اكتشاف بقايا رجل خضع لجراحة دماغية قبل 3 آلاف عام
دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN)-- عندما اكتشف علماء الآثار في إسرائيل موقع دفن شقيقين عاشا خلال القرن الـ15 قبل الميلاد، فوجئت المجموعة بخضوع أحدهما لعمليّة جراحيّة في الدّماغ قبل وفاته بوقتٍ قصير.
ويمثّل هذا الاكتشاف أقدم مثال على عمليّة "ثقب الجمجمة"، وهي جراحة دماغيّة وجدت في الشّرق الأدنى القديم.
وتنطوي هذه العمليّة على عمل ثقب في الجمجمة، وتوجد أمثلة تعود إلى آلاف الأعوام لهذا الإجراء الطبّي.
وعُثِر على رفات الشقيقين، اللذين عاشا خلال العصر البرونزي بين العامين 1550 و1450 قبل الميلاد، أثناء التّنقيب بمقبرة في مدينة تل مجيدو القديمة.
وتمتّع الأخ الأكبر، الذي يُقدَّر عمره بين 20 و40 عامًا تقريبًا، بثقب مصنوع على شكل زاوية.
وتم قطع فروة رأسه، والقيام بأربعة خطوط متقاطعة على العظم الأمامي للجمجمة باستخدام أداة حادّة، وشكّل ذلك ثقبًا مربّع الشّكل، بلغت أبعاده 30 مليمترًا.
ونُشِرت دراسة مفصّلة للنّتائج الأربعاء في مجلّة "PLOS ONE".
وفي بيان، أفادت مؤلفة الدّراسة، راشيل كاليشر أنه "لدينا دليل على أن ثقب الجمجمة كان نوعًا من الجراحات العالميّة واسعة الانتشار منذ آلاف الأعوام".
وكاليشر طالبة مرشّحة لنيل درجة الدكتوراه من معهد "جوكوسكي" للآثار والعالم القديم في جامعة "براون" برود آيلاند.
ومن الغريب أنّ القطعة العظميّة التي أُزيلت من الجمجمة وُضعت في القبر، ولكنّها لم تكن الاكتشاف الوحيد غير المعتاد حول الأشقّاء أثناء دراسة الباحثين للعظام.
أخوان من العصر البرونزي
وكانت مدينة تل مجيدو جزءًا من مسار يُدعى "Via Maris" قبل 4 آلاف عام.
وربط هذا الطّريق البرّي المهم بين مصر، وسوريا، وبلاد ما بين النهرين، والأناضول، وفقًا للمؤلّف المشارك في الدّراسة، ومدير كلية الآثار والثقافات البحرية بجامعة حيفا، إسرائيل فينكلشتاين.
وسيطرت تل مجيدو على جزء من هذا الطريق التجاري، ما جعلها مدينة غنيّة مليئة بالقصور، والمعابد، والحصون.
وقال فنكلستين: "من الصّعب المبالغة بتقدير الأهمية الثقافيّة والاقتصاديّة لمجيدو في أواخر العصر البرونزي".
وعُثِر على المقبرة في منطقة مجاورة لقصرٍ من أواخر العصر البرونزي في تل مجيدو، ما دفع الباحثين بالاعتقاد أنّ الأشقاء كانا إمّا من أفراد النّخبة رفيعة المستوى في المجتمع، أو حتّى من أفراد العائلة المالكة.
وكشف اختبار الحمض النووي أنّه كانت تربطهما صلة قرابة، ومن المرجّح أن يكونا أشقّاء.
وتم دفنهما مع الفخار، والطّعام، وممتلكات قيّمة أخرى تشبه تلك الموجودة في المقابر المحليّة الأخرى لأصحاب المكانة العالية.
وخلال حياتهما، عانى كلاهما من أمراض شديدة.
وتجسّدت علامات المرض في الهياكل العظمية عبر آفات واسعة النّطاق أشارت إلى حالات مزمنة ومنهكة.
ولكن تمكّن كلاهما من البقاء على قيد الحياة لأعوام عديدة رُغم المرض.
وقالت كاليشر: "من الواضح أنّ الإخوة عاشا بظل ظروف مرضيّة شديدة جدًا كان من الصعب تحمّلها في هذا الوقت من دون ثروة ومكانة".
كما أنّها أضافت: "إذا كنت من النخبة، فربما لن تكون مضطرًا إلى العمل بالقدر ذاته. وإذا كنت من النخبة، فربما يمكنك تناول نظام غذائي خاص. وإذا كنت من النخبة، فربما يمكنك النّجاة من مرضٍ شديد لإمكانيّة الوصول إلى الرّعاية ".
وتوفّي الأخ الأصغر في سن المراهقة أو أوائل العشرينيّات من عمره نتيجة لمرض معدٍ مثل السل أو الجذام.
ووفقًا لما ذكره الباحثون، تمتّع الأخ الأكبر بضرسٍ إضافي، ولذلك من المحتمل أنّه عانى من حالة وراثيّة مثل خلل التّعظم الترقوي القحفي الذي يؤثّر على الأسنان والعظام.
ولم يتعرّف الباحثون على سبب حاجة الأخ الأكبر لإجراء عملية ثقب الجمجمة.
واستُخدمت هذه العمليّة لتخفيف الضّغط في الجمجمة، أو علاج أعراض الصّرع، والتهاب الجيوب الأنفيّة.
وذكرت كاليشر أنّ النّصوص القديمة من بلاد الرافدين، أشارت أيضًا إلى أن العمليّة ربما كانت "لمعالجة حالات خارقة وأخرى غيبيّة".
وبغض النّظر عن سبب خضوعه للعمليّة، توفي الأخ الأكبر في غضون أيام أو ساعات بعد ذلك بناءً على غياب علامات شفاء العظام أثناء القيام بتحاليل.
التعمّق في الحالات الطبيّة من الأزمنة القديمة
وتبقّت الكثير من الأسئلة بعد دراسة عظام الأخوين، بحسب ما ذكره كاليشر.
وبينما تشير الأدلة الهيكليّة إلى إصابتهما بالجذام، إلا أن هناك حاجة لإجراء المزيد من الأبحاث لاتّخاذ تشخيص واضح.
وفي حال كشف تحليل الحمض النووي عن بكتيريا تتوافق مع الجذام، فمن المحتمل أنّهما عانيا من واحدة من أولى الحالات الموثّقة لهذا المرض.
كما ذكرت كاليشر أنها تشعر بالحيرة أيضًا بشأن سبب وضع القطع التي اُزيلت من جمجمة الأخ الأكبر في قبره.
وسبق أن عُثِر على مثالين آخرين لهذا الأمر في إنجلترا وبيرو فقط.
وهناك أسئلة أكبر يود الباحثون معرفة إجاباتها بشأن عمليّة ثقب الجمجمة، مثل سبب صنع بعض الثّقوب بشكلٍ دائري، بينما تتخذ الثّقوب الأخرى الشكّل المربّع أو المثلّث.