بوتقة انصهار للوجبات الشهية.. تعتبر مصورة محطات الوقود هذه "جواهر مخفية" في الجنوب الأمريكي

نشر
5 دقائق قراءة

دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN) -- قبل عقدين من الزمن، وأثناء دراستها في مدينة أكسفورد بولاية ميسيسيبي، زارت المصورة الصحفية، كيت ميدلي، محطة وقود محلية تقدم وجبات غير مذكورة في قائمتها، مثل علب طعام مليئة بوجبات منزلية هندية يُعدّها أصحاب المكان فقط لمن يعرف كيف يسأل عنها.

ومع أنّه ستمر أعوام قبل أن تبدأ ميدلي بتوثيق سلسلة فوتوغرافية طويلة الأمد عن محطات الوقود ومحطات التوقّف على جانب الطريق في الجنوب الأمريكي، إلا أنّ هذه الأماكن لطالما أثارت اهتمامها.

محتوى إعلاني

وأدركت المصورة أنّ هذه المساحات تعد بمثابة مسارات حيوية لتناول الطعام في كل من المناطق الحضرية والريفية.

ورُغم أن العديد منها تقدّم سلعًا وخدمات بسيطة، مثل القهوة، أو شطائر النقانق، إلا أنّ البعض الآخر يقدم عروضًا متنوعة وغير متوقعة، مثل يخنة جراد البحر، والـ"تامالي"، والأطباق المشوية، وغيرها.

في متجر Market Express، بمدينة شارلوت بولاية كارولينا، قامت ميدلي بتصوير مارتا ميراندا، التي تعمل بإعداد الدجاج المقلي لمدة 18 عامًا.Credit: Kate Medley

وأشارت ميدلي إلى أنّ محطات التوقّف السريعة هذه، التي غالبًا ما يتم تجاهلها، يمكن أن تكون بمثابة شريان حياة للمجتمعات التي تخدمها، فضلاً عن كونها فرصًا لسعي الأشخاص لتحقيق ما يسمى بالحلم الأمريكي.

في عام 2013، أفاد معهد السياسة المالية أن 61% من جميع محطات التزود بالوقود في الولايات المتحدة مملوكة بشكلٍ مستقل للمهاجرين.

وأوضحت ميدلي في مكالمة هاتفية: "على نحو متزايد، أثناء سفري، شعرت بوجود فجوة كبيرة في الدراسات التي لم تأخذ على محمل الجد الدور الذي تلعبه هذه المساحات". 

مايك مواتس، الجزار في بقالة إيلبيرتا في مدينة إيلبيرتا بولاية ألاباما، التي تقدم أيضًا الطعام الهندي أيام الاثنينCredit: Kate Medley

وترى ميدلي أنّ الأشخاص الذين يعملون هناك، والأطعمة التي يقدمونها، والمجتمع الذي ينشئونه يعد جزء لا يتجزأ من هوية الجنوب الأمريكي، وما لدى المنطقة لتقدمه.

والآن، أصبح كتاب الصور، الذي يحمل عنوان "شكرًا، تعال مجددًا" (Thank You Please Come Again”)، والمكون من مئتي صورة، والذي نُشِر في أواخر العام الماضي، موضوع أول معرض يُقام في متحف لميدلي في متحف ميسيسيبي للفنون في مدينة جاكسون، حيث نشأت.

استكشاف جميع أنحاء الجنوب

حصلت محطة الوقود هذه في ولاية كارولينا الجنوبية على اسمها في عام 2008 بعد الانتخابات العامة بسبب دعم المجتمع لحملة الرئيس الأمريكي الأسبق أوباما.Credit: Kate Medley

ولمدة عقد من الزمن، وثقت ميدلي المحطات أثناء السفر برًا، وفي البداية كانت تلتقط الصور على هامش مهمة تصوير أخرى، إلى أن تحوّلت هذه المساحات إلى محور تركيزها مع تقدم المشروع.

وزارت حوالي 150 محطة وقود ومحطة توقف سريعة إجمالاً، ووجدت أن التنظيم الفريد لكل مساحة كان مثيرا للإعجاب.

وقالت: "ثمة نوع من الغموض في هذه المساحات"، موضحةً أنّه عندما تقترب منها، وتفتح ذلك الباب الزجاجي الصغير، وتسمع رنين الجرس، يخطر لك سؤال حول ما الذي سيكون في الداخل؟ وكيف ستكون رائحتها؟ من سيكون هناك؟ ماذا يوجد على قائمة الطعام في ذلك اليوم؟".

افتتح مطعم Kwik Chek في مدينة ممفيس بولاية تينيسي منذ عام 1991، ويقدم مزيجًا من المأكولات الكورية واليونانية Credit: Kate Medley

وتشمل هذه الجواهر المخفية محطة "سانت لويس سافورس" في مدينة جرينسبورو بولاية نورث كارولينا، وهو موقع يوفر للطعام السنغالي في الجزء الخلفي من متجر "Circle K"، ويقدّم أرز "الجولوف"، وطبق لحم الضأن المشوي "ديبي".

وهناك مطعم "Icebox"، الذي يقع مقره في مدينة هاموند بولاية لويزيانا، وهو مطعم مجاور لمحطة وقود يقدم قائمة طعام من المطبخ الهندي.

قام مالك متجر Icebox وشريكه التجاري بافتتاح مطعم هندي في محطة وقود "شل" السابقة في مدينة هاموند بولاية لويزيانا.Credit: Kate Medley

وعلِمت ميدلي أنّ المالكين وضعوا مطعم "Icebox" عند تقاطع طريقين سريعين من أجل خدمة سائقي الشاحنات لمسافات طويلة بعد التحدث معهم.

وأضافت: "لقد حققوا نجاحاً باهرًا".

البعض يواجه التحديات

ومقابل كل قصة نجاح، هناك بعض الأعمال التجارية التي تكافح، وفقًا لميدلي، خاصة في المناطق الريفية حيث انخفض عدد السكان.

قامت ميدلي بتصوير محطة وقود سابقة في منطقة دلتا أركنساس، التي أصبحت كنيسة معمدانية متواضعةCredit: Kate Medley

وقالت إنّه في إحدى المحطات في مدينة إيلين بولاية أركنساس، أوقِفت مضخات الوقود، وأصبحت أرفف البقالة فارغة. واشترى مزارع محلي المساحة فقط لتقديم خيارات من الوجبات الساخنة لعمال المزارع، والذين يحققون إيرادات ثابتة له.

وفي مدينة بانر بولاية ميسيسيبي، شرح صاحب محطة وقود "Pop’s" لميدلي مدى أهمية عمله بالنسبة للسكان القريبين، مشيرًا إلى زبون محلي كان يتناول الغداء.

وقال لها المالك جيف بوينور: "منذ وفاة زوجته العام الماضي، يأتي هذا الزبون إلى مطعم Pop’s لتناول وجبات الفطور، والغداء، والعشاء".

وترى ميدلي أنّ إحدى مزايا هذه الأعمال التجارية الصغيرة هي قدرتها على التكيّف

ورُغم أنّ قلة فقط تمكنت من الاستمرار في العمل على مر الأعوام، إلا أنّ ميدلي وجدت أن العديد منها خضعت لتغيير، مع تحول واحدة إلى ملهى ليلي صغير، أو أخرى إلى شركة لتجفيف اللحوم.

وقالت المصورة عند حديثها عن المتاجر: "أشعر بالتفاؤل لأنّها تستمر في الظهور، لا أعتقد أن هذه الأماكن ستختفي".

كما أضافت أنّها لا تعلم ما سيحدث لهذه المساحات بعد 50 عامًا مع انتشار السيارات الكهربائية، أو ظهور السيارات ذاتية القيادة، ولكنها "على ثقة بأنّ هذه المباني ستستمر، وأن رواد الأعمال سيستمرون في العثور على طريقة لجعلها تنجح".

نشر
محتوى إعلاني