مدينة الدراويش ومثوى جلال الدين الرومي.. ما قد لا تعلمه عن مدينة قونية التركية
دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN) -- يفضّل بعض المسافرين اختيار الوجهة التي يقصدها قلة من السيّاح.. وبين هذه الأماكن مدينة قونية التركية.
فتجذب هذه المدينة الواقعة في وسط تركيا ملايين الزوار سنويًا، لسبب وجيه لا يتّصل فقط بسحر المكان ومعالمه التاريخية البارزة، وشبكة الترام الحديثة التي تقلّ الناس من الضواحي إلى وسط المدينة.. بل لكونها أيضًا مركزًا للحج الإسلامي.
وتعرف قونية أكثر على الأرجح لكونها المثوى الأخير للصوفي والشاعر الصوفي جلال الدين الرومي في القرن الثالث عشر (يستخدم اسم مولانا في ما بعد). فضلا عن كونه عالما إسلاميًا مشهورًا، أطلق الرومي النظام المولوي للدراويش المولوية.
وما برح حضور الدراويش، الذين يمارسون طقوس العبادة على شكل رقصات غزلية تطلق أثوابهم الأنيقة أثناء تحركهم برشاقة على الأرض، قويًا. وفيما يمكن رؤيتهم في مواقع مختلفة من أنحاء تركيا، فإن قونية هي القلب النابض لأنشطتهم.
إن احتفالات "سما" المبهرة التي يقيمونها، والتي يكون الكثير منها مفتوحًا أمام الجمهور، تجعل الرحلة إلى قونية جديرة بالاهتمام، لكن هناك الكثير من الأسباب الأخرى التي تدفع المسلمين وغير المسلمين للذهاب إليها.
يقول كريم بولات، 30 عاماً، وهو درويش مولوي يعيش في قونية، تَعلّم الرقصات الاحتفالية من جده، وبدأ أداءها عندما كان في التاسعة من عمره: "هناك رابط لا ينفصم بين قونية وقداسة مولانا".
مكان للحج
أوضح بولات أن قونية كانت بالفعل مركزًا مهمًا قبل وصول الرومي. ومرت المدينة التي يعود تاريخها إلى آلاف السنين بحقبات عديدة منها الحثيين، واليونانيين، والرومان، والفارسيين، قبل أن تصبح عاصمة سلطنة الروم في القرن الحادي عشر.
وُلد الرومي في بلخ، في ما يعرف اليوم بأفغانستان، ويقال إنه شق طريقه مع عائلته إلى قونية التي، وفق بولات، أصبحت مركزًا للعلماء المسلمين ومكانًا يحظى بأهمية دينية.
وقال لـCNN: "هذه علامة على مباركة قونية كملاذ.. على غرار مدينتَي مكة والمدينة المقدستين". وأضاف: "نعتقد أن وصول قداسته إلى قونية لم يكن محض صدفة، ولا بد أنه اتبع إشارة تدعوه إلى هنا".
وروى بولات أنه بعدما أنهى الرومي تعليمه الديني في قونية، بدأ بإلهام العلماء الآخرين الذين توافدوا إلى المدينة. وسرعان ما بدأت كلمات تعاليمه تجتذب الناس من كل مكان.
وتابع: "سافر آلاف الأشخاص في مجموعات كبيرة من الأراضي غير الإسلامية، ضمنًا بلاد الروم، للقاء قداسة مولانا واعتناق الإسلام هنا قبل العودة إلى وطنهم. في الواقع، كان الناس يزورون قونية لأغراض دينية منذ 700 عام".
واليوم، يستمر الزوار غير المسلمين والمسلمين بزيارة المدينة.
تشمل المعالم البارزة للمسافرين متحف مولانا ومركز مولانا الثقافي، حيث تقام طقوس "سما" اليومية، ومسجد علاء الدين الجميل.
يقول عبد الله جيتين، وهو مصور مقيم في قونية، إن تاريخ المدينة والمنطقة يضعها أيضًا على الخريطة.
ويقول: "تتمتع قونية بمعالم تاريخية مهمة تحكي تاريخ كيف أصبح البشر متحضرين في الأناضول".
الأنفاق السرية
وتشمل هذه المواقع كاتالهويوك الواقعة جنوب شرق قونية. وهي مستوطنة تعود للعصر الحجري الحديث، اكتشفها علماء الآثار وتقدم نظرة رائعة على كيفية عيش الناس قبل 9000 عام.
وهناك موقع آخر، قرية سيل، الواقعة قرب وسط قونية، ويعود تاريخها إلى 5000 عام. كانت موطناً للمتحدثين باللغة اليونانية في القرن الماضي، إذ يُنسب الفضل إلى تعاليم الرومي حول التسامح، في الحفاظ على الانسجام بين المجتمعات المحلية اليونانية والتركية.
ويُعتقد أيضًا أن قلعة جيفالي، وهي عبارة عن هيكل قديم ينتصب على قمة جبل شمال غرب قونية، يعود تاريخها إلى ما هو أبعد من العصر الروماني وما زالت تقدم اكتشافات غير متوقعة. وتم العثور على نفق سري داخلها يُعتقد أن الحثيين قد شيدوه قبل حوالي 4000، واكتشف تحتها في عام 2015.
وبينما تتمتع قونية بكونها واحدة من أكثر المدن المحافظة دينيًا في تركيا، يقول جيتين إنها في الواقع مكان هادئ، ويرجع الفضل في ذلك جزئيًا إلى تأثير الرومي.
ووصفها بأنها "مدينة مريحة وآمنة، وتتمتع بعلاقات دافئة بين الجيران والأصدقاء والناس. وما برح الناس مهتمون بشدة بتعاليم مولانا حوا التسامح تجاه بعضهم".
ويوافقه الرأي الدرويش بولات، قائلًا بفضل الرومي، "حصلت قونية على لقب مدينة الحب".
البحيرة الوردية
تعد قونية أيضًا نقطة انطلاق لبحيرة طوز الكبيرة وشديدة الملوحة التي تبعد حوالي ساعتين بالسيارة شمال شرق المدينة. تشتهر طوز، المعروفة أيضًا باسم سولت ليك، بحياتها البرية المتنوعة وبالألوان الوردية التي تأخذها مياهها أحيانًا، ما يجعلها مفضلة على إنستغرام.
عمل مصور الحياة البرية فخري تونش، الذي نشأ بالقرب من طوز وقضى ساعات لا تحصى في تصوير الحياة البرية، على رفع مستوى الوعي وتحسين حماية الأنواع البيئية في البحيرة المهددة مثل طيور النحام.
ولفت تونش إلى أن المشاهد المذهلة التي تنشئها الطيور الوافدة في طوز، لا سيما عند غروب الشمس، كافية لإذابة قلوب أي زائر.
سافر تونش إلى 34 دولة لتصوير الطيور أو زيارة الأماكن كسائح، لكنه لا يزال مندهشًا من الجاذبية البصرية لمنزله القائم على ضفاف البحيرة.
وتابع "في الليل آتي إلى هنا.. حيث تنظر إلى الماء، يمكنك أن ترى مرآة للسماء. هذه الصورة تذهلني إذ كيف يكون ذلك ممكنا؟'".