"نقطة اللاعودة".. لماذا أصبحت أوروبا مركزًا للاحتجاجات المناهضة للسياحة هذا الصيف؟
دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN) -- انتشرت الاحتجاجات المناهضة للسياحة في مختلف أنحاء أوروبا هذا الصيف، حيث جرت المظاهرات في كل من هولندا، واليونان، وإسبانيا.
وفي أوائل يوليو/تموز الجاري، سار المحتجون عبر المناطق السياحية الشهيرة في مدينة برشلونة الإسبانية، وقاموا برش الزوار بمسدسات المياه وهم يهتفون "أيها السياح عودوا إلى دياركم".
ومؤخرًا، احتج الآلاف في جزيرة "مايوركا" الإسبانية، وزعم المنظمون أن نموذج السياحة في الجزيرة "يفقر العمال ويثري القليل فقط".
رد فعل عنيف تجاه السياحة المفرطة
تتمثل المشكلة الأساسية في ارتفاع الإيجارات وأسعار المساكن، وهو ما جعل امتلاك المنازل أمرا شبه مستحيل بالنسبة لبعض السكان.
وفي برشلونة، ارتفعت الإيجارات بنسبة 68% على مدى العقد الماضي، وفقًا لعمدة المدينة، جاومي كولبوني، وهو نمط ينعكس في مدن أوروبية أخرى.
وسئم العديد من السكان من ذلك الوضع، واتخذ البعض تدابير متطرفة لإيصال أصواتهم، إذ تظاهر السكان المحليون ضد السياحة المفرطة في جزر الكناري الإسبانية مطالبين بالإضراب عن الطعام في أبريل/نيسان الماضي.
وعندما بدأ المتظاهرون المناهضون للسياحة في إطلاق مسدسات الماء على الزوار في وسط مدينة برشلونة في 6 يوليو/ تموز، اكتسبت تلك اللحظة اهتمامًا دوليًا.
من جهتها، أوضحت أنتي مارتينز، الخبيرة في السياحة المستدامة من جامعة "كوينزلاند"، أنّ تأثير هذه الاحتجاجات على سمعة البلاد يمكن أن يؤثر على قرار السياح فيما يتعلق باختيار وجهاتهم.
وقالت: "تتمتع برشلونة الآن بسمعة سيئة حقًا بالنسبة للسياح الآخرين الذين لا يريدون الزيارة لأنهم خائفون".
مع ذلك، أشار إدواردو سانتاندير، الرئيس التنفيذي لمفوضية السفر الأوروبية، وهي جمعية غير ربحية مسؤولة عن الترويج لأوروبا كوجهة سفر، إلى أنّ الحوادث مثل الاحتجاجات في برشلونة "معزولة" ولا "تعكس الواقع الكامل لإسبانيا أو أوروبا".
وبشكلٍ عام، تعتقد مارتينز أنّ هذا ليس صراعًا بين السياح والسكان. وقالت: "بالنسبة لي، إنّه انعكاس أوسع للسياحة التي لم تُدار بشكل مستدام".
وأضافت: "عندما أرى تلك الصراعات التي يثور فيها السكان ضد السياحة.. أعتقد أنّ هذا انعكاس لعدم سعادتهم لأنّهم لا يحصلون على أي فوائد من السياحة التي يرونها".
وأشارت مارتينز إلى أنّ القضايا الرئيسية المطروحة هنا تعد هيكلية وليست شخصية، مضيفةً أنّ السكان الذين لا يستطيعون تحمل تكاليف المعيشة بسبب مستويات السياحة غير المستدامة يحصلون عادةً على أجور أقل، وبعضهم يعمل في صناعة السياحة نفسها.
وفي بعض المدن الأوروبية، تتخذ السلطات المحلية إجراءات جريئة في محاولة للسيطرة على مستويات السياحة.
اتخاذ الإجراءت
وأشاد المسؤولون في البندقية مؤخرًا برسوم الدخول المؤقتة، المصممة لتنظيم أعداد السياح، باعتبارها ناجحة.
وحققت الرسوم السياحية الجديدة التي تبلغ كلفتها 5 يورو (حوالي 5.4 دولار)، والتي انطلقت في 25 أبريل/نيسان وانتهت في 14 يوليو/ تموز الجاري، أكثر من 2.4 مليون يورو (حوالي 2.6 مليون دولار)، وهو أكثر بكثير من المتوقع، وفقًا لما ذكره عمدة البندقية، لويجي برونيارو.
من جانبها، قالت سوزانا بولوني، من مجموعة شبكة التضامن للإسكان (Solidarity Network for Housing) ومقرها البندقية، لـ CNN إنّ هذه الضريبة "ليست عديمة الفائدة فحسب، بل إنها ضارة أيضًا"، لأنها تُظهر البندقية كمدينة ملاهي يجب عليك شراء تذكرة لدخولها.
ولفتت بولوني إلى أنّ السياحة الجماعية تسببت بالفعل في إغلاق خدمات الرعاية الصحية، واستبدال المتاجر المحلية بمتاجر الهدايا التذكارية، وارتفاع أسعار المساكن في هذه المدينة الإيطالية.
وأضافت بولوني: "نحن على وشك الوصول إلى نقطة اللاعودة. نعتقد أن صرختنا طلباً للمساعدة، من مدينة تموت من أجل ربح قِلة، يجب أن تصل إلى العالم أجمع".
ورُغم ردود الفعل العنيفة من البعض، أصبحت المزيد من المدن في جميع أنحاء أوروبا تحذو حذو المدينة، وبعضها يتطلع حتى إلى توسيع رسوم السياحة.
وأعلن عمدة برشلونة، جاومي كولبوني مؤخرًا أنه يريد رفع ضريبة السياحة في المدينة لبعض ركاب السفن السياحية.
وصرح المكتب الصحفي للمدينة لـ CNN أنّ السياح الذين يزورون المدينة لأقل من 12 ساعة يتسببون عادة في ازدحام إضافي في مناطق الجذب الرئيسية مثل كنيسة "ساغرادا فاميليا"، وشارع لارامبلا، وحديقة "غويل".
وتشكل الضريبة السياحية الحالية ثالث أكبر مصدر للتمويل في برشلونة، حيث جمعت نحو 100 مليون يورو (نحو 108 ملايين دولار) العام الماضي من ركاب السفن السياحية، الذين يدفعون 6.25 يورو (نحو 6.8 دولار) لدخول المدينة، وغيرهم من الزوار الذين يقيمون في الفنادق وغيرها من أماكن الإقامة السياحية.
وقال كولبوني إنّه يريد أيضًا إنهاء التراخيص لنحو 10 آلاف شقة معتمدة حاليًا للإيجارات قصيرة الأجل، حسبما ذكر المكتب الصحفي.
ويبدو أنّ قضايا الإسكان ليست وحدها التي أثارت ردود فعل عنيفة ضد السياح، إذ أن السلوك غير المحترم الصادر من بعضهم لعب دورًا أيضًا.
وفي فلورنسا بإيطاليا، تم تصوير امرأة شابة مؤخرًا وهي تقبّل وتمارس تصرفات جنسية على تمثال "باخوس"، إله الخمر عند الرومان، ووصف مكتب رئيس البلدية ذلك بأنه فعل "يحاكي ممارسة الجنس".
وفي عام 2023، اتُهم سائح بإتلاف تمثال في نافورة "نبتون" التي يعود تاريخها إلى القرن السادس عشر في المدينة.
ويوضح سيباستيان زينكر، وهو أستاذ السياحة في كلية كوبنهاجن لإدارة الأعمال، كيف أدت هذه الأنواع من الحوادث إلى قيام بعض المدن بحملات تهدف إلى تثبيط بعض السياح عن الزيارة.
ويشير زينكر إلى حملة "ابتعد" في أمستردام من عام 2023، التي استهدفت الزوار الذكور الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و35 عامًا بإعلانات تحذرهم من عواقب السلوك المناهض للمجتمع.
وفي جزيرة "مايوركا"، ارتفعت الأسعار "بشكلٍ جنوني للغاية" بعد حظر العديد من الأنشطة "للسياح الثملين"، وفقا لزينكر.
وأضاف أنّ الكثير من الأموال التي جُمعت لن تعود إلى أيدي المجتمعات المحلية.
إذًا، ما هو الحل؟
ويرى زينكر أنّ الحل يتمثّل في "رؤية أنّ الأموال الناتجة عن السياحة، أو بمساعدة السياح، تُستثمر في الوجهة والوظائف حتى يتمكن الناس من تحمل تكاليف المعيشة".
وأضاف: "ستستمر هذه الاحتجاجات حتى نجد التوازن مرة أخرى".