ساعدت جيش المانشو في الإطاحة بسلالة مينغ الحاكمة.. ما سر هذه الحلوى الصينية؟
دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN) -- يستيقظ بون صن هاي في الصباح الباكر استعداداً للعودة إلى مركز الباعة المتجولين في مجمع الحى الصيني بسنغافورة، وإنهاء العمل الذي بدأه في الليلة السابقة.
ويصل بون، البالغ من العمر 65 عاماً، إلى متجره المعروف باسم "Pan Ji Cooked Food"، ويستقر في المطبخ المفتوح في المساحة الصغيرة ويبدأ في تسخين مزيج شراب من السكر والمالتوز، أي سكر الشعير الأقل حلاوة، ليسكبها فوق شرائح العجين المقرمشة التي قام بقليها مساء اليوم السابق.
وبمجرد أن تغطى بشراب السكر، يجمع بون الشرائح المقرمشة في صينية ضحلة، ثم يقلبها على سطح الطاولة ويبدأ في قطع الحلوى اللزجة إلى كتل صغيرة الحجم.
وتعد هذه عملية بسيطة بالنسبة إلى بون، الذي يقوم بهذا العمل منذ نحو 38 عاماً.
وتعد حلوى "Sachima" معجنات صينية حلوة مكونة من خليط الطحين المقلي بالبيض، ومغطى بشراب السكر، ومقطع إلى شرائح، وهي حلوى موجودة منذ قرون.
وظهرت هذه الوجبة الخفيفة المُحلاة في شمال شرق الصين، ويقال إنها كانت بمثابة ألواح الطاقة التي تناولها فرسان جيش مانشو الصيني، إذ أمدتهم بالقوة والقدرة على التحمل اللازمين لهزيمة أسرة مينغ الحاكمة في القرن السابع عشر.
"Sachima" على الطراز الكانتوني مع لمسة سنغافورة
وتعد حلوى "Sachima" الآن عنصراً أساسيًا في الطهي في جميع أنحاء الصين، وغالباً ما يتم تناولها خلال احتفالات رأس السنة القمرية الجديدة. وهناك اختلافات إقليمية، بما في ذلك النوع الكانتوني الذي يُرش عادةً ببذور السمسم أو الزبيب.
ومع ذلك، أصبح من الصعب العثور عليه في سنغافورة، حيث يدير بون واحداً من آخر أكشاك بيع حلوى "Sachima" اليدوية المتبقية في الدولة الجزرية.
ودخل بون، الذي ولد في سنغافورة، في صناعة حلوى "Sachima" بالصدفة، بعد أن هاجر والديه إلى الدولة الجزرية قبل عدة سنوات من مقاطعة غوانغدونغ الصينية، وافتتحا مقهى يقدم حلوى "Sachima" في قلب الحي الصيني في سنغافورة.
وبدأ بون العمل هناك منذ كان عمره 12 عاماً فقط. ولأن بون ولد بدون أصابع في يده اليسرى، فقد أراد والده أن يتعلم مهارة يمكنه إتقانها من شأنها أن تدعمه مادياً. لذلك التفت إلى صنع حلوى "Sachima".
وكان كشك "Pan Ji Cooked Food" جزءاً من مركز الباعة المتجولين في مجمع الحى الصيني منذ 1983، عندما ضمت حكومة سنغافورة لأول مرة الباعة الجائلين من الشوارع المجاورة معاً تحت سقف واحد.
واليوم، لا يزال أحد أكشاك الطعام البالغ عددها 226 في المجمع، كل منها متخصص في المأكولات الفريدة الخاصة به، مثل البط المطهو على البخار، ورؤوس السمك المطهو على البخار في الصلصة الحارة على الطريقة الصينية.
ويُعد بون أحد الباعة الأصليين القلائل المتبقين في المجمع، حيث يقوم بإحضار قضبان تقليدية من "sachima" على الطراز الكانتوني - وهو حلو قليلاً ولذيذ أكثر من Manchu الأصلي - على الرغم من عدم وجود البذور المضافة أو الزبيب الذي يُعرف به النمط التقليدي للحلوي.
ولكن على الرغم من حقيقة أن ثقافة الباعة المتجولين في سنغافورة قد تم وضعها مؤخراً على قائمة اليونسكو للتراث الثقافي غير المادي، ولا سيما لدورها كـ"غرف طعام مجتمعية"، لا يزال بون يواجه مصير التغيير المجهول.
وعلى مر السنين، تضاءل عدد صانعي حلوى "Sachima" يدوياً في سنغافورة. ويعد كشك بون واحداً من الأكشاك التي لا تزال قائمة في البلاد، وتحضر هذه الحلوى الصينية يدوياً.
وفي هذه الأيام، يتم تصنيع جميع أنواع حلوى "Sachima" تقريباً في سنغافورة، ويأتي الكثير منها من ماليزيا.
وقال بون إن الكثيرين جربوا فقط حلوى "Sachima" المعدّة في المصنع، مضيفاً أعتقد أنه يجب عليك تجربة الحلوى المعدّة يدوياً لتجربة طعمها وقوامها الحقيقيين.
كما تضرر مركز الباعة المتجولين في مجمع الحى الصيني بسبب فيروس كورونا.
وعندما بدأت حالات الإصابة بالفيروس في الظهور لأول مرة في فبراير/شباط 2020، شهد العديد من الباعة المتجولين انخفاض أعمالهم بنسبة تصل إلى 80%، وفقاً لمؤسسي تطبيق ثقافة الباعة المتجولين في سنغافورة، "Eat Shop Play"، الذي يساعد في تسهيل الجولات للزوار.
ونظراً لأن الحي الصيني منطقة صديقة للسياح بشكل خاص، حيث تستقطب الزوار بمقاهيها ومعارضها الفنية، فقد المركز عدداً أكبر من العملاء مقارنة بمراكز الباعة المتجولين المماثلة.
ومع تضاؤل عدد العملاء، تحول العديد من أصحاب الأكشاك إلى خدمات التوصيل لتغطية نفقاتهم. ولكن بدون وجود على شبكة الإنترنت، وجد كشك "Pan Ji Cooked Food" نفسه في وضع صعب.
ومنذ ذلك الحين، عملت جمعية الباعة المتجولين في مجمع الحى الصيني في سنغافورة مع البائعين لتقدم لهم منصات عبر الإنترنت على أمل زيادة الأعمال.
وأشار بون إلى أنه كان محظوظاً بما يكفي لأنه لا يزال لديه العديد من العملاء المنتظمين الذين يساعدون في الحفاظ على متجره قائماً.
وفي المطبخ المفتوح في كشكه الخاص، يعمل صانع الحلويات الحرفي بجد في حرفته، موضحاً أن أحد الأشياء التي يحبها الزوار هي القدرة على مشاهدة العملية من البداية إلى النهاية".
على الرغم من أن معظم الزوار ليس لديهم الوقت، إذ أن الدفعة النموذجية من إعداد حلوى "Sachima" تستغرق من ثلاث إلى خمس ساعات تقريباً، وهي عملية طويلة تتضمن تقطيع شرائح من صفيحة رقيقة من العجين، ثم قليها في وعاء من الزيت وتركها لتبرد.
وفي صباح اليوم التالي، هناك عملية مزج الشراب المحلى مع الشرائح المقلية، والتي تعد مهمة مرهقة. ولكن بمجرد اكتمال الخطوات المتبقية، تكون النتيجة حلوى مقرمشة من الخارج وممتلئة ومضغوطة من الداخل ومرضية للغاية.
ومع عودة السياحة الداخلية إلى الارتفاع مرة أخرى والعدد المنخفض نسبياً لحالات "كوفيد-19" في سنغافورة، يواصل "Pan Ji Cooked Food" الصمود في وجه العاصفة في الوقت الحالي.
ولكن بدون عائلة خاصة به، يخشى بون من أن تقاعده في نهاية المطاف قد يعني نهاية "Sachima" المصنوعة يدوياً، أي جزء كبير من تاريخ الطهي الصيني في سنغافورة.