لماذا يدخن الفقراء بشراهة؟
دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN) -- تلتقط كريستال أر. صورا لحيها كجزء من مشروع الشهود على الجوع. ومن بين الصور الصادمة، أكوام القمامة، والأراضي المهجورة، والأسوار والأسلاك الشائكة. أما الإعلانات الكبيرة للأسعار الخاصة للسجائر فتظهر أمامها كأنما تحييها في طريقها لشراء الطعام.
ووجدت دراسة حديثة تتضمن البيانات الاتحادية للقياسات الصحية للسكان أن التدخين ينخفض بمعدل سريع في المجتمعات الأكثر ثراء. أما معدل التدخين فيبقى كما هو، بين الفقراء والطبقة العاملة، ما يؤدي إلى زيادة إدمان الناس في المجتمعات الفقيرة.
وقد يبدو من السهل أن نلقي اللوم على الناس الفقراء، باتخاذ قرارات خاطئة. لكن الأمر الأكثر تعقيدا من ذلك، يتمثل بأن شركات التبغ تستهدف هذه المجتمعات لتشجيع هذه العادة، خصوصاً أن ضغوط العيش في الفقر والشعور باليأس قد يدفع بعض الأشخاص إلى التدخين.
أما مشروع الشهود على الجوع، فيعمل مع خبراء حقيقيين، ومن بينهم الأمهات ومقدمي الرعاية للأطفال الصغار الذين أصبحوا جياعا، ويعيشون في الفقر.
وكما الأطباء نحن نعلم كيفية تحديد أعراض المرض، مثل السعال، الذي يخفي مرضاً أكثر خطورة مثل الالتهاب الرئوي. وبينما نحن لا نواجه هذا النوع من السعال بالأدوية المخففة فقط، إنما أيضاً نعالج العدوى الكامنة بالمضادات الحيوية.
وفي هذه الحالة، فإن الفقر قد يكون بمثابة أعراض المرض، نظرا لمدى التوتر المزمن للفقر والذي يسبب السلوكيات غير الصحية. وهذه عوامل يجب معالجتها قبل العمل على خفض ظاهرة التدخين بشكل كبير في المجتمعات.
وتجدر الإشارة، إلى أن شركات التبغ تستهدف الأحياء ذات الدخل المنخفض من خلال المزيد من إعلانات السجائر، وعدد أكبر من اللوحات الإعلانية، واللافتات الكبيرة. وتستهدف شركات التبغ بشكل خاص الشباب في الأحياء الفقيرة، فضلاً عن بيع السجائر بشكل أرخص في المجتمعات الفقيرة.
كذلك، تشكل المصاعب الاقتصادية مثل الجوع، والسكن غير المستقر مشاكل مرهقة بالنسبة غلى الأطفال. وترتبط الظروف القاسية في الطفولة بالسلوكيات غير الصحية لدى الأطفال في وقت لاحق، وخصوصاً التدخين. ووجدت دراسة تابعة لجامعة "ديوك" أن "المخاوف بشأن دفع الفواتير أو الحاجة إلى بيع الممتلكات بسبب الحاجة إلى المال، فيؤدي إلى تقهقر ضبط النفس لدى الطفل، ما يتسبب بدوره في زيادة ظاهرة التدخين.
أما النساء فيقلعن عن التدخين بمعدل أقل من الرجال. ولكن النساء اللواتي يتعرضن لسوء معاملة سواء جسديا أو نفسيا على أيدي شركائهن في كثير من الأحيان فيدخن أكثر للتعامل مع حياتهم الصعبة. ويعتبر لافتاً للنظر الارتباط بين التعرض للعنف والتدخين ويمكن رؤيته لدى النساء ذات الدخل المنخفض والفئات الاجتماعية والاقتصادية الأعلى.
أما الأمهات العازبات في الأحياء الفقيرة فهن أكثر عرضة لتجربة "الخطر المزدوج"، بسبب عبء مسؤولية رعاية الأطفال إلى جانب العزلة الاجتماعية والتوتر المزمن المرتبط بالفقر. أما التدخين فيمكن أن يكون استراتيجية موثوق بها لتخفيف تلك الأعباء.
وقد عملت برامج الصحة العامة بشكل واضح مثل الضرائب المفروضة على التبغ والأماكن العامة الخالية من الدخان والسكن في الحد من معدلات التدخين، ولكن يبدو أن المجتمعات الأكثر فقرا يجري التغاضي عنها.
ويعتبر التدخين السبب الأساسي للوفيات التي يمكن تجنبها في الولايات المتحدة، إذ أنه يسبب سرطان الرئة وأمراض القلب والتهاب الشعب الهوائية وانتفاخ الرئة وأزمات صحية مكلفة تضاف على مشاكل الفقراء.
ولمنع التدخين والحفاظ على الشباب من التدخين، فالأمر يستغرق أكثر من توجيه رسائل الصحة العامة. ويتطلب تغيير السياسات الاقتصادية لتحسين ظروف عيشنا. ويحتاج الناس إلى وظائف ذات أجر مرتفع ومجتمعات آمنة للحد من التوتر الذي كثيرا ما يكمن وراء انتشار ظاهرة التدخين.
* بقلم ميغان ساندل ورينيه بوينتون-جاريت أطباء الأطفال والأساتذة المساعدين في طب الأطفال في كلية الطب في جامعة بوسطن.
المقال يعبر عن وجهة نظر كاتبه، ولا يعكس بالضرورة وجهة نظر CNN.