تكلفة مميتة..هذا ثمن تناول الكمأة البيضاء بالمطاعم الفاخرة في إيطاليا
دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN) -- كانت مجزرة صامتة، والقتلة متخفين، بينما كان الضحايا عبارة عن أكثر من 30 كلبًا مدربة على شم الكمأة الثمينة التي تنمو تحت الأرض بالقرب من جذور الأشجار الرطبة والعفنة في منطقتي أبروتسو وموليزي الريفيتين بوسط إيطاليا.
وتعرضت الكلاب للتسمم في نهاية الأسبوع الماضي، وفقًا لما ذكرته وحدة حماية الحيوانات التابعة لشرطة كارابينيري المحلية.
وتناولت الكلاب كرات لحم مغطاة بما يُعتقد أنه مادتي ميتالدهيد والإستركنين، دُسّتا بشكل استراتيجي حيث يمكن للكلاب العثور عليها، بعيدًا عن أنظار أصحابها.
وهذه ليست المرة الأولى التي يتم فيها التضحية بالكلاب البوليسية في عالم صيد الكمأة الغامض.
وتقول جماعات حقوق الحيوان إن نحو 10 كلاب تُقتل في جميع أنحاء إيطاليا كل عام في المتوسط بسبب كشفها عن الكمأة. ومن الممكن أن يكون العدد أعلى حيث لا يتم الإبلاغ عن العديد من الوفيات، وفقًا لما أوضحته جمعيات الصيد المحلية.
يخشى الصيادون أن يكون قتل ثلاثة أضعاف العدد المتوسط دفعة واحدة بمثابة توجيه رسالة.
ألقت مثل هذه الوفيات بظلالها على شبكة الصيادين والتجار التي تقدر قيمة أرباحهم بملايين الدولارات والتي تزود الكمأة البيضاء الإيطالية لبعض المطاعم الأكثر تميزًا في العالم.
كما أنها تثير تساؤلات حول ما تقول مجموعات الصيادين إنه أحد قطاعات الإنتاج التقليدية الأقل تنظيمًا في إيطاليا.
ويأتي كل هذا في وقت تؤدي فيه أنماط الطقس المتغيرة الناجمة عن أزمة المناخ إلى تقلص إمدادات الكمأة، ما يدفع الأسعار إلى الارتفاع بشكل متزايد.
وتحتاج الكمأة البيضاء إلى غابات وحقول رطبة وعفنة لتزدهر، وقد أثرت درجات الحرارة القياسية وحالات الجفاف الخانقة على هذا الموسم أكثر من أي وقت مضى في إيطاليا.
وفي الوقت ذاته، ارتفع الطلب العالمي من قبل الذواقة عليها بشكل كبير خلال السنوات الأخيرة، ما أدى إلى ارتفاع الأسعار.
ويمكن للصياد الذي يمتلك كلبًا بوليسيًا ماهرًا أن يكسب آلاف الدولارات يوميًا خلال موسم الكمأة، والذي يمتد عمومًا من سبتمبر/ أيلول إلى نوفمبر/ تشرين الثاني.
وفي عام 2022، بيعت الكمأة التي يبلغ وزنها نصف رطل 200 ألف دولار في مزاد في ألبا بإيطاليا.
وبقيمة سوقية حالية تبلغ 2،200 دولار للرطل الواحد، تُعد الكمأة البيضاء واحدة من أغلى الأطعمة في العالم.
وبمجرد تحويلها إلى أطباق شهية، غالبًا ما تُباع بأكثر من 400 دولار لقائمة التذوق في مدن مثل سان فرانسيسكو ولندن.
وقال سايمون مارتن، أستاذ التاريخ الإيطالي الحديث وصياد الكمأة المرخص، لـCNN: "هذا هو سعر الكمأة البيضاء التي يضعها النادل بطبقك في طوكيو، أو نيويورك، أو لندن".
ويقوم الصيادون ببيع الكمأة إلى وسطاء يبيعونها بعد ذلك إلى المطاعم، أو المصدّرين، أو الطهاة الخاصين.
أما سر من يقف وراء حالات التسمم فهو محور الخلاف الحقيقي في هذه الملحمة، حيث يقوم لاعبون مختلفون في سلسلة توريد الكمأة بإلقاء اللوم على بعضهم البعض.
وقال أحد الصيادين لـCNN، إنه لم يكن هناك أي صيادين محليين نشطين في وقت حالات التسمم، رغم أن ذلك حصل خلال ذروة موسم الكمأة البيضاء.
وتحدثت CNN إلى الصياد الذي طلب عدم الكشف عن هويته، حيث كان يخشى انتقام الصيادين الآخرين. ولم تتمكن CNN من التحقق من نشاط أي من الصيادين بالفعل بالمنطقة في ذلك الوقت، لكن الصيادين المحليين الذين تحدثوا إلى CNN، بشرط عدم الكشف عن هويتهم أيضًا، نفوا علمهم المسبق بحالات التسمم.
أكدت الشرطة أن الضحايا كانوا جميعهم من الكلاب القادمة من مناطق أخرى في البلاد، حيث جاءوا إلى المنطقة بعد العثور على كميات كبيرة من الكمأة البيضاء مؤخرًا.
وقد تم فتح تحقيق بالحادث. ولكن حتى الآن، لم يتم القبض على أي شخص أو إدانته بتهمة قتل الكلاب في السابق.
وتقول جماعة حقوق الحيوان المحلية إن أحد الأسباب هو أن أصحاب الكلاب نادراً ما يوجهون اتهامات عندما تُقتل كلابهم، بينما تقول الشرطة إن البعض ربما لم يسجلوا أو يرخصوا أو يضعوا شرائح إلكترونية لكلابهم بشكل صحيح وفقًا للوائح الصيد، وفي حالات أخرى، لم تكن الكلاب ترتدي الكمامات المطلوبة من الصيادين.
حتى الآن، لم يتقدم أي من أصحاب الكلاب النافقة في نهاية الأسبوع الماضي لتقديم شكوى، وفقًا لما ذكره مكتب الادعاء المحلي لـ CNN، ما دفع الجمعية الإيطالية لحماية الحيوانات والبيئة إلى دعوة النيابة العامة إلى التحرك.
وتريد الجمعية إغلاق المنطقة التي حدث فيها التسميم لمدة عام لحيوانات صيد الكمأة في حال كان هناك سم مخبأ لا يزال موجودًا في الأشجار الضحلة. كما دعت أيضًا الصيادين إلى كسر قواعد الصمت التي يتبعونها.
وكتبت المجموعة في رسالة موجهة إلى جمعيات الصيادين المحلية، اطلعت عليها CNN: "نحن قلقون بشأن صحة الكلاب، ويجب ألا يمر نفوق 30 منها مرور الكرام كما لو كان الأمر لا يهم سوى صيادي الكمأة".
وتابعت: "نفوق 30 كلباً في أيام قليلة يُعد مجزرة، ونعتقد أنه من المناسب أن يتكلم صائدو الكمأة، لأننا نعتقد أن بعضهم لديه أكثر من شبهة حول اسم مرتكب أو مرتكبي المذبحة".
ويقول ريكاردو جيرماني، وهو مزارع كمأة من الجيل الثالث ورئيس الرابطة الوطنية لصيادي الكمأة في إيطاليا، إن آخرين يلتزمون الصمت خوفًا من الانتقام، مشيرا إلى أن تمزيق الإطارات وحتى تفجير الشاحنات الصغيرة ليس أمرًا غير معتاد في عالم صيد الكمأة.
ويُوضح أن الكلاب النافقة تُعد البداية فقط فيما يتعلق بأزمة قطاع صيد الكمأة، لافتًا إلى أن هناك نقصًا في الشفافية حول مصدر الكمأة عندما يبيعها الصيادون، بما في ذلك استيراد الكمأة من مناطق بعيدة مثل إيران وأفغانستان، وبشكل أكثر محلي، كرواتيا، حيث ينتهي بها الأمر إلى اعتمادها للبيع كمنتجات إيطالية.
ويضيف جيرماني: "هناك القليل من الضوابط في عالم صيد الكمأة. ونحن بحاجة إلى ضوابط، والدولة لا تفعل ذلك، لذا علينا أن نفعل ذلك بأنفسنا".
وفي رسالة إلى وزارة الزراعة أُرسلت بعد مذبحة الكلاب، كتب أن قطاع الكمأة الإيطالي، وهو أحد امتيازاتنا الوطنية، يعاني ليس فقط بسبب الممارسات غير القانونية والقاسية، ولكن أيضًا بسبب الافتقار إلى الاعتراف المناسب".
ودعا جيرماني إلى تركيب كاميرات لمراقبة المناطق التي تحدث فيها حالات التسمم، لكنه يقول إنه يجب اتخاذ المزيد من الإجراءات.