ماذا تعرف عن القناة التي ستربط باريس بالممرات المائية الأوروبية؟
دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN) -- أعمال الحفر في إحدى المناطق الواقعة شمال شرق فرنسا جارية بزخم، بعد تعثر بدايات انطلاق مشروع إنشاء Seine-Nord Europe Canal (SNEC) أي قناة السين شمال أوروبا، وتوقفه مرات عدة. وتقدر كلفة القناة بـ5.1 مليار يورو (5.5 مليار دولار) وهدفها إزالة إحدى معوّقات النقل الرئيسية في القارة.
القناة الطموحة التي يبلغ طولها 107 كيلومترات (66 ميلاً) ستربط بين نهر "واز" وقناة دنكيرك سخيلده، وتشكل شبكة من الممرات المائية القادرة على نقل الشحنات الكبيرة بين باريس وبلجيكا وهولندا ولوكسمبورغ، التي تُنقل حاليًا بالبر، وتواجه طرقًا مسدودة.
لكن على القناة أن ترسم المسطحات المائية الحساسة، بدءًا من كومبانيي جنوبًا، وانتهاء بأوبانشولوباك شمالًا، كما أنها تعبر الأرض التي كانت تشكل ذات مرة الجبهة الغربية للحرب العالمية الأولى. وكان على القيمين على المشروع التفاوض حول ساحات المعارك التاريخية، فضلاً عن المهمة الدقيقة المتمثلة بإخراج رفات الجنود على طول القناة.
وتشكل الأبراج المائية الشاهقة وعشرات الجسور التي سيتم بناؤها، وضرورة تحويل نهر، ومخطط كبير لرفع القناة فوق أرض رطبة محمية، عنصرًا واحدًا فقط من قائمة طويلة من التحديات التي يجب التغلب عليها، حتى يتم تشغيل القناة عام 2030.
نصف قرن في طور التكوين
في الوقت الحاضر، تعد قناة الشمال (Canal du Nord) الفرنسية أهم ممر مائي يربط بين حوض نهر السين وحوض نهر سخيلده في شمال شرق فرنسا. كانت القناة التي يبلغ طولها 95 كيلومترًا (59 ميلًا) تعتبر غير كافية عند اكتمال بنائها في ستينيات القرن الماضي، نظرًا لضيق ممرها المائي الذي يحد من حجم السفن التي يمكنها العبور.
ثم أنشئت قناة بديلة للسفن الأكبر لأول مرة منذ نحو 50 عامًا، لكنها واجهت صعوبة في الانطلاق. تم دعم مشروع قناة السين شمال أوروبا (SNEC) من قبل الاتحاد الأوروبي عام 2013، ودخلت الحكومة الفرنسية عام 2019، في اتفاقية تمويل بين الاتحاد الأوروبي والدولة والسلطات المحلية على على امتداد خط المشروع.
وقال جيروم ديزوبري، رئيس المجلس التنفيذي لـ جمعية قناة السين شمال أوروبا "Société du Canal Seine-Nord Europe" (SCSNE)، التي أنشئت للإشراف على SNEC.
ستكون القناة قادرة على نقل السفن التي يصل وزنها إلى 4400 طن (أكثر من سبعة أضعاف الحد الأقصى لسابقتها)، وتحمل ما يعادل 220 شاحنة من البضائع.
تزعم شركة أركاديس للتصميم والهندسة التي قدمت استشارات بشأن المشروع، أن نقل الشحن على طول الممرات المائية ينتج عنه انبعاثات كربونية أقل بثلاث مرات من تلك التي تُنتج من طريق البر، وأن القناة يمكن أن تزيل 760 ألف شاحنة من الطرقات سنويًا بمجرد تشغيلها.
ويوجِد هذا المشروع العملاق العديد من حلول البنية التحتية الضخمة المترابطة. وأوضح ديزوبري لـCNN أنّ أحد الأقفال سيكون له نفس ارتفاع مبنى مكوّن من 10 طبقات، وسوف يفرغ ما يعادل حوض سباحة بحجم أولمبي في 30 ثانية.
أما فيليب بوردون، مدير عمليات أركاديس فرانس فشرح لـCNN أنّ "هذا المشروع شكّل تحديًا تحديدًا بالنسبة لحجمه ونطاقه الهائل، إذ يبلغ طوله أكثر من 107 كيلومترات، ويضم ما يصل إلى 60 جسراً، وثلاثة جسور قنوات، وسبعة أبراج أقفال، و700 هيكتار من المزارع البيئية".
الجبهة الغربية
لكن رغم كل التحديات الهندسية، ربما يكون العنصر الأكثر حساسية للقناة هو عبورها لساحات القتال التاريخية.
في هذا الصدد، قالت كلير هورتون، المديرة العامة للجنة الكومنولث لمقابر الحرب (CWGC) لـCNN: لا يزال 100 ألف جندي من الحرب العالمية الأولى يرقدون تحت الحقول والقرى والبلدات الواقعة على طول الجبهة الغربية". وتابعت "يوفر مشروع البنية التحتية الضخم هذا فرصة نادرة لاستعادة رفات بعض هؤلاء الجنود، من المنطقة التي كانت مسرحًا للعديد من المعارك العنيفة".
تمر القناة ببيرون على الحافة الشرقية لساحة معركة السوم، وكامبراي شمالًا، وهو موقع دارت فيه معارك مهمة في أواخر الحرب. وقال متحدث باسم اللجنة لـCNN: من المحتمل أن يتم استعادة مئات الجنود.
وتعمل اللجنة بالشراكة مع السلطات الفرنسية وSociété du Canal على العمليات الاستكشافية. بدأت الحفريات على طول أجزاء من الطريق هذا العام، وستستمر حتى عام 2024 قبل حفر القناة.
وسيتم نقل الرفات إلى بورين، حيث ستُبذل محاولات لتحديد هوية الجنود. وقالت اللجنة إن احتمالية التحديد الإيجابي منخفضة، حتى مع خيار أخذ عينات الحمض النووي.
تخضع مقبرة Loos British Cemetery في Pas-de-Calais لتوسيع من قبل اللجنة لتوفير مساحة ما يصل إلى 1200 جثة، ضمنًا تلك التي عثر عليها أثناء الحفريات المتعلقة بالقناة.
الأثر الاقتصادي
كما تم الترويج للقناة باعتبارها حافزًا اقتصاديًا وتوظف 500 شخص حاليًا، بحسب ديزوبري، ويتوقع أن يرتفع هذا الرقم إلى 6000-8000.
من خلال ربط شمال شرق فرنسا بشبكة بطول 20 ألف كيلومتر (12400 ميل) من الممرات المائية الأوروبية الكبيرة من باريس إلى أنتفيرب، تراهن المنطقة المضيفة Hauts-de-France على فوائد محلية للمشروع. يتم التخطيط للموانئ الداخلية على طول طريق SNEC، ما يدعم الصادرات، فضلاً عن توفير فرص ترفيهية، بحسب المصممين.
وفي بيان لـCNN، قال رئيس المجلس الإقليمي Hauts-de-France كزافييه برتران، إن القناة "ستحدث تحويلًا" في المنطقة، مضيفًا أنها ستفيد "صناعات السياحة والإقامة والتموين والنقل النهري".
لكن الازدهار الاقتصادي في حد ذاته قد يكون له عواقب غير مقصودة. حتى إذا كانت القناة قادرة على الحفاظ على البيئة المحيطة بها والحفاظ عليها، فقد أثيرت مخاوف من احتمال زيادة عدد الأشخاص الذين يعيشون ويعملون على طول مسارها، الأمر الذي قد يضع ضغوطًا إضافية على موارد المياه.
ورغم تاريخ توقف القناة، فإن Société du Canal Seine-Nord Europe واثقة من إمكانية الالتزام بالجدول الزمني للبناء، وستبدأ بالعمل عام 2030.