داخل عاصمة القصص الخيالية في العالم..تعالوا معنا بجولة في كوبنهاغن
دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN) -- رفعت الدنمارك القيود المفروضة جراء فيروس "كوفيد-19"، لتكون بذلك أول دولة عضو في الاتحاد الأوروبي تخفّف كلّيًا من التدابير الصارمة، التي ما زالت سارية في الدول الإسكندنافية الأخرى.
ويعود نجاح خطة الدنمارك في السيطرة على الوباء، إلى حد كبير لتقاليد "samfundssind المحلية"، أو"العقلية الاجتماعية".
ونظرًا لأن تصاريح "كوفيد-19" لم تعد مطلوبة لدخول المطاعم والنوادي الليلية، فإن مدينة كوبنهاغن مفتوحة وجاهزة للعمل، ويستعد سكانها للترحيب بالزوار الجدد وأولئك العائدين إليها للاستمتاع بسحرها البسيط.
إذا، هل وضعت الدنمارك نقطة نهائية على فصل مظلم من قصة خرافية؟ طبعًا، وهذا يتناسب مع العاصمة كوبنهاغن، التي ساهمت في صناعة ثقافتها تفاصيل صغيرة مثل الحكايات الخيالية، لا سيّما تلك التي خطّها هانز كريستيان أندرسن.
وعلى الرغم من وفاة كاتب الروايات الكلاسيكية "الحورية الصغيرة" (The Little Mermaid) و"ثياب الملك الجديدة" (The Emperor's New Clothes) قبل زهاء 150 عامًا، إلا أن روحه ما زالت حية في الدنمارك المعاصرة.
وكل من يلتقي بالمؤدي توربن إيفرسن، قد يُغفر له اعتقاده بأنّ الكاتب الراحل أندرسون ما زال على قيد الحياة، ويقف أمامه شخصيًا.
ويمكن مصادفة إيفرسن على نحو منتظم في شوارع المدينة مرتديًا ومتحدثًا مثل الكاتب الشهير، ترافقه فرقة تتألف من عشاق القصص الخيالية، الذين أخذوا على عاتقهم تمرير قصص هذه المؤلف للأجيال التالية.
وقال إيفرسن الذي يرتدي الزي التقليدي الخاص بالقرن التاسع عشر لـCNN إن على "أحدهم أن يؤدّي روايات أندرسن، ويجوب العالم مقدّمًا أعماله".
وقد أسّس إيفرسون فرقة "Iversen Hans Christian Andersen Parade" عام 1988، وجال بعرضه الذي يتناول 20 شخصية من روايات أندرسن الخيالية، في جميع أنحاء العالم. ورغم ذلك، عاد إلى موطنه في الدنمارك، حيث اختار مواصلة عمله، منظّما جولات سياحية خاصة حول متحف أندرسن في منطقة أودينسي، غرب كوبنهاغن.
ويشرح إيفرسن عن كتابات أندرسن وقصصه، التي تدور حول ضرورة الإبقاء على مشاعر الدهشة والخيال إلى ما بعد السنوات الأولى من الطفولة.
سوء فهم حول تاريخ الفايكنغ؟
وإذا كانت حكايات حوريات البحر، والأباطرة والأميرات العراة متجذرة في عمق الثقافة الدنماركية، فإن ذلك ينسحب أيضًا على تاريخ الفايكنغ الطويل وقصصه. وسيطر هؤلاء الغجر على معظم أنحاء شمال أوروبا في بداية العصور الوسطى، ووصلوا إلى روسيا، وغرينلاند، وأمريكا الشمالية. أما أعمال النهب التي قاموا بها فطبعت سمعتهم التي ما زالت مستمرة حتى يومنا هذا، وقوامها العنف.
وهذه السمعة، يحاول الفنان والمصمّم والمصوّر اللامع جيم لينجفيلد تحسينها، من خلال تغيير المفاهيم السائدة وعرض معتقدات الفايكنغ الإسكندنافية، وطقوسهم الوثنية.
ويعتبر لينغفيلد هذا الموضوع أمرًا شخصيًا، وهو المتحدّر من سلالة حكام الفايكنغ، وفي حوزته شجرة العائلة كدليل. لكنه انتقل إلى المرحلة التالية مستعينًا بمهاراته كمصمّم، حيث قام ببناء قلعة الفايكنغ الخاصة به، ومعبدًا أيضًا للآلهة الإسكندنافية، وضع اللمسات الأخيرة عليه عام 2016.
وقال لـCNN "هدفي في الحياة ليس الترويج، هذه المفردة خاطئة، ولكن إخبار الناس عن المعتقدات الإسكندنافية القديمة والفايكنغ. ومساعدتهم ليكونوا أقل تنميطًا".
وأصبح لينغفيلد أحد أكثر الشخصيات شهرة نظرًا لإفراطه بالتعريف عن تاريخ الفايكينغ ومعتقداتهم الدينية وتوضيح ما يُساء فهمه عن التاريخ الدنماركي، حتى أنه قام بدعوة اللاجئين السوريين إلى قرية من العصر الحديدي أُعيد عملية بنائها في أودنسي لمشاركتهم تجربة الثقافة الدنماركية. وهذه هي مقاربته الفريدة لإبراز أفضل ما في الدنمارك.
العلم يتحدى التاريخ
وبينما يجهد لينغفيلد لتغيير التنميط اللاحق بتاريخ الفايكنغ، أظهر بحث جديد أن ليس كل ما نعلمه عن هؤلاء القراصنة، بناة المملكة، دقيقًا.
فقد قام عالم الحمض النووي، ومدير مركز أبحاث الخريطة الجينية في جامعة كوبنهاغن إيسكي ويلرسليف، المغامر السابق الذي قاد رحلات استكشافية في سيبيريا وغرينلاند، من خلال أبحاثه المتطورة بتفجير ألف عام من تاريخ الفايكينغ، وبالتالي تاريخ الدول الاسكندنافية.
وبيّنت أبحاثه أن أصول الفايكينغ لا تقتصر على الشعوب الإسكندنافية فقط. إذا أظهرت تحاليل لـ400 هيكل عظمي أُخذت من مدافن منتشرة في مختلف أنحاء اسكتلندا وغرينلاند، أن العديد منها لا تتحدر من الدول الإسكندنافية، إذ أن بعضهم من السكان المحليين والبعض الآخر لديهم صلات بجنوب أوروبا وآسيا.
وقال ويلرسليف إن الفايكنغ كان أكثر من مسمّى وظيفي، هو أسلوب حياة. لقد تم دفن هذه الهياكل العظمية باستخدام طقوس الفايكنغ، من خلال وضع السيوف والدروع التي تجدها في الدول الاسكندنافية، موضحًا أن "هويتنا الكاملة كإسكندنافيين تستند إلى أسطورة الفايكنغ. لكن هل تعلم ما هو هدفك كباحث؟ هدفك معرفة ما حدث حقيقة بخلاف ما نعتقد أنه حدث أو نتخيّل ما حدث".
وفي جعبة ويلرسليف مفاجأة أخرى إذ كان الفايكينغ "أقل شقارًا، وعيونهم ليست زرقاء على غرار شعوب الدول الاسكندنافية اليوم".
المدينة المتمرّدة
وكانت كوبنهاغن قد اكتسبت سمعة دولية لبساطتها، وذهنيتها التوافقية، واعتدالها. ولكن هذا لا يعني أن ليس لديها جانب متمرد، فمجتمع منطقة كريستيانيا هو أكبر دليل على ذلك.
واشتهرت كريستيانيا بنهجها الحر ومقاربتها البسيطة للحياة، حيث سلّط النقاد الضوء على قضايا مثل التعاطي العلني للمخدرات، وارتباط المنطقة بالجريمة المنظمة. ويتمّ تحذير الزائرين من التقاط صور في محيط شارع بوشر الشهير، مع قائمة من القواعد مرئية لكل من يقصد هذه المنطقة الفريدة في كوبنهاغن.
ولكن، منذ عام 2011، أصبحت المنطقة مملوكة لمؤسسة فريتاون كريستيانيا، وهي مجموعة ملتزمة بحماية أسلوب حياة أهل هذه المدينة والمكان الذي أطلقوا عليه اسم مجتمعهم منذ 50 عامًا.
ولكن..ما الذي يجعلها جذابة للغاية بعد كل هذه السنوات؟
وتقيم تانيا زبيل منذ فترة طويلة في فريتاون، حيث تلتزم بقضية العيش المشترك والقيام بالأشياء بشكل مختلف. وتجوب شوارع كريستيانيا الهادئة وهي ترتدي حذاء بعجلات، عاكسة الروح المتمردّة الصامدة هناك. إنها شغوفة بالمنطقة التي تعيش فيها، ولا سيما الفنون التي تزين جدران المنطقة.
ومن جهة أخرى، في محيط أكثر محافظة مجاور لمخبز دنماركي تقليدي، تعيش المراسلة والمؤلفة الدنماركية المتجولة أولّا تركيلسن في مزاج تأملي.
وهذه المرأة التي جالت العالم، تربطها علاقة عاطفية عميقة بالمكان الذي أمضت فيه السنوات العشرين الأولى من حياتها. وقالت تركيلسن "أعتقد أن الدنمارك بلدًا جميلًا للغاية"، واصفة عودتها إلى وطنها بعبارة: "كما لو كنت قد خرجت من العالم، وهو خطير ومختلف، ودخلت إلى حديقة جميلة جدًا".