مصور يكشف عن شكل المباني بأقصى شمال الأرض..كيف ظهرت؟
دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN) -- لطالما تستدعي طبيعة القطب الشمالي صورًا فيها الكثير من الفراغ.
وتؤدي درجات الحرارة القاسية إلى مناظر طبيعية قاحلة وقليلة السكان، كما أنها بعيدة عن متناول معظم المسافرين. وتُعد صعوبة الوصول إلى تلك الأماكن النائية، أول ما جذب المصور النمساوي جريجور سايلر إلى المنطقة.
وأوضح سايلر لـCNN: "أحب هذا الجو الخام والضوء المثير، حيث ينكشف كل شيء"، موضحًا أن القطب الشمالي "لطالما كان يسحره"، مضيفًا: "من ناحية، تريد البرية قتلك، ومن ناحية أخرى، الحياة ممكنة وتستمر، وتقع في هذه الأماكن النائية أحداث تؤثر علينا جميعًا، ومن المهم أن يفهم الناس هذه التطورات".
ويستكشف كتاب سايلر الجديد بعنوان "طريق الحرير القطبي" القطب الشمالي من خلال نظرة معمارية.
وعلى مدار أربع سنوات، قام المصور النمساوي بزيارة كل من كندا، والنرويج، وغرينلاند، وأيسلندا، والتقط صورًا لبعض الهياكل في أقصى شمال العالم.
وقال سايلر عن رحلاته المبكرة: "كان واضحًا منذ البداية أنه لم يكن هناك الكثير من الهندسة المعمارية في القطب الشمالي، لذلك عدت بصور قليلة نسبيًا".
وركز سايلر اهتمامه لاحقًا على حوالي عشرة مرافق بعيدة للبحث العلمي، وقواعد عسكرية، بالإضافة إلى مراكز التنمية الاقتصادية، واستخراج المواد الخام.
ومثل المنطقة ذاتها، غالبًا ما تكون تلك المرافق قاسية وباردة، وتتكون من أشكال هندسية حادة، وعناصر هيكلية مكشوفة، وتبرز أشكالها الوظيفية في مواجهة كآبة بيئتها.
وأشار سايلر إلى أنه من خلال توثيقه "يريد أن يُظهر الطبيعة المكشوفة للغاية لهذه المنشآت"، مضيفًا: "أحاول الحصول على انطباع عن المساحة الكاملة التي أعمل فيها، ثم أقرر التفاصيل المهمة التي يجب التقاطها من أجل منح الأشخاص إمكانية الوصول إلى هذه المساحة".
بناء في منطقة قاحلة
وخلال تصوير المشروع، تحمل سايلر عواصف ثلجية ودرجات حرارة أقل من 51 درجة مئوية تحت الصفر، واستخدم كاميرا تمثيلية لا تعتمد على البطاريات (التي يمكن أن تنفد بسرعة في درجات حرارة شبه متجمدة)، مما يمنحه شيئًا أقل يدعو للقلق في المناخات القاسية.
ولا يزال العمل مع آلة التصوير تلك يترك المصور عرضة للعوامل الجوية، حيث يمكن أن يُتلف الفيلم أو يُفقد بسهولة، ومع ذلك، يُفضل سايلر طريقة التصوير تلك قائلًا إن "جزء من المتعة يكمن في المخاطرة، فهو يزيد من وعيي، ويجعلني أهدأ كما أنه يزيد من إدراكي".
وفي ظاهرها، تكشف الهياكل في صور سايلر القليل عن وظائفها المقصودة، إذ تُوجد الهوائيات، وأطباق الأقمار الصناعية، وخطوط الطاقة المعلقة بين أبراج الرادار في القواعد العسكرية ومنشآت البحث على حد سواء، ولكن المصور قال إن صوره تهتم أكثر باستكشاف كيفية عمل الهندسة المعمارية داخل المناظر الطبيعية.
وأوضح قائلاً: "أردت التقاط فراغ غير فارغ. ومن المهم بالنسبة لي أن يشعر المشاهدون بالمحيط وأبعاد هذا المشهد السريالي الشاسع"، مضيفًا: "أحاول القيام بذلك من خلال لقطات نظرة عامة (أولاً)، ثم الدخول في التفاصيل، حتى يتمكن المشاهدون من تكوين فكرة أفضل عن وظيفة هذه المرافق".
وتبرز صور سايلر لون وشكل الهياكل بدلاً من حجمها، مما يسمح للفراغ بإعطاء المشاهدين إحساسًا شاملًا بمحيط المشهد.
وبعض المباني، مثل أبراج رادار الدفاع الجوي في توكتوياكتوك، كندا، مبنية من مواد بيضاء أو رمادية تمتزج بسلاسة تقريبًا في لوحة السماء ذات اللون الباهت.
وتُظهر صور أخرى مبانٍ صغيرة ذات ألوان زاهية تقف في تناقض صارخ مع محيطها الأبيض، مثل تلك الموجودة في منشأة أبحاث "EastGRIP" في غرينلاند.
السباق على النفوذ
وقد يضم القطب الشمالي مساحات شاسعة من الأراضي غير الصالحة للسكن، إلا أنه الآن يُعد موضوع اهتمام جيوسياسي متزايد.
وتتسابق جهات فاعلة مثل روسيا، والولايات المتحدة، والصين مؤخرًا لتطوير طرق شحن جديدة في المنطقة.
واستعان سايلر بعنوان مشروعه من مبادرة طريق الحرير القطبي في الصين، وهو اقتراح مدعوم من الحكومة لتطوير البنية التحتية وشحن البضائع في أقصى الشمال.
ويتحدث اسم الكتاب، تمامًا مثل محتوياته، عن المنافسة والتعاون في تحديد العلاقات الدولية في المنطقة.
وتركز العديد من صور سايلر على مرصد القطب الشمالي الصيني-الأيسلندي (CIAO)، وهو جهد مشترك بين البلدين لجمع البيانات حول التفاعلات الشمسية-الأرضية في الغلاف الجوي القطبي، مثل الشفق القطبي.
وفي مكان آخر، يصور سايلر قاعدة ألاسكا تديرها قيادة الدفاع الجوي لأمريكا الشمالية (NORAD)، وهي منظمة نشأت من قلق الحرب الباردة بشأن التقدم التكنولوجي السوفيتي، والتي تراقب المجال الجوي الأمريكي والكندي.
تغير المناخ هو المحرك
وقال سايلر إن هناك خيطًا واحدًا ينسج معًا النمو الاقتصادي، والعسكري، والعلمي الموثق في كتابه: التهديد الذي يلوح في الأفق لتغير المناخ.
وتتعرض العديد من المباني التي قام سايلر بتصويرها في توكتوياكتوك للتهديد من التآكل المستمر للتربة الصقيعية.
وأوضح أنه مع تعرض أساساتها للخطر، بدأت الهياكل القديمة تنحني وتغرق في الأرض بسبب ذوبان الجليد.
وقال سايلر: "تغير المناخ هو المحرك وراء كل التطورات، وأردت توثيق ذلك"، مضيفًا: "إذا لم يختف الجليد، فلن تظهر طرق التجارة هذه".
وخُصصت العديد من المرافق في كتاب سايلر لفهم تغير المناخ - مثل مواقع حفر الجليد في Kangerlussuaq، غرينلاند، حيث يقوم الباحثون الدوليون بتحليل تراكم الجليد على مدى مئات الآلاف من السنين، لفهم أنماط الغلاف الجوي والطقس المتغير بشكل أفضل.
ويأمل سايلر، من خلال نشر "طريق الحرير القطبي"، أن يُظهر للجمهور كيفية تأثير التطورات في القطب الشمالي على المناخ المتغير وتأثرها به، إذ قال: "مهمتي كمصور هي الذهاب إلى هذه الأماكن الأقل شهرة، حيث تحدث الأشياء التي تؤثر على مجتمعنا، وتسليط الضوء على هذه الأحداث"، مضيفًا: "أقدم هذه الصور على أمل إثارة نقاش، وعلى أمل أن يبدأ الناس بالتفكير في هذه المواضيع أو التفكير في العالم من حولهم بطريقة جديدة".