جزيرة صغيرة ونكهات كبيرة..كيف يسعى طهاة لنشر ثقافة المطبخ السريلانكي حول العالم؟
دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN) -- عندما افتتح مطعم "Kolamba" لأول مرة في عام 2019، لم يكن العديد من رواد المطعم في منطقة سوهو بوسط العاصمة البريطانية لندن على دراية بالمطبخ السريلانكي.
وظنوا أنه يشبه الطعام الهندي تمامًا، وفقا للمؤسسة المشاركة للمطعم، أوشي ميويلا، التي نشأت في سريلانكا.
وقالت لـ CNN: "شعرنا أن الطعام السريلانكي لا يتم تمثيله بشكل كافٍ في وسط لندن، لذلك أردنا إحضار الأطباق التي نشأنا عليها وافتقدناها عندما انتقلنا بعيداً".
ورغم أن سريلانكا هي الجارة الصغيرة للهند، حيث يبلغ عدد سكانها 22 مليون نسمة فقط، إلا أن مطبخهما وثقافتهما تختلفان تماماً.
والآن، يسلط جيل جديد من الطهاة السريلانكيين في جميع أنحاء العالم الضوء على مطبخهم الأصلي، بينما يحتضنون التراث المتنوع للطهي في البلاد.
الارتباط السياحي
تشير ميوالا إلى أن الظهور المتزايد للمطبخ السريلانكي "كان قادمًا منذ فترة طويلة".
وتتابع: "أما الآن، هناك المزيد من السريلانكيين على استعداد لاغتنام الفرصة لتقديم مطبخنا الخاص، وفتح المطاعم، ونشر مطبخنا حول العالم".
وتنسب ميويلا الفضل إلى السياحة في الارتفاع الأخير بالاهتمام والدعم للطعام السريلانكي.
ورغم توقف وصول السياح بسبب سلسلة من الانتكاسات منها أمنية، واقتصادية، وصحية مثل جائحة "كوفيد-19"، إلا أن سريلانكا عادت إلى رادار السياحة، حيث استقبلت بالفعل أكثر من 800 ألف زائر في عام 2023 اعتبارًا من الأسبوع الأول من أغسطس/ آب الماضي.
وتوضح ميويلا: "يزور الناس جزيرتنا المتنوعة، ويكتشفونها، ويجربون طعامنا، الذي يدركون أنه لذيذ أيضًا".
من جانبها، تعتقد الطاهية داياني ويليامز، إحدى المتسابقات في برنامج "MasterChef Australia 2019"، أن ظهور منصات التواصل الاجتماعي في العقد الماضي وبرامج مسابقات الطبخ ساعدت أيضًا الطهاة المحترفين والهواة على الترويج للطعام السريلانكي في السوق الدولية.
وتقول الطاهية، المعروفة بإعداد أطباق السلطعون السريلانكية بالكاري والدجاج بالكاري التي قدمتها خلال مشاركتها في البرنامج التلفزيوني الأسترالي: "لقد رأينا العديد من المشاركين يتمسكون بجذورهم ويبتكرون أطباق سريلانكية أصيلة في هذه البرامج".
تأثيرات متنوعة
واليوم، يقوم المزيد من الطهاة السريلانكيين في جميع أنحاء العالم بالترويج للطعام السريلانكي بينما يتحدون المفاهيم الخاطئة الشائعة حول هذا المطبخ.
وتوضح ويليامز أن ذلك قد ساعد في تغيير التصور العالمي بأن الطعام السريلانكي يختلف عن الطعام الهندي، ولا يقتصر الأمر على تناول الكثير من الكاري مع الأرز فحسب.
وعلى سبيل المثال، رغم مشاركة الاسم ذاته، فإن "الروتي" السريلانكي عبارة عن "دوائر" أصغر حجمًا وأكثر سمكًا محضّرة من جوز الهند المبشور الطازج ودقيق الأرز، على عكس الروتي الهندي الكبير، المحضّر من القمح.
ويُعتبر كل من الأرز، وحليب جوز الهند، والفاكهة المحلية، والخضار، والمأكولات البحرية بمثابة اللبنات الأساسية للمطبخ السريلانكي.
وتشرح ميويلا أن المطبخ السريلانكي يستمد الإلهام من الثقافات العرقية المتنوعة وتأثيرات الهولنديين والبرتغاليين، الذين حكموا سريلانكا ذات يوم.
وبالنسبة لمطعم "Kolamba"، فتشمل الأطباق الرئيسية لحم الضأن بوريال، وهو طبق شائع في المنطقة الشمالية التي يسكنها الشعب التاملي في سريلانكا، حيث يُقلى اللحم جافًا مع البصل، والفلفل الأخضر الحار، والليمون.
أما أحد الحلويات الشعبية المشهورة، فهو عبارة عن كسترد جوز الهند الذي يعده المسلمون للاحتفال بالعيد.
وتشير ميويلا إلى أن المطبخ السريلانكي يعتمد أيضًا على النباتات بشكل كبير مع العديد من الخيارات النباتية، ما يمنح المطبخ تميزًا، ويجعله يلقى صدى لدى الجماهير العالمية.
وعلى مدى قرون، استخدم السريلانكيون المكونات البرية والمزروعة عضويًا مثل الكاكايا،، والسبانخ، والبطاطا، حيث قاموا بمزجها مع التوابل والأعشاب، ثم قليها لإعداد أطباق ذات نكهات فريدة.
وتشيد قائمة الطعام بمطعم "Kolamba" بهذه الوصفات النباتية مع أطباق مثل كاري الخبز المطهي مع حليب جوز الهند، والموز الأخضر الخام المقلي، وجوز الهند المبشور.
وفي الطبخ السريلانكي، يتم بشر اللب الأبيض لجوز الهند وعصره لتحضير حليب جوز الهند الغني بالكريمة، والذي يثري أنواع الكاري النباتية واللحوم المختلفة.
ويضاف حليب جوز الهند الطازج أيضًا إلى مشروب تقليدي يسمى "Kola kanda"، المحضر من الأعشاب والأرز.
وخلال المناسبات الاحتفالية مثل رأس السنة أو اليوم الأول من العمل، يقوم السريلانكيون أيضًا بطهي حليب جوز الهند مع الأرز لإعداد وجبة إفطار كريمية تسمى "كيريباث".
وتقول سام فور، وهي طاهية أمريكية سريلانكية مقيمة في مدينة ليكسينغتون بولاية كنتاكي: "عندما كنت أستضيف وجبات الإفطار والغداء في المنزل، لم أكن أتوقع أن تكون هناك شهية لأطباق مثل كيريباث، لكن الناس وقعوا في حب هذه النكهات من طفولتي".
وتضيف: "في نهاية المطاف، أصبح الطلب كبيرًا لدرجة أنني نصبت خيمة خلف حانة في المدينة للبدء ببيع الطعام الذي كنت أحضّره".
وفي غضون عامين، حظيت خيمة فور باهتمام وطني لتسليطها الضوء على الوصفات البسيطة التي تتضمن عناصر سريلانكية. والآن، أصبحت فور جاهزة لافتتاح أول مطعم لها في ليكسينغتون.
حار.. حامض.. حلو
ورغم الافتراض السائد أن الطعام السريلانكي حار، إلا أنه يتكون من العديد من التوابل والأعشاب الأخرى إلى جانب الفلفل الحار.
وتستخدم بذور الكزبرة، والفلفل الأسود، وبذور الخردل، وجوزة الطيب، والقرفة، والهيل، وأوراق الكاري، وأوراق الباندان، وعشب الليمون لإضفاء نكهة ورائحة على الأطباق.
ويتم أيضًا تحميص التوابل وطحنها معًا لصنع أنواع مختلفة من مسحوق الكاري، وهو عامل نكهة أساسي.
وتشير فور إلى أن هذه النكهات المتنوعة للمطبخ السريلانكي تنطبق أيضا على تقنيات الطهي الشائعة.
وعلى سبيل المثال، تقوم فور بإعداد الدجاج المقلي، وهو طبق يعرفه الأمريكيون، ولكنها تضيف إليه بهارات الدجاج السريلانكي بالكاري، وتطحنها وتمزجها مع اللبن لتدمج النكهات.
وبينما يضيف الطهاة في جميع أنحاء العالم لمساتهم الفريدة إلى الأطباق المحلية، تعتقد كل من فور وويليامز أن الاهتمام بالطعام السريلانكي سيستمر في التوسع.
تقول فور: "مع نمو المطبخ (السريلانكي)، سوف يتطلب الأمر بعض التطبيقات الإبداعية للنكهات مثل الفلفل الحار، والليمون، والتمر الهندي من أجل العبور الكامل إلى الذوق العالمي".
وتابعت: "الأمر متروك لنا كطهاة لتكريم جذورنا مع الابتكار من أجل المستقبل. لا أستطيع الانتظار حتى يصبح الطعام السريلانكي غير الرسمي مطلوبا على مستوى البلاد في جميع أنحاء أمريكا".