توني كروس في المشهد الأخير.. لعب بهدوء "عازف بيانو في عشاء رومانسي" وأثار عواصف جدل داخل وخارج الملعب

نشر
7 دقائق قراءة
تقرير عبيدة نفاع
Credit: Alexander Hassenstein/Getty Images)

(CNN)-- يُقال إن الوصول إلى القمة صعب والحفاظ عليها أصعب، ولكن كيف يوصف من يصل إلى القمة ويُحافظ عليها ويُنهي مسيرته من عليائها؟ عندها يكون اللاعب زين الدين زيدان أو توني كروس، لأنهما من اللاعبين القلائل الذين قرروا إنهاء مسيرتهم الكروية دون التفكير باللعب بدوريات أقل جودة من التي ينشطون فيها في نهاية مشوارهما الكروي. 

على خطى زيدان

محتوى إعلاني

أعلن كروس اعتزاله كرة القدم بنهاية الموسم وهو في عمر الـ34 عاما ويُقدم أحد أفضل مواسمه عبر تاريخه الكروي الحافل بالإنجازات، على أن يلعب آخر مباراة له مع ريال مدريد في نهائي دوري أبطال أوروبا مطلع الشهر المقبل، وأن يخوض بطولته الأخيرة في كأس أمم أوروبا منتصف يونيو/حزيران المقبل. 

وعندما نستذكر لاعبين اعتزلوا وهم في قمة مجدهم يتصدر اسم الفرنسي زين الدين زيدان القائمة، إذ اعتزل زيدان كرة القدم عام 2006 بعد أن قاد فرنسا لنهائي كأس العالم في ألمانيا، وخاض مباراته الأخيرة على مستوى الأندية أمام فياريال. 

ولعل التشابه في نهاية قصتيهما لم يأت صدفة، إذ كان زيدان أكثر من وصف شخصية كروس داخل وخارج الملعب بدقة، وهو الذي قال عنه في عام 2020: "توني لا يتحدث كثيرا، إنه شاب هادئ ومحافظ ولا يتحدث إلا حينما يحتاج لذلك"، وتابع: "لقد رأيت العديد من المحادثات التي كانت مشاركاته فيها محورية"، حسبما نقلت عنه صحيفة "ماركا" المقربة من الريال. 

وعن أدائه داخل الملعب، لخص المدرب، الذي قاد كروس لخمسة مواسم، خصائص النجم الألماني بالقول: "يستطيع اللعب كلاعب رقم 6 أو كصانع ألعاب أو كلاعب وسط تقليدي"، وأردف: "ميزته الرئيسية هي الهدوء، لا يتوتر أبدا". 

"منافس شرس"

بهذه العبارة وصف المدرب الإسباني لنادي مانشستر سيتي حاليا وبايرن ميونخ وبرشلونة سابقا، بيب غوارديولا، لاعب الوسط الألماني، الذي دربه لموسم واحد مع البايرن، في إحدى مقابلاته التلفزيونية. 

وقال بيب إن ما يُميز كروس "هو أنه يعشق اللعبة... يلعب كرة القدم بشغف"، وأردف: "يمكنه أن يلعب في الحر والبرد والأمطار والرياح"، وأشار إلى أن توني يلعب نهائي دوري أبطال أوروبا والدور الأول في الكأس بألمانيا أو إسبانيا بنفس الشغف والفاعلية. 

ويبرز الأداء الذي قدمه توني كروس هذا الموسم مع الريال، حقيقة أنه لاعب مختلف، إذ يتصدر قائمة صانعي اللعب في الفريق الملكي بـ8 أهداف متفوقا على نسبة الأهداف المصنوعة المتوقعة منه والتي بلغت 5.73، ويُعتبر ثاني أعلى لاعبي الريال تقييما حسب منصة "سوفا سكور" خلفا للإنجليزي جود بيلينغهام. 

الشخصية الجدلية

ربما كانت شخصية كروس في آخر عامين جدلية بالنسبة لعدد من الجماهير إذ تلقى صافرات استهجان أثناء مشاركته مع ريال مدريد في السوبر الإسباني الذي أُقيم في السعودية وذلك بسبب تصريحات سابقة له انتقد فيها اللاعبين الذين اختاروا إكمال مسيرتهم في الأندية السعودية. 

كما أثار توني غضب الجماهير القطرية بسبب انتقاده إقامة كأس العالم 2022 في قطر، ما وضع علامات استفهام كبيرة في المنطقة العربية عموما حول شخصيته وعرضه لموجات من الانتقادات. 

القاتل الصامت

لا تكمن أهمية كروس بالمسافات التي قطعها في المباريات أو بالسرعة أو بالقوة البدنية أو بالصراعات الثنائية، بل إنه يلعب كرة القدم بهدوء عازف بيانو في عشاء رومانسي. 

لكن هذا الهدوء سرعان ما يتحول إلى سم قاتل بالنسبة للخصوم حين يُمرر كرة يكسر بها خطوط الخصم لتصل إلى أحد المهاجمين كأنها هدية عيد الميلاد، وكان آخرها تلك الهدية التي قدمها لفينيسيوس جونيور في ذهاب نصف نهائي دوري أبطال أوروبا أمام بايرن ميونخ. 

فاعلية كروس تجعله أحد أخطر لاعبي الوسط في العالم فقدراته لا تقتصر على صناعة اللعب المباشر فحسب، بل يُساهم في تمريرات مفتاحية حاسمة تؤدي في نهاية المطاف إلى أهداف، إذ قدم هذا الموسم نسبة تمريرات مفتاحية في المباراة بلغت 1.9، بالإضافة إلى قدرته على التسجيل في اللحظات الصعبة عبر تسديدات أرضية قوية تسكن الزوايا الضيقة. 

أحد أضلاع مثلث الرعب

قد لا يختلف كثيرون على أن شراكة كروس مع لوكا مودريتش وكاسيميرو في منتصف الملعب كانت الأفضل في تاريخ خط وسط ريال مدريد عبر تاريخه الطويلة، وربما من الأفضل في التاريخ. 

هذه الثلاثية حصدت أربعة ألقاب في دوري أبطال أوروبا والعديد من البطولات الأخرى تحت قيادة المدربين زين الدين زيدان وكارلوش أنشيلوتي. 

وفقد هذا المثلث أحد أضلاعه مطلع موسم 2022-2023 برحيل كاسيميرو إلى مانشستر يونايتد وسيفقد الضلع الثاني وهو توني كروس بنهاية الموسم الحالي في حين من المرتقب أن يترجل الفارس الكرواتي، لوكا مودريتش الموسم المقبل، عن حصانه ويرحل عن قلعة البرنابيو. 

وتبقى الذكريات

مع اعتزال لاعبي كرة القدم تبقى الذكريات حية في أذهان العشاق ولعل الإرث الأبرز الذي يُقدمه اللاعب للمشجع هي تلك اللقطات التي سيرجع يوما ما ويشاهدها مبتسما بعد يوم عمل شاق أو في لحظة هبوط في المعنويات. 

يترك كروس خلفه إرثا كرويا عظيما، بدأه بلقب دوري أبطال أوروبا عام 2013 مع بايرن ميونخ ثم الفوز بكأس العالم 2014 وهدفه التاريخي في مرمى البرازيل بمباراة السباعية، إلى جانب دوره الكبير في تتويج الريال بثلاثة ألقاب متتالية لدوري الأبطال ومرورا بالهدف الأسطوري أمام السويد في كأس العالم 2018 وصولا إلى التتويج بلقب الأبطال عام 2022 ثم قيادة الفريق إلى نهائي دوري الأبطال في "ويمبلي" هذا الموسم. 

وأمام النجم الألماني فرصة لترك بصمتين جديدتين خالدتين، إحداهما قد تكون في نهائي الأبطال أمام دورتموند وثانيهما في كاس أمم أوروبا الذي تستضيفه بلاده في الصيف... فكيف يعتزم كروس رسم المشهد الأخير؟

نشر
محتوى إعلاني