى تغنيها وتهدئ من شعورها بالخوف، وجاء فيها: "أحبك. أنا آسف، سامحيني، شكرًا".
سؤال واحد لم تتمكن من الإجابة عليه
وتعافت دينر، وأنجبت طفلًا يتمتع بصحة جيدة في ديسمبر/كانون الأول، وأطلقت عليه اسم "سورن".
لكن دينر ما برحت تواجه تحديات كبرى. فهي لا يمكنها تناول طعامها، أو ربط حذائها، أو تغيير ملابس سورن، لأنها تعاني من ألم دائم في يديها. وتعاني من مشاكل في المشي، كما تحتاج إلى علاج حتى تتعلم البلع مجدّدا. وفقدت إحساسها بالتذوق والشم، وهي تخضع حاليَا لعلاج فيزيائي بشكل متواصل. وتعتمد كثيرًا على ابنتها إيزابيلا، 15 عامًا، لمساعدتها.
وقالت إيزابيلا إنه "أمر صعب. لن أكذب"، مضيفة أنه "من الصعب رؤية شخص يعاني.. لكنّني ممتنة أنها ما برحت على قيد الحياة لتطلب المساعدة".
وقد يكون جسم دينر ضعيفًا، لكن أحلامها كبيرة. فهي تملك مركزًا للتدليك ورياضة اليوغا، لكنها ترغب بالحصول على شهادة في الطب الشرقي حتى تساعد الآخرين. وتفكر بالانتقال إلى مدينة صغيرة من أجل تقديم رعاية طبية هناك.
وبالنسبة إلى دينر، لا يزال يتواجد سر فيما يخص شدة مرضها لا يمكنها الإجابة عليه: "لماذا بقيت على قيد الحياة، فيما كثر رحلوا"؟
وأكدّت: "أُعطيت فرصة ثانية للحياة. يجب عليّ عيش حياتي بطريقة تكرّم من لم يحصلوا عليها، وكل الأشخاص الذين لن يمشوا، أو يتحدثوا، أو يتنفسوا بمفردهم".