فنان أفريقي يبني طريقًا حقيقيًا من الطوب الأصفر بدون أي حجارة
دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN) -- يتشكل في غانا طريق حقيقي من الطوب الأصفر، لكنه يشترك في عامل واحد على الأقل مع المسار الخيالي برواية الأطفال الشهيرة، والذي يحمل الاسم ذاته.
ومثلما حدث مع شخصية الطفلة دوروثي في رواية "ساحر أوز العجيب"، والتي يجب عليها أن تتبع طريقًا سحريًا مرصوفًا بالطوب الأصفر للعثور على طريقة للعودة إلى منزلها، كان الحنين إلى الوطن هو مصدر إلهام سيرج أتوكي كلوتي - الفنان الذي يقف وراء مشروع "طريق الطوب الأصفر" في غانا.
وقال كلوتي في مسلسل "Nomad" الأصلي لـCNN: "بصفتي فنان، فأنا مهتم بالهجرة، ليس كما في الإنسان، ولكن الهجرة كما في الأشياء".
وتحمل العناصر المستخدمة في إنشاء عمل كلوتي الفني أهمية خاصة في الثقافة الغانية.
ويتألف "طريق الطوب الأصفر" من "جالونات" مفككة، أو صفائح بلاستيكية صفراء كانت في الأصل حاويات لزيت الطهي المستورد. وقد أعيد استخدامها على نطاق واسع لنقل المياه وتخزينها وسط النقص المستمر في المياه الذي تواجهه البلاد، والتي أصبحت تُعرف باسم جالونات كوفور خلال فترة ولاية الرئيس جون كوفور، الذي كان في السلطة بين عامي 2001 و2009.
ولا تزال مشاهد هذه الجالونات شائعة في غانا، حيث يضطر واحد من كل 10 أشخاص للسفر لمدة تصل إلى 30 دقيقة لجلب المياه، وفقًا لليونيسف، وقد أصبحت شعارًا قويًا لنضالات الحياة اليومية، ورمزًا للفن الأفريقي، إذ وضعها كلوتي في مركز حركته الفنية تحت اسم "Afrogallonism".
جالون من "الطوب"
ونشأ كلوتي وهو يستخدم تلك العبوات لجلب المياه لمنزله قبل الانتقال للعيش مع عمه، الذي كان لديه صنبور ماء جارٍ.
لكن الجالونات، التي تبلغ سعتها فعليًا بين 20 و25 لترًا، اتخذت معنى مختلفًا للفنان المولود في مدينة أكرا، عاصمة غانا.
وقال كلوتي مؤخرًا في برنامج الأصوات الأفريقية على CNN: "لقد وجدتها كمواد متاحة يمكنني العمل بها لفترة طويلة. لذلك قمت بتجميعها معًا كجدار ثم أضفت الطلاء إليها".
وسرعان ما بدأت العبوات تتراكم، ولم يكن لدى كلوتي أي مكان لتخزينها، لذا أصبحت بمثابة مشكلة، إلا أن خطرت له فكرة تقطيعها، الأمر الذي لم يلق قبولًا في البداية من قبل المجتمع المحلي.
ويتذكر كلوتي: "عندما بدأت في قطعها، كان المجتمع بأكمله ضد ذلك، لأنهم اعتقدوا أنهم بحاجة إليها للبقاء على قيد الحياة، بينما أنا أتخلص منها وأقوم بتدميرها".
ويتابع: "اضطررت إلى إشراكهم في الاستوديو الخاص بي وإخبارهم أن تخزين المياه فيها ليس صحيًّا"، إذ قام بتوضيح هذا المفهوم من خلال إظهار آثار ترك عبوات المياه البلاستيكية في الشمس لبضعة أيام.
ولا تكمن المشكلة في إمكانية تسرب جزيئات البلاستيك إلى المياه فحسب، بل تخلق درجات الحرارة المرتفعة أرضًا خصبة للبكتيريا، مما يجعل المياه غير آمنة للشرب على الأرجح.
ويتابع: "لذلك بدأوا في التخلص منها، إنها عملية تدريجية، حيث يتخلصون من العبوات القديمة، ويحضرونها إلى الاستوديو الخاص بي، وبينما يتبرعون ببعضها، لا بد لي من شراء البعض الآخر منهم".
لا مكان مثل الوطن
وبدأ كلوتي بعد ذلك في تقطيع صفائح المياه ودمج القطع في عمله الفني، والتي بدت وكأنها سجادة صفراء مميزة، بينما استخدم الجزء العلوي من الصفائح كأقنعة في الصور، مع الفتحة المستديرة التي ترمز إلى الفم البشري.
وفي عام 2016، بعد قطع المئات من العبوات، بدأ مشروع "طريق الطوب الأصفر" - أكبر تركيب فني عام قام به - في منطقة شاطئ لابادي في أكرا، حيث نشأ.
وتخيط القطع معًا ثم تُستخدم، بمساعدة السكان المحليين، لتغطية شوارع لابادي.
ويهدف العمل الفني إلى ترميز دهاء ومرونة المجتمع المحلي، لكن حدوده المشرقة تسلط الضوء أيضًا على حقيقة أن العديد من السكان المحليين، بما فيهم عائلة كلوتي، لا يمكنهم تقديم إثبات ملكية منزلهم أو أرضهم بسبب نقص الأوراق الرسمية.
ويُوضح كلوتي لـCNN: "هاجرت عائلتي من جيمستاون إلى لابادي وكانوا يسافرون على الساحل. وكانوا يتاجرون بالكحول ولحم البقر، وبناءً على العلاقة التجارية التي تربط عائلتي بأهل العمل، حصلوا على مكان للاستقرار، وكان ذلك شفهيًا. ولم يكن هناك أي وثائق".
بعد 200 عام، لا تزال قضية حقوق الملكية تُطرح. ويُعد "طريق الطوب الأصفر" بمثابة تذكير مرئي قوي.
ويستخدم كلوتي هذا التركيب الفني لوضع حدود على ممتلكات عائلته نوعًا ما.
ويتابع: "منذ أن بدأت المشروع، كان هناك أشخاص يروون قصة عائلتي، وهذا يخلق حوارًا ممتعًا، آمل أن يُستخدم ذلك للدفاع عن ممتلكات الأسرة في المحكمة".
ويضيف: "أنا مهتم جدًا بالطريقة التي يخوض بها الناس حول غانا النزاع على الممتلكات، إذ أن بعض الأملاك توارثت عن طريق اتفاقيات شفهية، بدون أوراق وتوثيق. وأعتقد أن هذا يشكل جزءًا كبيرًا من مشروعي".