أول حالة وفاة جراء الكوليرا.. فهل لبنان على مشارف كارثة صحية وطنية؟

نشر
8 دقائق قراءة
تقرير ألين موراني
Credit: ANWAR AMRO/AFP via Getty Images

دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN) -- نام اللبنانيون على إعلان خبر وفاة طفل في الشهر الخامس من عمره جراء مرض كوليرا، أكّده مصدر مطّلع في مستشفى حلبا الحكومي بعد صدور نتائج الفحوص. واستفاقوا على واقع قد "يخرج عن السيطرة" إن لم تتحرّك الحكومة والمنظمات الدولية لاحتوائه في أسرع وقت ممكن.

محتوى إعلاني

وظهرت حالات الإصابة بمرض الكوليرا في لبنان بعد تفشيه في سوريا. واعتبر البروفسور غسان دبيبو، رئيس مركز أبحاث الأمراض الجرثومية والمعدية بالجامعة الأميركية في بيروت، في مقابلة مع موقع CNN بالعربية أن هذا الأمر كان متوقعًا، قائلًا: "وباء الكوليرا كان منتظرًا في لبنان.. فالبنية التحتية الحاضنة مهيئة لذلك منذ زمن، لا سيّما مع تردي الأوضاع الاقتصادية، والاجتماعية، والمادية".

وأضاف دبيبو: "ليس هذا فحسب، البنية التحتية جاهزة لاحتضان جراثيم أخرى، بالإضافة إلى الكوليرا. وقد عانى القطاع الصحي هذا الصيف من حالات تلوّث بالسالمونيلا، والتيفوئيد، جراء تلوث المياه بجرثومة الإشريكية القولونية".

محتوى إعلاني

وبعد القضاء على هذا الوباء في لبنان عام 1933، ها هي جرثومة الكوليرا تعود وتنتعش في مياه لبنان الآسنة. والأسباب متعددة منها بحسب ما يذكره الخبراء وأهمها: عدم معالجة مشكلة النفايات المنتشرة في كل مكان، وتلوّث مياه الاستخدام ومياه الشرب، واللجوء إلى استخدام قنوات المياه الملوثة بمياه الصرف الصحي. فضلًا عن انهيار قطاعات الدولة نظرًا للأزمة الاقتصادية التي تمرّ بها البلاد منذ أكثر من سنتين.

ورُصدت أولى حالات الكوليرا في مخيمات عدة للاجئين السوريين في منطقة عكّار، شمال لبنان، وبعدها بأسبوعين تقريبًا رصدت في مخيم للاجئين السوريين ببلدة عرسال، في البقاع.

مرض الكوليرا

أحد مخيمات اللاجئين السوريين في عكار Credit: IBRAHIM CHALHOUB/AFP via Getty Images

وأوضح دبيبو أنّ الكوليرا بكتيريا تعمل مثل السم. فهي لا تسمح للخلايا المعوية بامتصاص الملوحات في المصران، بل تفرزها في المصران ويخسرها الجسم من خلال التبرّز. وتسبّب إسهالًا قويًا وحادًا، كل نصف ساعة أو ساعة، ويصبح التبرز أشبه بمياه الرز لأن لونه يبيضّ قليلًا. وهذا الأمر يؤدي إلى جفاف الجسم في حال لم يعالج المريض بالسرعة اللازمة، وقد يتسبّب بالوفاة بنسبة تتراوح بين 30 و50%.

أما الفئة الأكثر تضرّرًا فهم الأطفال دون سن الخامسة. كما يعاني البالغون الذين تفوق أعمارهم الـ65 عامًا، من الجفاف بسرعة، نظرًا لتدني مخزون الماء في الجسم، بالإضافة إلى من يعانون عمومًا من أمراض نقص المناعة.

وتتراوح فترة حضانة المرض بين ساعات وأيام تبعًا لمستوى التلوّث الذي تعرّض له المريض.

ورأى دبيبو أنّ على المريض الإسراع بشرب كمية كافية من المصل الفموي (المؤلف من ماء وملح وسكر) من أجل تعويض السوائل التي خسرها الجسم. وفي حال لم يتمكن من شرب الكمية المطلوبة عليه التوجه لمركز صحي ليوضع له مصلًا في الوريد بغية الحد من الجفاف. وبالطبع ثمة مضاد حيوي للكوليرا، قد يخفّف قليلًا من العوارض ونسبة التفشي، لكن الحد من الجفاف أولوية. وخلال فترة أسبوع أو أسبوعين يكوّن الجسم مناعته الشخصية، ويتعافى.

ولفت إلى أنّ فترة التعافي طويلة نسبيًا، وقد تنتقل العدوى خلالها إلى عدد كبير من الأشخاص، إذا لم يتم التعقيم والتنظيف الجيد، وعزل الشخص داخل المنزل، معربًا عن عدم تفاؤله من تمكّن الحكومة من احتواء انتشار مرض الكوليرا لأنّ المشكلة متشعبة وبالتالي تحتاج إلى تضافر جهود كل الوزارات المعنية لحل مشكلة المياه الملوثة.

وقال دبيبو: "وإلا ,,أتوقع كارثة وطنية".

أما الخطوات الضرورية التي يفترض اتخاذها برأيه فهي: تأمين مياه شرب صحية، ومعالجة مشكلة الصرف الصحي، وحماية الشواطئ من المجارير حيث أن الأسماك تُعتبر مصدرًا أساسيًا لانتشار الكوليرا.

من عكار إلى البقاع..

نفوق أسماك الشبوط جراء تلوث بحيرة القرعون في البقاعCredit: JOSEPH EID/AFP via Getty Images

ولم يبقَ مرض الكوليرا محصورًا في محافظة عكّار التي تشهد انتشارًا، ما زال محدودًا، بحسب مصدر مطلّع في مستشفى حلبا الحكومي، وأوضح المصدر أنّ "عدد الحالات التي تمّت معاينتها في المستشفى تأتي من قرى وبلدات متباعدة جغرافيًا، ومن مخيمات اللاجئين أيضًا"، مضيفًا أن هذا الواقع يشي بأنّ مرض الكوليرا لم يعد محصورًا ببقعة محدّدة في عكار، بل يشهد تفشيًا على نطاق أوسع.

وفي هذا الإطار أوضح رئيس بلدية المحمّرة عبد المنعم عثمان لموقع CNN بالعربية، أنهم لحظوا انتشارًا لمرض الكوليرا في بلدة المحمّرة العكارية، وفي مخيم اللاجئين السوريين "045" المحاذي للبلدة، لافتًا إلى واقع هذه المنطقة المهمّشة منذ زمن طويل، إذ أنهم لم يطّلعوا على عدد المصابين في البلدة أو في المخيم، ولم يتبلّغوا من أي مصدر رسمي بالإرشادات الوقائية، بل حصلوا عليها من وسائل الإعلام.

وأشار عثمان إلى أنّ الناس، جراء الوضع الاقتصادي الضاغط وانقطاع الكهرباء، وارتفاع أسعار اشتراك مولدات الكهرباء، والمحروقات، لم يعد في وسعها ضخّ المياه النظيفة إلى منازلها، حتى من آبارهم الخاصة. وهذا الأمر ينسحب على البلديات التي تدنى فيها مستوى الخدمات التي تقدمها لا سيّما بالنسبة للمياه، ما دفع الناس للاعتماد بنسبة 90% على مياه الصهاريج التي يُعتبر مصدر مياهها مجهولًا.

وتمنى عثمان على الجهات والوزارات المعنية وحتى المنظمات الدولية أن "تكون على مستوى الكارثة المحدقة بنا، ذلك أن المصابين يتجولون ويمارسون حياتهم على نحو طبيعي"، لافتًا إلى أن كل ما هو مطلوب تأمين ضمان مياه آبار نظيفة بمادة الكلور من دون تكبّد توزيع فلاتر مياه على المنازل.

7 حالات مثبتة في عرسال

تلوث نهر بيروت Credit: ANWAR AMRO/AFP via Getty Images

ووصّف رئيس بلدية عرسال، باسل الحجيري، الواقع على الأرض كالتالي:

- 7 حالات مثبتة في مخيم اللاجئين السوريين في عرسال، بعد فحص فريق الترصد الوبائي 54 عينة على مرحلتين خلال 10 أيام.

- ما من حالات مرصودة في بلدة عرسال.

- بالتعاون مع الصليب الأحمر الدولي، تجوب فرق للتوعية بلدة عرسال والمخيم.

- التواصل مع المنظمات الدولية لزيادة كمية المياه الصالحة للاستخدام والشرب فضلًا عن توزيع مادة الكلور.

- تأليف لجنة تضم منظمات عدة.

ورأى الحجيري، في مقابلة مع موقع CNN بالعربية أنّهم ما برحوا "في المرحلة الأولى من تفشي المرض، وأنه ما زال تحت السيطرة. وفي حال تفاقم الوضع فإن ذلك يستدعي تدخلًا من قبل الدولة وأكثر للتعامل مع المرض، لأننا سنحتاج إلى مستشفيات ميدانية او متخصصة وسواها"، مؤكدًا أن "المصابين في المخيم هم من المخالطين".

وذكر رئيس بلدية عرسال أن "انتشار البكتيريا في عرسال يرجّح أنها مستوردة وليست ناشئة، إما من خلال أشخاص عبروا الحدود أو أتوا من مخيمات أخرى، أو من خلال نقل المواد الغذائية من عكار إلى البقاع".

وعن الخطوات العملية التي يفترض القيام بها حاليًا، أشار الحجيري إلى ضرورة إعادة تشغيل بئر وادي السويد المعطّل والذي يحتاج إلى صيانة من قبل مؤسسة مياه البقاع.

نشر
محتوى إعلاني