بشار جرار يكتب عن إقحام الدين والسياسة في مونديال روسيا: الكرة مازالت في ملعبنا
هذا المقال بقلم بشار جرار، متحدث ومدرب غير متفرغ مع برنامج الدبلوماسية العامة - الخارجية الأميركية، والآراء الواردة أدناه تعبر عن رأي الكاتب ولا تعكس بالضرورة وجهة نظر شبكة CNN.
هذا هو ثاني مونديال منذ "الربيع العربي" والأول منذ انكشاف أمره. الكرة مازالت في ملعبنا، فماذا ترانا فاعلين؟ هل نتعلم أن الرياضة عالم قائم بذاته فلا نقحم الدين والسياسة فيه؟ تشجيعي للفريق الروسي بمباراة الافتتاح لا يعني أكثر من دعمي للدولة المضيفة واللعب الروسي الجميل من وجهة نظري الرياضية. تأييدي لمن صوّت لملف أميركا في مونديال ٢٠٢٦ لا يعني انحيازا لمواطنيتي الأميركية، دعمي للمنتخب المصري لا يعني حبي "لأم الدنيا" أكثر من وطني الأم الأردن الذي لم يحالفه الحظ بالوصول ولا مرة واحدة إلى المونديال.
أعلم وقد عشت وعملت في ثلاث قارات، أن السمة الغالبة للمشجعين الرياضيين هي الحماسة والانحياز لفريقهم المفضل. أدرك تماما حجم مشكلة تعصّب البعض وتطرف القلة في ذلك الانحياز لدرجة اقتراف أعمال شغب وعنف يندى لها الجبين. لكني نادرا ما عرفت دخول الانتماء الديني والطائفي والمذهبي والعرقي كمعيار مفاضلة عند التقاء الجمعين في الميدان! يا ناس هذه رياضة لا أكثر ولا أقل. الغاية منها الفرح والنشاط. كثير من البهجة والنشوة وقليل من التثبيط والإحباط.
قد يهمك أيضا: روسيا ترد على مخاوف من انتشار ظاهرة "الأم العزباء" بعد المونديال
لازلت أذكر اسم أول صديق لي في الحياة، خسرته في مباراة كرة قدم. شجعت يومها المنتخب الكويتي كوني كويتي المولد، وشجع روني منتخب بلده الأصلي إيران. هالني وأنا ابن الست سنوات مظاهرة شغب شهدتها تلك المباراة. من وحدات وفيصلي، إلى برشلونة وريال مدريد، باتت ميادين الكرة محكا لمعادن الناس ووعيهم. هل يحبون الرياضة ويعشقون الساحرة المستديرة أم يستترون خلفها؟
نأمل بيوم تنجح فيه الأسرة والمدرسة قبل المجتمع والدولة، في تنشئة روح رياضية لدى الأطفال. أطفال تكبر لتؤمن بروح الفريق لا البطل الأوحد. فريق يؤمن بـ "نحن" لا بالـ "أنا"، ومن ثم فرد وفريق يؤمن بنحن جميعا ولا بـ "نحن مقابل هم".
كذلك: وزير رياضة المغرب السابق: وجود ترامب يساعدنا
من المظاهر الأخرى اللافتة، الممارسات غير الرياضية في متابعة التصفيات الرياضية. وقد أبدع رسامو الكاريكاتور في الحديث عن هذه المفارقة. ترى عشاق الكرة متابعين بشغف وقد شدوا الأنفاس من سجائر وأراجيل والكارثة المعروفة باسم الفيب، الطعم الجديد الذي بات يفترس صحة اليافعين استدراجا لعالم أكثر خطورة من السميّة والإدمان.
أخيرا، وهي الطامة الكبرى، نظريات المؤامرة، التي بدأت تعشعش في نفوس قدامى المشجعين مستعرضين الضربات الجوية والصاروخية التي توجهها الدول المتربصة بأحداث المونديال الكبيرة في غفلة من الرأي العام الدولي. المأمول هو العكس تماما، فمن أسمى غايات الرياضة والمناسبات الرياضية العالمية هي المحبة والسلام. هاتان القيمتان والغايتان النبيلتان هما عارضتا الهدف اللتان لا بد لنا من تسجيل أهدافنا بينهما.. الكرة في ملعبنا يا أحبة. فتعالوا نتسامى ولو لتسعين دقيقة عن كل ما يقسمنا ويفرقنا كبشر. كلنا عيال الله ومن حقنا الاستراحة واللعب قليلا. اللعب النظيف الذي ينتهي بصافرات الربح الذي لا خسارة فيه..