بعد "فضيحة" أدت لسجن طبيب صيني.. كيف تطورت تقنية تعديل الجينات البشرية؟
دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN)-- عانت فيكتوريا غراي (37 عامًا)، وهي من ولاية ميسيسيبي الأمريكية، من موجات الألم لغالبية فترات حياتها.
وأُصيبت غراي، وهي وأم لأربعة أطفال، بمرض فقر الدم المنجلي منذ ولادتها.
وعطّلت الإقامات الطويلة في المستشفيات والإرهاق طفولتها، ما أجبرها على ترك دراستها الجامعية، وتناول مسكنات قوية مُسبِّبة للإدمان.
وخلال القمة الدولية الثالثة لتعديل الجينوم البشري في العاصمة البريطانية لندن هذا الشهر، قالت غراي: "كان الألم الذي شعرت به في جسمي أشبه بضربة صاعقة وصدمة قطار شحن في الوقت ذاته".
وفي عام 2019، تلقت غراي علاجًا تجريبيًا للمرض الوراثي باستخدام تقنية لتعديل الجينات تُدعى "CRISPR-Cas9"، والتي سمحت للأطباء بإجراء تغييرات دقيقة للغاية على حمضها النووي.
ورغم أنّ الإجراء كان مُرهِقًا، مع استغراقها فترة تتراوح بين 7 إلى 8 أشهر للتعافي تمامًا، إلا أنّها أكّدت أنّه غيّر حياتها، قائلة: "أشعر أنني شُفيت الآن حقًا".
وبينما اضطرت إلى الاعتماد على مقدّم رعاية في المنزل لمساعدتها في الاستحمام، وتنظيف المنزل، ورعاية أطفالها، لكنها أوضحت: "أفعل كل هذه الأشياء بمفردي الآن".
وشاركت غراي تجربتها مع الأطباء، والعلماء، والمناصرين للمرضى، وخبراء الأخلاقيات الحيوية الذين اجتمعوا في العاصمة البريطانية لندن لحضور قمة تعديل الجينوم البشري.
وخلال القمة، أبلغ المشاركون عن التقدم المحرز في هذا المجال، وناقشوا القضايا الأخلاقية الشائكة التي تطرحها هذه التكنولوجيا المتطورة.
وأوضحت غراي لـCNN: "أنا هنا حقًا لأكون منارة، لأن هناك مشاعر مختلطة حول تعديل الجينات. وأعتقد أنّه يمكن للأشخاص رؤية النتيجة الإيجابية لهذا الإجراء".
فضيحة تعديل الجينات
وتناقضت قصة غراي المُشجِّعة، والتي لقيت ترحيبًا حارًا من الجمهور، مع عرض تقديمي عُرِض في آخر مرّة عُقد فيها المؤتمر بهونغ كونغ خلال عام 2018.
وآنذاك، أذهل الطبيب الصيني، هي جيانكوي، نظرائه والعالم بكشفه عن أول الأطفال المعدلين جينيًا في العالم.
ونمت الفتاتان من أجنّة قام بتعديلها باستخدام تقنية "CRISPR-Cas9"، والتي قال إنّها ستجعلهما تقاومان فيروس نقص المناعة البشرية (HIV).
وتمت إدانة عمله على نطاق واسع من قبل المجتمع العلمي، والذي انتقد التجربة باعتبارها غير ضرورية من الناحية الطبية، وغير مسؤولة أخلاقيًا.
وحُكم عليه بالسجن لثلاثة أعوام في عام 2019.
ولا تزال الأسئلة حول فضيحة الطفلتين مستمرة بعد أكثر من 4 أعوام.
وبعد إطلاق سراحه من السجن مؤخرًا، قيل إن الطبيب الصيني يسعى لمواصلة عمله.
وشدّدت الصين قوانينها بشأن الأبحاث الطبية الحيوية التجريبية منذ عام 2018، ولكنها لم تذهب إلى مدى بعيد بما فيه الكفاية، بحسب عالمة الاجتماع الطبي بجامعة "كِنت" في المملكة المتحدة، جوي زانغ.
وخلال المؤتمر، أوضحت زانغ أنه "لا تزال الحوكمة الأخلاقية المُطبّقة محصورة في المؤسسات الطبية، والعلمية، والتعليمية التقليدية. وتفشل الإجراءات الجديدة في معالجة كيفية مراقبة البحوث الممولة من القطاع الخاص وغيرها من المشاريع".
الآمال والمخاوف بشأن تعديل الجينات
ورغم أن فضيحة الأطفال شوهت سمعة التكنولوجيا، إلا أن تقنية "CRISPR-Cas9" والتقنيات المتعلقة بها تمتّعت بتأثيرٍ كبير على الأبحاث الطبية الحيوية.
وفي عام 2020، فاز العالمان وراء هذه الأداة، وهما إيمانويل شاربنتير وجنيفر أ. دودنا، بجائزة "نوبل" لعملهما.
وفي خطاب بالفيديو، قالت دودنا في المؤتمر: "تُظهر نتائج التجارب السريرية أن تقنية CRISPR آمنة وفعالة في علاج الأمراض التي تصيب الإنسان. وهو تَقدُّم استثنائي نظرًا لأن عمر التكنولوجيا يبلغ 10 أعوام فقط".
وإلى جانب تجربة الخلايا المنجلية التي شملت غراي، تُعد العديد من التجارب السريرية جارية أيضًا لاختبار سلامة تعديل الجينات في علاج العديد من الحالات الأخرى، بما في ذلك اضطراب دم ذو صلة يُدعى "ثلاسيميا بيتا"، وسرطانات الدم مثل اللوكيميا، وسرطان الغدد الليمفاوية، ومرض السكري من النوع الأول، وفيروس نقص المناعة البشرية/الإيدز.
ويعمل الحمض النووي كدليلٍ إرشادي للحياة على كوكبنا، ويمكن لتقنية "CRISPR-Cas9" استهداف مواقع في الخلايا النباتية والحيوانية باستخدام مرشد "RNA" لإيصال إنزيم "Cas-9" إلى مكان أكثر دقّة على شريط من الحمض النووي.
ويسمح ذلك للعلماء بتغيير الحمض النووي عبر التّخلص من جينٍ معيّن، أو إدخال مادة وراثية جديدة في موقع محدد مسبقًا في الشريط.
والحد التالي لهذه التقنية، والذي يعتبره الكثيرون خطًا أحمر، هو تعديل الجينات القابلة للتوريث، أي تغيير المادة الوراثية في الحيوانات المنوية البشرية، أو البويضات، أو الأجنة بحيث يمكن نقلها بأمان إلى الجيل التالي.
ويتمثل الهدف بمنع الأطفال من وراثة الأمراض الجينية.
وفي بيان صدر في ختام المؤتمر، قال المنظمون إن "تعديل الجينوم البشري القابل للتوريث، لا يزال غير مقبول في هذا الوقت".
الوصول إلى العلاج
ويخلق الأمل الذي يوفّره العلاج الجيني نقاشات أخلاقية جديدة حول من يمكنه الوصول إلى علاجات كهذه.
ومن المرجّح أن يكلف العلاج الذي تلقته غراي، والذي من المتوقع أن يحصل على الموافقة التنظيمية قريبًا، أكثر من مليوني دولار للشخص الواحد، ما يجعله بعيدًا عن متناول العديد من الذين يحتاجون إليه في الولايات المتحدة والبلدان منخفضة الدخل.
وفي جميع أنحاء العالم، يولد أكثر من 300 ألف طفل لديهم إصابة بمرض فقر الدم المنجلي كل عام.
ويعيش أكثر من 75% منهم في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، حيث تكون برامج الفحص وخيارات العلاج محدودة.