"توقّف الزمن"..صور فيلم عُثر عليه بالقرب من تشيرنوبيل في أوكرانيا يظهر الحياة قبل الكارثة النووية
دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN) -- بدأ المصوّر ماكسيم دونديوك بتجميع ذكريات عائلات أُجبرت على ترك منازلها شمال أوكرانيا عقب كارثة تشيرنوبل النووية عام 1986، بعد مرور 30 عامًا.
وأنقذ المصوّر الوثائقي الأوكراني 15 ألف قطعة أثرية من القرى الواقعة ضمن نطاق منطقة تشيرنوبل المحظورة، شملت رسائل، وصور، وفيلم صور سالبة (نيغاتيف).
ورمّم دونديوك الفيلم ونسخ صوره لتضمينه سلسلته "مشروع غير معنون من تشيرنوبل"، يكشف من خلاله حيوات المقيمين الذين عاشوا مرة في تلك المنطقة. وقد عثر على صور لثنائي يقفان لالتقاط صور زفافهما، وصورة عائلية يبتسم أفرادها، بالإضافة إلى مقيمين يعزفون على آلة الغيتار ويرقصون في الغابة، رغم أنّ أجزاءً كثيرة من الفيلم تُلفت بفعل الإشعاعات، والطقس، والأوساخ، ما ترك أثرًا لبقع ولطخات تجعل جودة الصور سيئة.
وفي حديثه لـCNN، وصف دونديوك منطقة تشيرنوبل المحظورة بأن "الزمن توقف فيها" خلال الثمانينيات، بعدما أخذ المقيمون حاجياتهم الضرورية قبل إخلاء منازلهم هربًا من الإشعاعات التي كانت تتسرّب إلى مدنهم وقراهم.
وقال: "أدهشني كيف تمكّنت الحكومة السوفيتية من إجلاء هؤلاء الناس، بعدما وعدوهم بالعودة بعد بضعة أيام، فلم يسمحوا لهم بأخذ مقتنيات لا يمكن تقديرها بثمن، مثل الرسائل، أو صور الأقارب والأصدقاء". وتابع: "لم يدرك هؤلاء.. أنهم لن يعودوا أبدًا إلى منازلهم حيث ولدوا، أو حيث أمضوا كل مراحل حياتهم".
وبعد انفجار المفاعل النووي الذي تسبّب فورًا بوفاة 30 شخصًا في الحد الأدنى، تمّ إجلاء أكثر من 100 ألف شخص من منازلهم الواقعة في أسوأ منطقة. لكن مئات حالات إصابة الأطفال بسرطان الغدة الدرقية، في أوكرانيا، وبيلاروسيا، وروسيا المسجّلة في السنوات التالية، رُبطت بهذا الانفجار، وفق منظمة الصحة العالمية. وقد أمضى ميكولا شقيق دونديوك الأصغر، المولود بنوفا كاخوفكا في أوكرانيا عام 1987، طفولته مريضًا في المستشفى، بعد مرور عام على الفاجعة.
وأوضح: "كانت المرة الأولى التي أسمع فيها بحادثة تشيرنوبل، التي ربما، وبحسب أهلي والأطباء، تسبّبت بمرض شقيقي". وأضاف أنّ ذلك "ترك أثرًا لا ينسى في حياة عائلتي".
وخلال السنوات الخمس الماضية، عاد دونديوك وإيرينا زوجته ومديرة الاستوديو، إلى منطقة تشيرنوبل المحظورة لاستكشافها على نطاق واسع، حيث قاما خلالها برحلة استكشافية امتدّت لثلاثة أشهر في صيف 2021، ومشوا آلاف الكيلومترات عبرا خلالها 20 قرية تُعاد عملية إحيائها.
وقال: "لم أتوقع العثور على أرشيف هائل إلى هذا الحد"، مشيرًا إلى أنه "في البداية، فكرت أنه قد نجد بضعة صور أو ربما بعض البطاقات البريدية".
وشارك دونديوك من خلال "مشروعه" في مهرجانات صور عدّة أقيمت في كييف، وهامبورغ، وبوغاتا، وأماكن أخرى، ويقوم وزوجته بتحديث صفحة "انستغرام" الخاصة بالأرشيف بانتظام.
وبدأ ميكولا، صانع أفلام حاليًا، بتصوير فيلم وثائقي أيضًا حول إعداد المشروع. لكن العمل معلّق لأجل غير مسمى جراء الغزو الروسي لأوكرانيا. ووجد دونديوك نفسه راهنًا في منطقة حرب، وانشغل بتصوير كييف تحت قصف القوات الروسية خلال الشهر الماضي. وفي الأثناء، يحتل الجنود الروس مفاعل تشيرنوبل، شمال أوكرانيا.
وأوضح دونديوك: "تمكّنت من إنهاء مرحلة الترميم، ثم بدأت الحرب"، مضيفًا أنّ "كل مكتشفات الصور رُمّمت إلى الآن، ونُظّمت في ملفات، بانتظار نسخها. وسأتمكن من إنجاز ذلك فقط بعد انتهاء الحرب".
وخلال مراحل تنفيذ المشروع، أضاف دونديوك بعضًا من صوره الخاصة إلى مواد الأرشيف أيضًا، تُظهر صورًا جديدة لبعض المواقع حيث عثروا فيها على الصور، بعدما اجتاحتها الطبيعة خلال 30 سنة.
ويتأمّل معظم العمل على هذا المشروع بكيفية ترك الوقت بصماته، إن من خلال بقع على شريط الفيلم الذي تعرض لبعض التلف، أو الزحف البطيء للطحلب على سطح خشبي، وبمدى هشاشة الأدلة على حياتنا. ومع تقدّمه بالعمل، ربط دونديوك تشيرنوبل بالحياة وليس بالموت والمأساة.
وأشار إلى أن "أفضل مرحلة من عملي على تنفيذ هذا المشروع هو نسخ هذا الفيلم، عندها فقط في الإمكان رؤية ما كانت حقيقة الناس في تلك المرحلة، مشاعرهم، وحياتهم، وملابسهم، وتقاليدهم"، لافتًا إلى أن "تشيرنوبل ارتبطت بذاكرة الجميع بالمأساة الناجمة عن انفجار المفاعل النووي وتداعياته فقط. لكن هذه الصور والأفلام والرسائل جعلتنا على تماس مع الأشخاص السعداء في المنطقة قبل أن تمتصّها السحابة المشعّة".
ويخطّط دونديوك لإصدار كتاب وتنظيم معرض شامل بعد الحرب، لكنه أيضًا يريد العودة إلى القرى المحيطة بتشيرنوبل التي لم يكتشفها بعد، لإنقاذ المزيد من الصور قبل أن تتلف لأسباب غير مرتبطة بالحفظ أو الطبيعة. وفي عام 2020، اندلعت حرائق الغابات ما تسبّب بارتفاع معدّلات الإشعاع هناك.
وخلص إلى أنه "مهم للغاية بالنسبة إليّ العثور على مخلّفات تاريخ هذه المنطقة والحفاظ على ما بقي منها بحالة جيدة، فيما ما برح لدينا شيئًا ننقذه".