جبن كممبير المفضل بفرنسا يواجه خطر "الانقراض".. ما الذي يهدده؟

نشر
6 دقائق قراءة

دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN) -- عندما صادف نابليون جبن الكممبير لأول مرة، كان سعيدًا جدًا لدرجة أنه قبّل النادلة التي وضعته أمامه، وذلك بحسب ما ترويه إحدى الأساطير، إذ كان ذلك بمثابة اعتراف من الإمبراطور الفرنسي بمدى جودة الجبن.

وهذا الجبن يُنتج في منطقة نورماندي بشمال غرب فرنسا بأشكال مختلفة منذ القرن الثامن عشر على الأقل، ويُعتبر الجبن الكريمي واللاذع واللزج المفضّل في فرنسا.

محتوى إعلاني

ولذلك، كانت العناوين الرئيسية الأخيرة حول النهاية الحتمية والوشيكة لجبن الكممبير، نظرا لأزمة فطرية، سببا في حالة من الذعر بين محبي هذا الجبن التاريخي.

ويبدو أن العلماء حذروا من أن المشاكل المتعلقة بالإنتاج الصناعي للجبن الفرنسي قد تكون لها عواقب طويلة المدى على مستقبله.

جبن كممبر معروض داخل حاوياته الخشبية المميزةCredit: Ludovic Marin/AFP/Getty Images

وأطلق ناقوس الخطر في يناير/كانون الثاني الماضي، عندما توصّلت دراسة حديثة أجراها علماء في جامعة باريس ساكلاي إلى أن الفطريات الرئيسية المستخدمة في صنع جبن الكممبر وغيرها من أنواع الجبن أصبحت نادرة بشكل متزايد بسبب أساليب الإنتاج الصناعي المستخدمة لمواكبة الطلب.

وفي حين أن هذا قد يسبب مشاكل لمجموعة متنوعة من منتجات الألبان، فقد اعتبر البعض أن هذا يعني أن جبن الكممبير الذي يُباع بسهولة في صندوق خشبي خاص به، يتجه إلى الهاوية.

وقال المركز الوطني الفرنسي للبحث العلمي (CNRS) في تقريره حول النتائج: "قد تكون الأجبان الزرقاء مهددة، لكن الوضع أسوأ بكثير بالنسبة لجبن كممبير، الذي هو بالفعل على وشك الانقراض".

وفي مكان آخر، حذر عنوان آخر من "أزمة الجبن" التي تلوح في الأفق.

وإلى جانب متحف اللوفر والأزياء الراقية وبرج إيفل، يُعد جبن كممبير كنزًا وطنيًا محبوبًا في جميع أنحاء العالم، ولا يمكن الاستغناء عنه بالنسبة للفرنسيين.

وتقول آن ماري كانتين، وهي تاجرة جبن مخضرمة إن "هذا الجبن وطني".

العفن القديم

يشتهر جبن الكممبير بنكهته اللذيذة المميزةCredit: Charly Triballeau/AFP/Getty Images/File

وفي قلب المشكلة يوجد البنسيليوم كاممبرتي، وهو فطر يُستخدم في صناعة الجبن، ويعطي الكممبر قشرته البيضاء، ويساعد على تطوير نكهة أومامي الغنية بالزبدة، والرائحة الواضحة للجوارب غير المغسولة.

وتتمثل المشكلة في عدم تكاثر فطريات البنسيليوم كاممبرتي، ويعود ذلك إلى حد كبير لضغوط الإنتاج الصناعي. 

وقديمًا كان جبن الكممبير والأجبان المشابهة مثل البري، من الأنواع التي تُعتّق في الكهوف أو غرف التجفيف، حيث تُكسبها أنواع العفن التي تحدث بشكل طبيعي قشورًا زرقاء أو في بعض الأحيان بنيّة صفراء.

وفي مطلع القرن الماضي، حلّت فطريات البنسيليوم كاممبرتي، محل العفن الأصلي، لتُنتج القشور البيضاء الموحدّة التي نعرفها اليوم.

لسوء الحظ، على عكس نظيراتها الفطرية التي تعيش في الكهوف، وجد الباحثون أن فطر البنسيليوم كاممبرتي لديه تنوع وراثي منخفض للغاية وقدرة منخفضة على التكاثر الجنسي.

وهذا يعني، وفقًا لتقرير المركز الوطني للأبحاث العلمية، أنه "من الصعب جدًا الآن على الشركات المصنعة الحصول على كميات كافية من أبواغ فطريات البنسيليوم كاممبرتي لتطعيم إنتاج الجبن النورماندي".

هذه ليست المرة الأولى التي يواجه فيها جبن الكممبير أزمة، وفقًا للراحل باتريك لانس، خبير الجبن البريطاني الذي قام بتأليف دليل نهائي للجبن الفرنسي، إذ أن التصنيع والصراع في القرن الماضي كاد أن يؤدي إلى القضاء عليه.

وفي كتابه الصادر خلال عام 1989 بعنوان "كتاب الجبن الفرنسي" ذكر أن "حربين عالميتين والكثير من الشركات الكبرى كادت أن تؤدي إلى انهاء جبن كممبير".

وتستضيف فرنسا حاليًا معرض الجبن السنوي في باريس، والذي يجمع كبار صانعي الجبن من جميع أنحاء البلاد. وبطبيعة الحال، كانت ذبول الفطريات موضوعًا نوقش بشكل كبير. 

تم تصنيع عملية إنتاج جبن الكممبير خلال القرن الماضي لمواكبة الطلب على الجبن الشعبي.Credit: Leitenberger S/Andia/Universal Images Group/Getty Images

وقال برونو لوفيفر، المدير العام لجمعية "Les fromageries de Normandie"، وهي جمعية إقليمية لصانعي الجبن، إن الأشخاص الذين تحدث معهم كانوا في حيرة من أمرهم بشأن مصدر الخوف على مستقبل جبن كممبير.

وأضاف لوفيفر أن هذه الدراسة نُشرت على نطاق واسع من قبل وسائل الإعلام. وربما كان الباحثون يحاولون إثارة الذعر بين صانعي الجبن، ولكنهم لم ينجحوا حتى الآن.

ورغم أن العلماء تمسكوا بادعاءاتهم، إلا أنهم أكدوا أنه لا يوجد خطر من اختفاء جبن الكممبير في أي وقت قريب.

وقالت الباحثة تاتيانا جيرو لـ CNN: "نوضح دائمًا للصحفيين أنه لا يوجد خطر قصير المدى على إنتاج كممبير".

وبطبيعة الحال، فإن إبقاء جبن الكممبير على قيد الحياة يعني أيضًا إحياء قصة الجبن. ويُقال إنه صنع لأول مرة من قبل امرأة من نورماندي تُدعى ماري هاريل التي حصلت على نصائح من كاهن هارب من إقليم بري، وهو معقل آخر لصناعة الجبن الفرنسي.

وبعد أن وجد استحسانا لدى نابليون، واصل الجبن بلعب دور غير متوقع في الحرب العالمية الأولى.

وتم بناء النصب التذكاري لهاريل ببلدة فيموتييه في نورماندي، لأول مرة من قبل أمريكي، وفقًا لخبيرة الجبن كانتين.

وقالت: "جاء طبيب أمريكي لأول مرة إلى نورماندي بعد الحرب العالمية الأولى ليطلب العثور على قبر ماري هاريل، وبعد ذلك بنى لها تمثالاً".

وأوضح الأمريكي أنه استخدم جبن الكممبر خلال الحرب لعلاج المرضى وأراد أن يأتي ويشكر مخترعته.

وتدمر هذا التمثال لاحقًا في عام 1944 بسبب القصف الأمريكي أثناء عمليات الإنزال في نورماندي، وكانت مجموعة من عمال مصنع الجبن في ولاية أوهايو هم الذين تبرعوا لبناء تمثال جديد بعد الحرب، وفقًا لما ذكرته كانتين.

لا يزال التمثال قائمًا بفخر حتى اليوم في ساحة بلدة فيموتييه في نورماندي، مع لوحة تشير إلى أنه هدية مقدمة من "400 رجل وامرأة يصنعون الجبن في فان فيرت، أوهايو، الولايات المتحدة الأمريكية".

نشر
محتوى إعلاني