آخر فتيات "الغيشا" في طوكيو يتشبثن بمهنة آخذة في الاختفاء

نشر
6 دقائق قراءة

دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN) -- ترتدي صندل بكعب عاٍل ورداء كيمونو طويل، تمشي إيكوكو عبر الغرفة كما لو كانت توازن كوبًا من الماء فوق رأسها، وتحدق في جدار من الصور القديمة داخل منزل لفتيات الغيشا في منطقة أكاسكا، بطوكيو.

محتوى إعلاني

وفي إحدى الصور، تظهر وهي ترقص مرتديًة رداء كيمونو وردي نابض بالحياة، وتمسك بمظلة شبه مفتوحة وهي تحدق بخفة أمام الكاميرا. وفي صورة أخرى، تجلس برشاقة وهي تحمل مروحة مغلقة على حجرها.

محتوى إعلاني

ويُطلب من فتيات الغيشا أن يبقين غير متزوجات، ولكن يمكنهن مزاولة المهنة طالما يردن ذلك دون التقاعد. لذا حتى الآن، وهي تبلغ من العمر 80 عامًا، فإن إيكوكو ليست فقط رئيسة لجمعية أكاساكا لفتيات الغيشا، بل فتاة غيشا أيضًا.

إيكوكو، ممارسة ورئيس جمعية أكاساكا لفتيات الغيشا.Credit: Selina Wang/CNN

وجاءت إيكوكو إلى طوكيو لأول مرة في عام 1964، وهو العام الذي استضافت فيه المدينة الأولمبياد. وفي ذلك الوقت، كانت هناك 400 فتاة من فتيات الغيشا في منطقة أكاساكا، حسبما قالته. 

واليوم، هناك 21 فتاة غيشا متبقية فقط، وهو انخفاض انعكس في جميع أنحاء البلاد.

وتُعد فتيات الغيشا بمثابة جزء من مهنة سرية، فهن يعملن كمضيفات وفنانات ماهرات في الفنون اليابانية التقليدية.

تحضيرات وراء الكواليس لفتيات الغيشا Credit: Selina Wang/CNN

وداخل المطاعم التقليدية الفاخرة المسماة "ريوتي"، يقمن بالعزف على آلة "الشاميسين" والرقص، والغناء، ويستضفن حفلات الشاي، وتاريخيًا، كان بإمكان الضيوف الحصريين فقط أو أولئك الذين لديهم علاقات شخصية أو تجارية، عادةً من الرجال الأثرياء، دخول تلك الحفلات.

وأتقنت فتيات الغيشا فن المحادثة، إذ قدمن خطابات بارعة بينما حافظن على تدفق المحادثة، ووفقًا لهيسافومي إيواشيتا، الأستاذ في جامعة كوكوجاكوين والخبير في ثقافة الغيشا، كانت مآدب الغيشا، وخاصة في طوكيو، مكانًا لمفاوضات تجارية جادة ومناقشات سياسية مغلقة.

تنحني مايو وماكي أمام إيكوكو قبل أن تشقا طريقهما للعلن في حفلة يستضيفها العملاء أثناء جائحة فيروس كورونا في يونيو/ حزيران 2020Credit: Kim Kyung-Hoon/Reuters

ولكن منذ حوالي منتصف القرن العشرين، بدأ رجال الأعمال والقادة يفقدون الاهتمام بمآدب الغيشا، المسماة "أوزاشيكي"، وبدلاً من ذلك قاموا بالترفيه عن عملائهم وضيوفهم في أماكن أخرى، مثل النوادي الليلية.

وقال إيواشيتا في مقابلة بالفيديو، إن "الغيشا، التي لقبت ذات مرة بزهور طوكيو، تتلاشى لتصبح لا شيء، مثل الثقافات التقليدية الأخرى"، وأضاف: "لقد كانت الغيشا عملاً تجاريًا كبيرًا وجزءًا من الحياة، ولكنها الآن تقاتل للبقاء كثقافة يجب الحفاظ عليها".

وغالبًا ما يبدأ يوم في حياة فتاة الغيشا في الصباح، وينتهي خلال الساعات الأولى من اليوم التالي، إذ يقمن بالترفيه عن العملاء طوال المساء.

وتتبع إيكوكو الآن جدولًا أقل قسوة، وغالبًا ما تقضي فترة ما بعد الظهيرة في تدريب فتيات الغيشا الأصغر سنًا في منزلها.

وأثناء تدريبات الرقص، تتخذ إيكوكو وضعية "سيزا"، وهي طريقة تقليدية للجلوس في اليابان، من خلال وضع الساقين تحت الفخذين في وضعية الركوع، ويمكن لإيكوكو الجلوس بهذه الطريقة لساعات متتالية.

ويشمل التحضير اليومي وضع مسحوق التجميل باللون الأبيض، ورسم الوجه وإتقان وضع الشعر المستعار وهو فن بحد ذاته.

وفي منزل أكاساكا لفتيات الغيشا، يساعد الخياط الفتيات في ربط رداء الكيمونو بشكل متقن، والذي يمكن أن تبلغ كلفته أكثر من 10،000 دولار للواحد.

واليوم، لا تزال تُوظف فتيات الغيشا لغرض الترفيه الراق خلال المآدب، والاحتفالات، والمناسبات. ويمكن أن تبلغ كلفة تناول الطعام في مطعم "ريوتي" مع فتيات الغيشا آلاف الدولارات. ولكن جائحة "كوفيد-19" قلّلت من الإنفاق والتجمعات، وسط إلغاء الاحتفالات.

وقالت إيكوكو: "نحن نكافح من أجل البقاء، كل ما يمكننا القيام به هو التدرّب باستمرار على الاستعداد للأداء في أي لحظة".

مصاعب الجائحة

فتيات الغيشا يؤدين روتين الرقص خلال جائحة فيروس كوروناCredit: Kim Kyung-Hoon/Reuters

كويكو ومايو، اللتان طلبتا، مثل إيكوكو، أن يُشار إليهما باستخدام اسمهما الأول، كانا من فتيات الغيشا في منطقة أكاساكا بطوكيو لأكثر من عقد من الزمان.

وأرادت كويكو العمل في مهنة مليئة بالجمال والتقاليد، ولكنها لم تتوقع أن يكون التدريب شاقًا للغاية، أو أن أسلوب الحياة لا يمكن التنبؤ به، خاصة أثناء الوباء.

وقالت كويكو إن "الجزء الأكثر رعبًا هو أنهن لا يعرفن متى سينتهي ذلك"، في إشارة إلى تأثير "كوفيد-19" على الصناعة، موضحة: "إذا استمر هذا الوضع لفترة طويلة، فأنا لا أعرف إلى متى يمكننا الاستمرار".

وأشارت كويكو إلى أنها تعرضت بالفعل لأزمتين كبيريتن في العمل خلال حياتها المهنية، الأولى خلال الأزمة المالية العالمية لعام 2008، والثانية في أعقاب الزلزال والتسونامي الذي ضرب شرق اليابان في عام 2011.

فتاة الغيشا ترقص على خشبة المسرح في مدينة هاتشيوجي في أكتوبر الماضي.Credit: Marina Takimoto/SOPA Images/LightRocket/Getty Images

وتجعل احتياطات "كوفيد-19" أيضًا من الصعب إجراء محادثات حميمة مع الضيوف، وتحمل كل من كويكو ومايو مراوح مغطاة بطبقة مضادة للبكتيريا أمام وجوههما أثناء التحدث، كما يجب عليهما الرقص على بعد مترين (6.6 قدم) على الأقل من العملاء.

وقالت مايو: "أنا أحارب القلق كل يوم"، موضحة: "يتمثل التحدي الكبير في تغطية النفقات، ولكن التحدي الآخر هو الحفاظ على الحرفيين من أجل هذه الثقافة".

وتضرر الحرفيون اليابانيون بشكل خاص من الجائحة، وقالت كل من مايو وكويكو إن بقاءهما بالنسبة للكثيرين مرتبط ارتباطًا وثيقًا بثروات منازل الغيشا.

ويعرض كل جزء من مآدب "أوزاشيكي" المتقنة الفنون التقليدية، بما في ذلك رداء الكيمونو المتقن والشعر المستعار وأمشاط "كانزاشي" والإكسسوارات التي تزين فتيات الغيشا، حتى مقسمات الأبواب الورقية المعقدة "شوجي"، وحصائر التاتامي التي تبطن أرضيات المطعم.

وأكدت كويكو: "ثقافة المأدبة تحمي وظائف الحرفيين اليابانيين"، وأضافت: "لدينا دور لنقل الثقافة التقليدية إلى الجيل القادم عندما تنضم إلينا فتيات الغيشا الشابات الجدد".

نشر
محتوى إعلاني