دمشق، سوريا (CNN)-- "فوق الموت عصّة قبر"؛ يبدو هذا المثل الشعبي الأكثر تعبيراً عن حال السوريين اليوم، بفعل ضغوطٍ اقتصادية متزايدة، باتوا يعانونها من جرّاء استمرار الحرب، حيث يواصل سعر صرف الليرة السوريّة انخفاضه أمام الدولار، ما أدّى إلى ارتفاع أسعار السلع الاستهلاكية الرئيسية، بنسبةٍ قاربت الـ 20% خلال الأسبوع الفائت فقط.
ولمواجهة هذه الضغوط أطلق محمد شربجي حملةً عبر موقع "فيسبوك"، دعا فيها إلى مقاطعة الشراء (المستوردات والمواد الأجنبية)، لمدة أسبوع اعتباراً من يوم 11 أيّار/ مايو 2016.
وحظيت الحملة بتجاوب كبير بين روّاد الموقع الأزرق من الناشطين السوريين، ومتابعة واهتمام وسائل الإعلام المحليّة، رغم تشكيك خبراءٍ اقتصاديين بجدواها خاصّةً مع غياب الدعم الحكومي لها، وما وصفوه بدخول الوضع الاقتصادي السوري، في مرحلة "الاقتصاد الجامح".
وعلّق السوري عبد اللطيف ماشطة المختص بالاقتصاد وأحوال السوق، في تدوينةٍ نشرها عبر "فيسبوك"، إنّ هكذا حملة تأتي لمصلحة التاجر: "لأن قيمة بضاعته ستكون أعلى فعلياً من عملة تتراجع قيمتها، وعادة تحصّل مقاطعة البضائع نتائج طيبة بحالات الكساد، وزيادة الإنتاج على الطلب، وليس حينما يكون السوق معامله لا يتجاوز عددها أصابع اليدين، والاستيراد فيه شبه معدوم."
شربجي لم يدر ظهره لتحليلات الاقتصاديين، واعتبرها "صحيحة 100%، ولكن في حال استمرت الحملة لأسبوعٍ فقط، ونفّذت بشكلٍ خاطئ"، ودعا السوريين من خلال CNN بالعربية إلى مواصلة: "مقاطعة المستوردات، ودعم المنتج المحلّي، والليرة السوريّة."، وألا يكون التجاوب مع حملته محصوراً بـ "الفيسبوك"، بل عبر: "الالتزام الفعلي، والتطبيق الصحيح على أرض الواقع."
مؤكدّاً أن المقاطعة يجب أن تشمل: "كل شخص يتعامل بالسعر على أساس الدولار، أو بغير العملة الوطنية، والمواد غير الأساسية كالإلكترونيات، والألبسة، والأقمشة..."
بعيداً عن العالم الافتراضي؛ جالت CNN بالعربية السبت 14/5/2016 في بعض أسواق العاصمة السوريّة، لمتابعة انعكاسات الحملة، وبدأنا جولتنا من سوق الزاهرة القديمة جنوبي دمشق، وتنتشر فيه مجموعة متاجر للسلع الغذائية الأساسية (جملة ومفرّق)، وأكدّ لنا معظم التجّار عدم ملاحظة أيّ أثر لحملة المقاطعة، وأشار أحدهم إلى أنّ حركة السوق أفضل مقارنةً مع الشهر الفائت، وهو ما فسّرة آخر بإقبال الناس على شراء احتياجاتهم الرئيسية خلال هذه الفترة، استعداداً لشهر رمضان المقبل، تخوفّاً من الارتفاع المتزايد للأسعار، لكنّ المبيعات تبدو أقل بالنسبة لتجّار الجملة، حيث يتريث تجّار المفرّق في طلب بضائع جديدة، لحين استقرار أسعار السلع، فأغلبها مستورد، ويتأثر بتقلبات سعر صرف الليرة أمام الدولار.
كما شهد سوقي "باب سريجة" و"باب الجابية" الشعبيين، الازدحام المعتاد ذاته، لكن حركة الشراء تركّزت على الخضراوات المنتجة محليّاً، وتتوافر بكثرة، وأسعارها مناسبة نوعاً ما، بينما كانت محلّات اللحوم، والأجبان شبه خالية من الزبائن، وكذلك المتاجر التي تبيع السكر، الرز، الطحين، الزيوت، والتوابل...
ربما يبدو مبكّراً الحكم على مدى جدوى حملة المقاطعة، بينما يستمر التحفيز للمشاركة فيها عبر موقع "فيسبوك"، لكّن غالبية مَن التقيناهم في الشارع، أكدّوا أنّهم مقاطعون فعلياً بسبب ضيق الحال، ونقص السيولة بين أيديهم، مع انخفاض القوة الشرائية لليرة السوريّة، لأكثر من عشرة أضعاف قيمتها، قياساً بسنوات ما قبل الحرب.
وتجدر الإشارة إلى أنَ مراكز رصد وبحث مالية عالمية، تحدثت عن اقتراب نسبة التضخم في الاقتصاد السوري إلى 95%، ومرشحّة لتجاوز حاجز المئتين بالمئة مع استمرار الحرب، وفقاً لـ BBC، وذلك وسط استمرار حالة النكران على المستوى الرسمي، فرئيس الحكومة د. وائل الحلقي صرّح مؤخراً بأنّه: "لا توجد في سورية أزمة اقتصادية بل نواجه حرباً وإرهاباً اقتصادياً، منظماً تقوده قوى ومؤسسات إقليمية ودولية للنيل من صمود وإرادة الشعب السوري، وإحباط معنوياته، وإضعاف الليرة السورية، كأحد الرموز الوطنية المهمة".
فيما أكدّ حاكم مصرف سوريا المركزي د. أديب ميّالة أنّ: "سعر صرف الدولار مقابل الليرة السورية، سيشهد انخفاضاً كبيراً، وغير مسبوق عقب دخول إجراءات المركزي التي تم الإعلان حيز التنفيذ، وسيتكبد المضاربون خسائر فادحة".
وكان المصرف قد ألزم أواخر الأسبوع الفائت البنوك والشركات المالية الكبيرة شراء مبالغ لا تقل عن مليون دولار، ومكاتب الصرافة الصغيرة بمبالغ لا تقل عن مئة ألف دولار، وإلا فسيتم إغلاقها أو سحب تراخيصها، وثبّتَ سعر صرف الدولار في البنوك بين (510 و515) وللحوالات (512، 515) ليرة.
وطرحت شركات الصرافة بموجب قرارات المصرف المركزي الملزمة، الدولار بسعر 620 ليرة سوريّة للشراء، يومي الأربعاء والخميس الفائتين، ما أدى لانخفاض سعر شرائه في السوق السوداء إلى 600 ليرة، بعدما تجاوز حاجز الـ 625 مطلع الأسبوع الماضي.