أنتاركتيكا..ما هو مستقبل القارة الأكثر غموضَا في العالم؟
دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN) -- لطالما كانت زيارة القارة القطبية الجنوبية بمثابة رغبة للبشر منذ أن عرفوا بوجودها.
إنها القارة الأقل زيارة في العالم. وفي أفضل الظروف، من الصعب للغاية الوصول إليها.
ومع ذلك، فإن جاذبية اكتشاف المجهول والرغبة في وضع قدم في كل قارة، شجعت المسافرين على محاولة شق طريقهم إلى القطب الجنوبي.
ويصعب تصنيف القارة القطبية الجنوبية بالنسبة للمفهرسين المهووسين بالعالم، إذ أنها ليست دولة، فهل يمكنك شطبها من قائمة الأمنيات؟ ومن يحكمها؟ وإذا كان لها عاصمة، فأين ستكون؟ وماذا ستكون لغة سكانها؟
علم وطني لمكان بلا شعب
وكانت هذه من بين الأسئلة التي طرحها إيفان تاونسند على نفسه عندما اشترك في أول فترتين من العمل في قاعدة محطة "ماك موردو"، التي تديرها الولايات المتحدة في أنتاركتيكا.
وكان تاونسند، وهو مدرس لدى مدرسة ابتدائية في بوسطن، يعلم أن لديه حدًا صارمًا لوزن الأمتعة عند ذهابه إلى القارة القطبية الجنوبية للعمل كموظف دعم، فالجميع مقيد بإحضار أمتعة تزن 85 رطلاً كحد أقصى، والتي يجب أن تشمل الملابس، وأدوات النظافة، والأدوية، والأجهزة الإلكترونية، وأي غرض آخر قد يحتاجونه أثناء إقامتهم.
ونظرًا لأن إحدى واجباته ستكون إدارة غرفة الفنون والحرف اليدوية في القاعدة، فقد أراد تاونسند إحضار بعض الزخارف معه، ولكنه كان يعلم أنه بحاجة إلى إحضار أمتعة خفيفة، لذا اختار عَلم "برايد" للمثليين، إذ أنه بالكاد يتمتع بأي وزن، ولكن أهميته كانت كبيرة بالنسبة له.
وفي أحد الأيام، أخذ تاونسند وعدد قليل من زملائه العلم إلى الخارج والتقطوا صورًا لأنفسهم لنشرها عبر وسائل التواصل الاجتماعي. وانتهى الأمر بالصور إلى أن تصبح قصة دولية، حيث قالت العديد من المنافذ الإخبارية إن النزهة كانت أول مسيرة للمثليين "برايد" في القارة القطبية الجنوبية.
ويقول تاونسند: "حينها أدركت مدى قوة الأعلام".
ورغم من أنه لم يدرس التصميم، إلا أن تاونسند يصف نفسه بأنه "مهووس بالأعلام"، وبدأ بفكرة إنشاء علم يمثل القارة القطبية الجنوبية.
واختار اللون الأزرق الداكن ليرمز إلى مياه المحيط الجنوبي، واللون الأبيض ليرمز إلى المناظر الطبيعية، مع وجود شكل مثلث متساوي الساقين في الوسط، ليرمز إلى القمم الجليدية في القارة القطبية الجنوبية.
ويوضح تاونسند: "أردت أن يكون علمًا محايدًا بالتأكيد"، مشيرًا إلى أنه "يتمتع بتصميم مميز ولون مميز للتأكد من أنه لا ينتمي إلى أي مجموعة أو جنسية معينة".
ويضيف: "أردت أن يحتوي العلم على الكثير من الرمزية، وأن يكون بسيطًا في الوقت ذاته، بحيث يمكن للأشخاص تطبيق تصوراتهم الخاصة عن أنتاركتيكا".
ويحمل اسم مشروع العلم، "الجنوب الحقيقي"، أهميته الخاصة أيضًا.
ويوضح تاونسند أن "الجنوب الحقيقي يعني حرفياً الاتجاه نحو القطب الجنوبي الجغرافي، على عكس الجنوب المغناطيسي الذي سيؤدي إلى القطب الجنوبي المغناطيسي".
ويضيف: "من المفترض أن يمثل الأهداف والقيم المشتركة التي يمكن لمجتمع أنتاركتيكا من خلاله أن يوجه نفسه".
وليس لدى تاونسند أي خطط لوضع علامة تجارية أو حقوق نشر لتصميم العلم، لأنه يعتقد أنه يجب أن ينتمي إلى العالم بأسره.
ويشير إلى أن "أفضل الأعلام هي الأعلام التي تستمد معناها وقوتها من الأشخاص الذين يرفعونها".
من المسؤول هنا؟
وتاونسند هو مجرد شخص من بين العديد من الأشخاص حول العالم الذين أذهلتهم القارة القطبية الجنوبية، حتى وإن لم يتمكنوا من زيارة المكان ورؤيته بأنفسهم.
ولكن، ما الذي يميز القارة الواقعة في أقصى الجنوب والتي تستمر في إذهال الناس؟
وفي عالم مترابط أكثر من أي وقت مضى، تظل القارة القطبية الجنوبية واحدة من الأماكن القليلة التي لا يعرف معظم الناس أي شيء عنها.
ولا يوجد سكان أصليون في أنتاركتيكا، ولا يزال النشاط البشري هناك حديثًا نسبيًا.
والتركيبات الدائمة الوحيدة هي عدد قليل من المحطات العلمية، التي توظف فقط العلماء وموظفي الدعم، وهو مصطلح يشمل أي شخص من الطهاة، وعمال الصيانة، إلى الكهربائيين ومديري المطارات.
ومن الشائع أن يقوم الأشخاص هناك بمهام متعددة، وقد عمل تاونسند على سبيل المثال في خدمة الطعام كنادل ومدير غرفة حرفية خلال فترة عمله.
وفي ذروته، يصل عدد سكان أنتاركتيكا من البشر إلى حوالي 10 آلاف شخص.
وفي عام 1959، وقعت 12 دولة - بما في ذلك اليابان، وجنوب أفريقيا، وفرنسا، والمملكة المتحدة، والأرجنتين وما كان يُعرف آنذاك بالاتحاد السوفيتي - على معاهدة أنتاركتيكا في واشنطن العاصمة.
ومن بين البنود التي اتفقوا عليها أن القارة القطبية الجنوبية يجب أن "تستخدم للأغراض السلمية فقط" وأن العِلم سيكون في طليعة أي تطوير أو تسوية هناك.
ويُسمح لأفراد الجيش بالتواجد هناك، ولكن فقط في أدوار الدعم.
ورغم من أن قلة من الأشخاص يعيشون هناك، فإن نطاق تأثير القارة القطبية الجنوبية هائل. وقد تسبب تغير المناخ في انكماش القارة.
ورغم من وجود المعاهدة، فقد تغيرت السياسة العالمية وظهرت جهات فاعلة جديدة - وبالتحديد الصين - في أنتاركتيكا.
ويقول كلاوس دودز وهو أستاذ الجغرافيا السياسية بجامعة لندن، ومؤلف العديد من الكتب حول المناطق القطبية: "يتم سلب الأشياء من القارة القطبية الجنوبية باستمرار مثل الجليد والموارد مثل الفقمات والحيتان والأسماك"، مضيفًا: "أعتقد أن هشاشة أنتاركتيكا تمثل هشاشة العالم الأوسع".
وبينما أن تغير المناخ يتمتع بالتأثير الأكبر على القارة القطبية الجنوبية، إلا أن هناك عاملًا رئيسيًا آخر سيزداد أهمية مع انحسار الجائحة، أي السياحة.
مستقبل القارة السابعة
ويأتي حوالي 90% من السياح إلى القارة القطبية الجنوبية عن طريق القوارب.
وتُعد هذه الرحلات باهظة الثمن، ويقضي معظم المسافرين بضع ساعات فقط في الواقع على الأرض قبل ركوب السفن والمغادرة.
وتعد الولايات المتحدة حاليًا أكبر مصدر منفرد للسياحة في القطب الجنوبي، ولكن الصين ترتفع سريعًا إلى المرتبة الثانية، ويعتقد دودز أنها ستتصدر القائمة في غضون عقد من الزمن.
وبعض الوجهات، مثل منتجع أوشوايا الأرجنتيني ومدينة هوبارت الأسترالية، تجني الأموال من هؤلاء السياح نظرًا لموقعهما كمنافذ اتصال نهائية قبل القطب الجنوبي.
ويتوقع دودز أن العقد القادم سيشهد قيام العديد من شركات السفن السياحية بفتح مسارات رحلات أنتاركتيكا وأن تستثمر المزيد من شركات السفر في البنية التحتية للقارة.
وأصبحت القارة القطبية الجنوبية موقعًا آخر لتظهر فيه تنافسها ومخاوفها، تمامًا كما تتنافس البلدان على السلطة بقواعد عسكرية ومناورات سياسية.
ويقول دودز: "لا أحد يستطيع أن يجيب على سؤال (من) يملك أنتاركتيكا".
ويعتقد دودز أن القارة القطبية الجنوبية تجسد، في جوهرها، ليس فقط المثالية التي تمثلها المعاهدة، بل تجسد أيضًا الطبيعة المتناقضة العليا للإنسانية بشكل عام. لذلك بالنسبة لجميع الأشياء التي نرغب في الاحتفال بها في أنتاركتيكا، هناك أيضًا قبح الإنسانية".
ويشير دودز إلى بعض النجاحات الكبرى، وأبرزها كون القارة القطبية الجنوبية أول قارة خالية تمامًا من الأسلحة النووية، ومنزوعة السلاح.
ويرى دودز أن علم "الجنوب الحقيقي" يُعد مثالًا آخر على قدرة القارة على الجمال والوحدة.