صور من ليل باب شرقي الدمشقي... "كاسك" يا وطن الأغنياء
دمشق، سوريا (CNN)-- بين باب المدينة القديمة الشرقي وحديقة "القشلة"؛ استعاد الثلث الأخير من الشارع المستقيم عافيته مؤخراً، ليس بوصفه أحد أبرز معالم دمشق التاريخية وحسب، بل كمقصدٍ مفضّل لمحبي السهر، حيث تنتشر المطاعم، والحانات، ونوادي الرقص بكثافة، وهناك يقضي مرتادو هذه الأماكن سهرات صاخبة، تبلغ ذروتها أسبوعياً أي ليلتي الخميس والسبت.
هكذا أصبحت المنطقة ذات الغالبية المسيحية مسرحاً لأكثر مشاهد العاصمة السوريّة تناقضاً مع يوميات الحرب وخصوصاً القذائف التي يطلقها المسلحون من المناطق التي يسيطرون عليها. وجالت عدسة كاميرا CNN بالعربية في الحي بعد ساعاتٍ قليلة من سقوط قذيفةٍ تسببت بأضرارٍ ماديّة، وجعلت حركة الناس مترددةً نوعاً ما، ولكن مع حلول الساعة التاسعة مساء، بدأ روّاد المطاعم والحانات، يتوافدون بوتيرةٍ متزايدة.
وبدت البهجة واضحةً على وجوه الراقصين، عبر زجاج قاعات الرقص المفتوحة، وتصدّرت واجهة إحدى الحانات يافطة كُتِبَ عليها "اشرب بكرا تحت التراب"، وتزينّت أخرى برسمٍ لـ "غوّار الطوشة" إلى جانب عنوان أحد مسرحياته الشهيرة "كاسك يا وطن".
الشباب من روّاد حانات "باب شرقي"؛ يرون فيها متنفساً من أعباء الحرب الثقيلة، يقتنصون فيها أوقاتاً تتحدى واقعهم الأليم، وتنسيهم تحت تأثير "نشوة الكحول"، مرارة يومياتها، وبعضهم يعتبر وجود هذه المنطقة في دمشق، "مؤشراً حضارياً، للانفتاح، بمواجهة دعاة التطرف"، ويفخر البعض الآخر بأنّ أقدم عاصمة بالتاريخ، أتاحت لشبابها متنفساً "يوازي في جماله، سحر ليالي شارعي الحمرا والجميّزة في بيروت."
قد يهمك أيضاً: من دمشق إلى إسطنبول.. هكذا عاش السوريون ليلة اهتزاز "عرش السلطان"
لكن ثمّة وجهة نظر أخرى رصدتها CNN بالعربية، خلال جولتها في ليل "باب شرقي" الدمشقي، عبّر عنها الطبيب موسى أحد سكّان المنطقة قائلاً: "ما يحدث هنا ليس مؤشر انفتاح على الإطلاق، فالانفتاح ليس بالإفراط في السكر إلى درجة العربدة، كما أنّ الهروب من ضغوط الحرب وأعبائها النفسيّة، لا يمكن أن يكون مبرراً، للخروج عن العادات والتقاليد التي لطالما تميزّ بها سكّان هذا الحي العريق، بما يمثّله من نموذجٍ خاص في تركيبته السكّانية المميزة داخل أسوار دمشق التاريخية، بتنا نخشى على أطفالنا ونحرمهم أبسط حقوقهم في اللعب بالشارع، خوفاً على حياتهم، أو تعرضهم لما نشهده من تلوّثٍ أخلاقي وبصري... الانفتاح يعني قبول الآخر، واحترام خصوصيته."
على سطح العمارة التي يسكن فيها الطبيب؛ تجمّع جيرانه، لمراقبة الوضع بشيء من الريبة، حيث عبرّوا عن حالة حنقٍ متزايد بسبب ما وصفوه بـ "استباحةً" لخصوصيتهم في ظل تنامي عدد الحانات، ونوادي الرقص "غير المرخصّة"، وتجاوزات أخلاقية: "يرتكبها مخمورون تتعدى كل حدود اللياقة، مثل أفعال البلطجة، والكلام البذيء."
هذا ما قاله غسّان لـ CNN بالعربية مستغرباً: "عدم قيام السلطات المختصّة بأي خطوة من شأنها أن تضع حدّاً لمعاناتنا، رغم تقديمنا اعتراضات، وشكاوى توثّق تلك الانتهاكات، وبينها خروقات قانونية صريحة، يرتكبها أصحاب الحانات، كإشغال الأرصفة، والمساحات القليلة المخصصة لركن السيارات، واستثمارها ماديّاً دون وجه حق، فضلاً عن مخالفة أصول منح تراخيص الحانات، أو متاجر بيع المشروبات الروحية، والتي تقتضي رضا الأشخاص الذين يعيشون في الجوار، وابتعادها عن دور العبادة بمسافةٍ لا تقل عن 75 متراً"، في إشارةٍ لتحوّل الشارع المؤدي إلى مقر بطركيّة "الروم الملكيين الكاثوليك" لـ : "منطقة حانات مغلقة ليلاً، بينما يقع أحدها قبالة مسجد بمسافة لا تتجاوز الخمسة أمتار."
قد يهمك أيضاً: سوريون عن الحب في زمن الحرب: الاحتفال بـ"الفالنتاين" مجرّد نكتة سمجة
قد يهمك أيضاً: حالة الأسواق مشوّشة في دمشق مع انطلاق حملة لمقاطعة الشراء بمواجهة غلاء الأسعار
ولفت غسان أحد الشباب في المنطقة أن "البنى التحتية للحي الأثري، من وجهة نظر مختصيّن، لا تحتمل كل هذا الاستنزاف على مستوى الصرف الصحي، أو ضغط أصوات الموسيقى الصاخبة، في أقبية عدّة مبانٍ قديمة، والذي يتسبب باهتزازها، وثبوت حاجة بعضها إلى تدعيم."
قد يهمك أيضاً: صور "غير دموية" توثق الحرب السورية..هذه سوريا المتألمة بكل الألوان
تلك كانت الصورة في إحدى ليالي دمشق القديمة الصاخبة، بكل تناقضاتها، صورةٌ قد يراها البعض انتصاراً لإرادة الحياة، وينظر آخرون إليها بمثابة اعتداءً على حقوقهم بحياةٍ هادئة، تراعي القيم الاجتماعية.